إلى البارزانيين .. the game is over
لعل المتابع للشأن السياسي الكردي يعرف تماماً أن أزمة الأحزاب الكردية مع السلطة هي أزمة داخلية لا ترتبط بطبيعة نظام الحكم في العراق، ولا بالعاصمة بغداد على نحو خاص، بل إن لهذه الأزمة حتى امتدادات تاريخية حالت دون تمكن الكرد من تأسيس دولة على مدار الحِقب الف
كتب / سلام عادل
تداولت وسائل الإعلام منذ يوم أمس مضمون رسالة بعثها مسرور البارزاني الى الرئيس بايدن، يطلب من خلالها تدخل الإدارة الامريكي لدعم الإقليم الذي يبدو عليه أنه أوشك على السقوط، ما يعني نهاية التجربة الفيدرالية التي يدّعي بارزاني أن الولايات المتحدة قد صاغتها للعراق الجديد.
ومع أن الفيدرالية ليست رؤية امريكية بقدر ما هي مطلب خرج من العقل السياسي الكردي، وكان هذا المطلب على الدوام يتصدر الخطاب السياسي للأحزاب الكردية منذ الستينيات والسبعينيات، وسبق أن جرى التفاهم حولها مع البعثيين برعاية صدام حسين بصيغة (الحكم الذاتي) ولكن الاتفاق لم يدُم طويلاً.
ولعل المتابع للشأن السياسي الكردي يعرف تماماً أن أزمة الأحزاب الكردية مع السلطة هي أزمة داخلية لا ترتبط بطبيعة نظام الحكم في العراق، ولا بالعاصمة بغداد على نحو خاص، بل إن لهذه الأزمة حتى امتدادات تاريخية حالت دون تمكن الكرد من تأسيس دولة على مدار الحِقب الفائتة، سواء دولة تُبنى على قاعدة قومية، أو حتى جغرافية، أو بما يتفق مع المصالح الطبيعية التي يجتمع عليها الناس.
ولكن من الإنصاف، وبالضرورة، عزل مسارات الأحزاب الكردية الأخرى عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده البارزانيون، بدلالة تجارب العشرين سنة الماضية في دولة العراق الجديد، حيث تفاعلت القوى الكردية جميعها مع التجربة الديمقراطية، والتصقت بالمركز، وسعت الى أن تكون ساندة للعاصمة، باستثناء الديمقراطي الكردستاني الذي ظل يصنع الأزمات تلو الأخرى.
ولهذا ظل ما يُطلق عليه (ملف الخلافات بين المركز والإقليم) على طاولة جميع الحكومات المتعاقبة، وكان دائماً هذا الملف يظهر في وجه كل دورة برلمانية من دون أي حلول نهائية، على الرغم من رغبات جميع رؤساء الحكومات، وهم شيعة بالطبع، لحلحلة المشاكل ودعم الإقليم بما يشاء من أموال وتخصيصات وصلاحيات طيلة السنوات الماضية.
ومن هنا يتضح أن القيادة البارزانية تحديداً، قد اتخذت مسار الأزمات في رسْم السياسات، وهو ما يلاحظ بين الإقليم والمركز وبين الإقليم ونفسه، حتى فقدت حكومة الإقليم كل أنصارها وحلفاءها الداخليين، وتعطّل جراء ذلك برلمان الإقليم، ما أدى إلى تحول سلطة مسرور البرازاني إلى تصريف أمور يومية.
وصار نتيجة للسياسات المأزومة التي يعتمدها الديمقراطي الكردستاني أن تحول الإقليم الى منطقة توترات دولية، من جهة إيران وجهة تركيا وجهة سوريا، فضلاً عن ظروف العيش المتردية من الناحية الاقتصادية جراء استقطاع رواتب الموظفين وعدم الإيفاء بسدادها شهرياً، وهي جميعها أزمات تحاصر المحافظات الثلاث من كل جانب.
وحتى هذه اللحظة لا تريد العائلة البارزانية الاستماع لنقد العقلاء في البلاد، ولا حتى احترام مقررات التحكيم والمحاكم والقضاء، وبدلا عن ذلك اختارت العائلة لغة التصعيد الإعلامي، بل وفرضت على جميع كوادر الحزب الذين يتمتعون بالحكمة الى اعتماد خطاب التصعيد مع بغداد، بما فيها تخوين القوى السياسية الكردستانية الأخرى، وهو ما أدخل الحزب في عزلة داخلية على الصعيد الوطني.
ولعل هذه العزلة التي صار يشعر بها الحزب الديمقراطي الكردستاني، هي التي دفعت مسرور البرازاني الى كتابة رسالة استجداء للرئيس الامريكي، يطلب فيها الدعم من أجل إدامة الحالة المريضة التي يمر بها الإقليم، وذلك باعتقاده أن الاستنجاد بأمريكا سيساعد في حل ما تراكم من أزمات نتيجة إدارته الفاشلة لحكومة الإقليم، مع كون الذي يعول على أمريكا إنما يعول على سراب، وهذا ما أثبتته التجارب.
وبالتالي .. لا توجد في الأفق حلول أمام العائلة البارزانية غير أن تتراجع عن سلوكها المتعالي والخارج على القانون والدستور، وان تلتزم بقواعد العمل السياسي أسوة ببقية القوى الوطنية، وأن تتوقف هذه العائلة عن مهاجمة الأحزاب الكردية الأخرى والأحزاب التركمانية والمسيحية والشيعية، وعلى رأس ذلك احترام النظام الديمقراطي الاتحادي، لأن الفدرالية لا تعني التصرف بمقدرات الإقليم وكأنه مزرعة مملوكة للعائلة، لأن الاستخفاف بكل شيء سيقود إلى (نهاية اللعبة).
#شبكة_انفو_بلس