التضييق على (حرية الابتزاز) وأزمة الطبالين في هذه الايام
لعل الحرب مع داعش، التي أدخلت البلاد في ظروف طاحنة مع الارهاب، فرضت إعادة نمط التحشيد الإعلامي الذي ساد في الثمانينيات خلال العرب العراقية - الإيرانية، وهو تطبيل حرب فرضته ظروف المرحلة، وكما يعلم الجميع أن طبول الحرب حالة ماثلة في التاريخ القديم والمعاصر.
كتب / سلام عادل
لم تكن حرية الصحافة والتعبير مفهومةً في السنوات الأولى من عمر النظام العراقي الجديد، لكنها تطورت كتحصيل حاصل لتطور الوعي الديمقراطي، وصار أصحاب المهنة يتعلمون كيف يمارسون عملهم بمعزل عن الارتباط بوزارة إعلام رسمية تتحكم بموظفيها كيفما تشاء، وهو يعد مكسباً ساهم في خلق سوق إعلامية ظلت رائجة ومربحة لعموم المشتغلين في قطاع الصحافة والإعلام والفنون حتى وقت الاصطدام بداعش.
ولعل الحرب مع داعش، التي أدخلت البلاد في ظروف طاحنة مع الارهاب، فرضت إعادة نمط التحشيد الإعلامي الذي ساد في الثمانينيات خلال العرب العراقية - الإيرانية، وهو تطبيل حرب فرضته ظروف المرحلة، وكما يعلم الجميع أن طبول الحرب حالة ماثلة في التاريخ القديم والمعاصر، ويمكن أن تكون مفهومة في في مثل هذا النوع من الصراعات والتحديات، لكن ما يؤسف له انتقال هذا التطبيل إلى منطقة العمل السياسي، بل وصار الأداة الاولى بيد الحاكم السياسي، وهو ما يعد انحدارا في كل الاحوال.
ويمكن تحديد هذا الانحدار ابتداءً منذ اللحظة التي تولى فيها (كاظمي) وكالة جهاز المخابرات الوطني العراقي، ومن ثم رئاسة الجهاز، حيث أسس لعملية شراء ذمم الصحفيين والمثقفين والفنانين عبر استخدام إمكانيات هذا الجهاز الأمني الرفيع المستوى، والقادر تحت سقوفه توفير ملاذات آمنة لكل الطامحين والطامعين، ولذلك مثّلت تلك الفترة التي كان رئيس الحكومة فيها حيدر العبادي فترة ازدهار للجيوش الإلكترونية الممولة من اموال الحكومة، رافقها ازدهار المنصات والبيجات وبروز ظاهرة المؤثرين بعناوين بلوگر وفاشنيستا ومشاهير السوشيال ميديا.
وازدادت الأمور تعقيداً مع تولي (كاظمي) رئاسة السلطة التنفيذية بأكملها لمدة سنتين ونصف، وهو خريف أسود مرَّ على الحياة السياسية العراقية، لدرجة صرنا نسمع فيها مخاوف من سياسيين تتعلق بحرية التعبير، وليس فقط شكاوى من قبل صحافيين، وذلك جراء حملات التسقيط التي يمكن شنها بسهولة من قبل مستشار رئيس الوزراء في أي لحظة من لحظات الطيش الليلية، تستهدف سمعة وكيان، وحتى الحياة الشخصية لأي معارض للحكومة، أو لأي كاتب مقال رأي لم ينضم لجوقة الطبالين.
ولهذا صار (التطبيل) قطاع من قطاعات العمل في الفضاء الفني والإعلامي، على الرغم من كونه يعمل بأدوات (الإعلام الأصفر)، ولكن ما يزيد الأمور تعقيداً في هذا المشهد (الأصفر) هو (الابتزاز)، الذي يُصنف على لائحة الجنح التي يحاسب عليها قانون العقوبات العراقي، والقوانين العالمية على حد سواء، ومن هنا يبدو أن التذمر الذي نسمعه هذه الأيام على لسان مشاهير الابتزاز، بحجة الخوف على حرية التعبير، إنما هو أنين جراء الملاحقات القضائية التي صارت تلاحقهم، بعد أن تأخر تفعيلها كثيراً، وهي فرصة للبيت الصحفي العراقي لإعادة الاعتبار لنفسه وتنقية مناخات العمل المهني.
#شبكة_انفو_بلس