التفاوض غير المُجدي مع الأمريكان
من هنا يتضح أن الدولة العراقية التي تأسست عام 1921 كانت دائما محلَّ أطماع خارجية واحتلالات، وعلى خلفية ذلك كان يضطر أهل البلاد بين فترة وأخرى إلى الدخول في مفاوضات تستهدف تحقيق التحرر والسيادة الكاملة.
كتب / سلام عادل
ليست هذه أول مرة تدخل فيها البلاد بجولة مما يُطلق عليها (مفاوضات)، فقد سبقت الجولة التي أعلنت عنها الحكومة هذه الأيام، جولات منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وكانت تستهدف بناء الدولة الوطنية والحصول عل السيادة الكاملة، وفي وقتها كان إنهاء الاحتلال البريطاني يمثل الهدف، ومن ثم حالة الانتداب التي فُرضت على النظام الملكي، واستمرت جولات التفاوض حتى مع النظام الجمهوري في مراحل متعددة من بينها (خيمة صفوان)، التي جرت احداثها على الحدود العراقية الكويتية بين جنرالات صدام وجنرالات أمريكا.
ومن هنا يتضح أن الدولة العراقية التي تأسست عام 1921 كانت دائما محلَّ أطماع خارجية واحتلالات، وعلى خلفية ذلك كان يضطر أهل البلاد بين فترة وأخرى إلى الدخول في مفاوضات تستهدف تحقيق التحرر والسيادة الكاملة، وخصوصاً في مرحلة العراق الجديد التي ابتدأت في عام 2003، والتي دشّنتها السلطة العراقية بتفاهمات (نادي باريس)، المرتبطة بالديون والمتعلقات المالية المترتبة على النظام السابق، والتي رافقتها جولات تصفية تَرِكَة غزو الكويت والعقوبات الاقتصادية.
ولعل المفاوضات الخاصة بإنهاء مرحلة الاحتلال المتعدد الجنسيات الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، تبدو هي الأكثر قرباً للذاكرة السياسية العراقية، وهي أيضاً نقاشات كانت ينبغي أن تكون قد أسَّست لحالة صحية انتهت بخروج آخر جندي أمريكي في عام 2011، باعتبار أن مخرجات هذا التفاوض قدمت اتفاقيات تنطوي على معاهدات أمنية وسياسية واقتصادية، ظهر منها بشكل واضح (اتفاقية صوفا) وأخرى جرى تسويقها لوسائل الإعلام باسم (اتفاقية الإطار الاستراتيجي).
ولهذا يكون من المستغرب أن نتحدث في عام 2024 عن دخول بغداد في مفاوضات مرة أخرى مع جنرالات ودبلوماسيّي واشنطن، بهدف التوصل إلى صيغة مُرضية تُفضي الى تنظيم جدولة انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي العراقي، على خلفية مطالبات شعبية وسياسية، وتحت ضغط من قوى مقاومة عراقية دخلت في مواجهات مسلحة دامية خلال الثلاثة أشهر الماضية، وكأن بغداد كانت خلال العشرين سنة الماضية تعيش في نقطة صفرية تعطي انطباعات أن لا وجود لأي اتفاقات يمكن أن تكون محترمة.
وما يزيد حالة اللف والدوران هذه، تغريدة سفيرة أمريكا لدى العراق اليهودية ألينا رومانوسكي، التي أبدت فيها ترحيباً ببدء أعمال اللجنة العسكرية العليا الأمريكية العراقية بهدف الانتقال إلى (شراكة أمنية ثنائية مستدامة)، وهو ما يعني إعادة تكرار لاتفاقية (صوفا) التي لم تكن مفيدة للعراق بأي حال من الأحوال، والدليل ما حصل في 2014 أثناء غزوة تنظيم داعش الإرهابي، والتي كانت فيها بغداد تأمل دعماً عسكرياً من واشنطن دون أن تتم تلبية طلبها، حتى توسعت مساحة انتشار التنظيم ليبتلع ثلاث محافظات عراقية، فضلاً عن كسر الحدود مع سوريا وإعلان الخلافة المزعومة.
ولذلك يكون لا معنى أصلاً في تقبُّل أي مفاوضات جديدة من قبل النخبة أو الفصائل بروح إيجابية، بل إن أي تفاوض جديد مع الأمريكان لن يكون مُجدياً على الإطلاق، سيما أننا نتحدث عن حالة يمكن إنهاؤها بقرار من طرف واحد، مثل حالة إنهاء أعمال التحالف الدولي، وهذا الطرف الواحد هو الحكومة العراقية بالطبع، التي تمتلك صلاحية تفرض على أي قوات عسكرية أجنبية مغادرة الأراضي العراقية، من دون جلسات تفاوض أو معاهدات موقَّعة، ويكفي طلب جدول زمني يُنظّم الانسحاب دون أن يترتب عليه شروط واشتراطات أو أي التزامات، وليس أكثر من ذلك.
#شبكة_انفو_بلس