"راوح في محلك" مع البنك المركزي العراقي
قد برر البنك المركزي تعليماته هذه بكونه يسعى إلى تطوير أنظمة الدفع الإلكترونية داخل الأسواق العراقية، لتحل محل التعامل بالنقد، ولهذا لجأ إلى منطق الإجبار بدل منطق الحوافز لتشجيع المواطنين على التعامل بالبطاقة الإلكترونية، ولم تفكر إدارة هذا البنك الفاشلة
كتب / سلام عادل
أصدر البنك المركزي العراقي مؤخراً ضوابط تخص بطاقات توطين رواتب الموظفين والمتقاعدين، سيتم بموجبها حجز 20% من راتب كل شخص، ودون تسليمه كاملاً (كاش) لأصحابه، الذين يكدّون طوال الشهر من أجل الحصول على راتب مؤمّن من خزينة الدولة، باعتبارها (دولة) وليست شركة تتم إدارتها وفق المزاجيات أو بواسطة التجارب والتعليمات المتناقضة.
وقد برر البنك المركزي تعليماته هذه بكونه يسعى إلى تطوير أنظمة الدفع الإلكترونية داخل الأسواق العراقية، لتحل محل التعامل بالنقد، ولهذا لجأ إلى منطق الإجبار بدل منطق الحوافز لتشجيع المواطنين على التعامل بالبطاقة الإلكترونية، ولم تفكر إدارة هذا البنك الفاشلة، حتى ولو، بمراجعة قانونية هذه التعليمات، من ناحية كون أجور ورواتب الموظفين حق شخصي لهم يتصرفون بها كيفما يشاؤون، ولا ينبغي على أي جهة فرض حجز الراتب أو استقطاع جزء منه دون وجود تشريعات تسمح بذلك.
وعبّر مجموعة من الاقتصاديين العراقيين وخبراء المال، عن استغرابهم من إجراءات البنك المركزي المتكررة لحل أزمة السياسة النقدية، لكونها سياسة متخبطة ابتداءً من اللحظة التي جرى فيها إعلان تطبيق مفردات الورقة البيضاء في حكومة (كاظمي الغدر)، وما تلاها من معالجات إبتداءً من مطلع العام الحالي، والذي شهد إطلاق مجموعة (حُزم)، وُصِفت بـ(الحزم الإصلاحية)، ولكن اتضح أنها (حُزم فوضوية)، لكونها لم تتقدم بالملف المالي خطوة واحدة إلى الأمام.
ومثلما اتضح أن (الورقة البيضاء) عبارة عن (ورقة سوداء)، مع كونها جاءت بنصائح من البنك الدولي بالتشاور مع البنك المركزي والفيدرالي الأمريكي والخزانة، اتضح أيضاً أن (المنصة) التي خُصصت لتسيير الحوالات المالية بين العراق والعالم، هي الأخرى فاشلة، وصار ينبغي إيقافها واستبدالها بما بات يُعرف مؤخراً بـ(مصارف المراسلة)، وهي موديل جديد جاء أيضاً بنصائح البنك الدولي والفيدرالي الأمريكي والخزانة مع شراكة (العباقرة) في إدارة المركزي العراقي.
وعلى الرغم من كون البنك المركزي العراقي أنهى مؤخراً جولة مفاوضات في الإمارات مع الجانب الأمريكي، واصدر على خلفية هذه المفاوضات تصريحاً صحفياً يكشف فيه عن مخرجاتها، إلا أن الثقة والأمل بتطور حال السياسة النقدية في البلاد أمر مستبعد تماماً، لأن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني حالة ستبقى مستمرة في ظل انعدام السيادة العراقية الكاملة، وبالتالي سيبقى البنك المركزي (يراوح في محله) وسنبقى نطالع بين فترة وأخرى حُزماً إصلاحية جديدة وتعليمات جديدة تدخلنا في أزمات جديدة.
ومن جملة الظواهر الجديدة التي ستظهر في الحياة العراقية تعدد وتنوع (الأسواق السوداء) الموازية لحركة التجارة في البلاد، فمثلما ظهر عندنا (سوق الدولار الموازي) جراء نافذة بيع العملة، سوف يظهر (سوق الوقود الموازي) جراء التعليمات الأخيرة التي سيتم بموجبها فرض بيع البانزين بالبطاقة الإلكترونية، وبعد ذلك (سوق الكاش) وايضاً (سوق المديونية)، وكل هذه سببها الإدارة الفاشلة لمحافظ البنك المركزي (علي العلاق)، وسكوت اللجنة المالية البرلمانية وتوقفها عن ممارسة دورها الرقابي.