شيء من (خداع) المفاوض العراقي
لعل العمل على تفكيك المشهد التفاوضي يعتبر من أكثر المواضيع تداخلاً واشتباكاً، وذلك جراء الخداع الذي رافق تأثيث المشهد على نحو موسع، جعل ما هو أمني وعسكري يختلط بما هو اجتماعي واقتصادي، ويشمل ذلك التلاعب بالنصوص القانونية والتصريحات الإعلامية لدرجة الإسهال
كتب / سلام عادل
قررتُ على مدار الأيام القادمة كتابة سلسلة مقالات ستُنشر تباعاً على منصات (شبكة أنفو بلس)، تتعلق بمفاوضات إنهاء التواجد العسكري الأجنبي على الأراضي العراقية -تحت مختلف المسميات- باستثناء ما تجيزه مفردات معاهدة فيينا لتنظيم العمل الدبلوماسي لسنة 1961، والتي حددت ما يتعلق بالتمثيل العسكري تحت يافطة (الملحقيات)، والتعامل بالمثل وفق قاعدة التوازن بين الدول، وبالضرورة ستركز هذه المقالات على القواعد العسكرية الأمريكية والناتو، وكل ما له صلة بالتحالف الدولي ضد داعش.
ولعل العمل على تفكيك المشهد التفاوضي يعتبر من أكثر المواضيع تداخلاً واشتباكاً، وذلك جراء الخداع الذي رافق تأثيث المشهد على نحو موسع، جعل ما هو أمني وعسكري يختلط بما هو اجتماعي واقتصادي، ويشمل ذلك التلاعب بالنصوص القانونية والتصريحات الإعلامية لدرجة الإسهال والاستسهال في التعابير، من بينها إغراق البلد بجملة من المعاهدات والاتفاقيات، تصل إلى ابتكار قرارات من وحي الخيال، يتم نسبها لمجلس الأمن أحياناً، تبدو ملزمةً للعراق ومقيدةً لسيادته واستقلاله.
ويبدو أن (الخداع) الذي بناه ما يطلق عليه (المفاوض العراقي) قد مرَّ بمجموعة مراحل، ابتداءً من عام 2008 كمرحلة أولية ترتبت عليها ما توصف بمعاهدة (صوفا)، ثم تفاهمات الإطار الاستراتيجي العراقي - الأمريكي في عام 2011، ومروراً بسنة 2014 التي شهدت تأسيس التحالف الدولي ضد داعش، ومن ثم تفاهمات انتهاء العمليات العسكرية لتحرير العراق من الإرهاب في سنة 2018، وما يرتبط بها من تفاهمات حصلت سنة 2019، وليس انتهاءً بمشاورات سنة 2021 التي تُعد امتداداً لآخر جلسات تفاوضية جرت في شهر آب/ أغسطس سنة 2023 تحت رعاية حكومة السوداني.
وفي كل المراحل المدرجة أعلاه كانت تغيب الشفافية ومعها الوضوح، وكذلك المصداقية، كما يُضاف التغييب المقصود لنصوص التفاهمات ومحاضر الاجتماع والمباني الحقيقية للتفاوض، حتى وصل الحال في بعض الأحيان إلى تسريب مسودات مزورة، بعضها باللغة الانجليزية وأخرى مترجمة، وهي جميعها مؤشرات على أن (ملف المفاوضات) كان دائما يروي حكايتين، الأولى في العلن والثانية في السر، وهو ما جعل وضع البلاد السيادي غير معروف وغير واضح، وحتى لا تستطيع أي جهة مسؤولة تحديد موقع العراق على خارطة القانون الدولي.
ومن هنا يترتب العمل على تبويب كل ما يتعلق بهذا الملف الوطني الحساس، الذي ظل على مدار السنوات بيد أشخاص تلاحقهم اتهامات (التخابر + التخادم)، ما جعلنا في كل مرة نعتقد فيها أن العراق يتقدم خطوة إلى الأمام نكتشف حقيقة أن العراق يتراجع خطوة إلى الوراء، الحال الذي جعل البلاد في المحصلة النهائية مسرحاً لجرائم إعدام، تُرتكب أحياناً في وضح النهار وسط العاصمة والمحافظات العراقية الأخرى، بواسطة طائرات مسيرة أمريكية وإسرائيلية، يسقط ضحيتها عراقيون، بعضهم قادة، من دون أن تتم مواجهتها بالشكل المناسب أو حتى القدرة على إيقافها.
#شبكة_انفو_بلس