عيد وطني مع نقص التشريع من اختيار السلطة وليس الشعب
كان أول عيد في البلاد هو عيد العرش، الذي يصادف مع مناسبة دينية لدى الشيعة، وهو (عيد الغدير)، حيث فضّل الملك فيصل الاول الهاشمي - وهو سليل أشراف مكة الذين حكموا الحجاز - أن يكون تاريخ تنصيبه على العرش يتناسب مع هذا العيد الذي يحتفل به أكثرية سكان البلاد.
كتب / سلام عادل
منذ عام 2003 دخلت النخبة العراقي في جدل حول العيد الوطني العراقي من جانب تعدد الأحداث التي مرت بها البلاد ابتداءً من عام 1921، حين جرى تأسيس الدولة الحديثة بنظام ملكي، في الوقت الذي كان فيه العراق مع جميع دول المنطقة في مرحلة الاحتلال الفرنسي - البريطاني، وهو الاحتلال الذي تحرى فيه قاسم المنطقة على خلفية أحداث الحرب العالمية الأولى.
وكان أول عيد في البلاد هو عيد العرش، الذي يصادف مع مناسبة دينية لدى الشيعة، وهو (عيد الغدير)، حيث فضّل الملك فيصل الاول الهاشمي - وهو سليل أشراف مكة الذين حكموا الحجاز - أن يكون تاريخ تنصيبه على العرش يتناسب مع هذا العيد الذي يحتفل به أكثرية سكان البلاد، ولكونه أيضاً ينطوي على دلالة ترتبط بوصية النبي التي منح فيها الإمام علي بن أبي طالب ولاية شؤون المسلمين بعد وفاته.
وجاء بعد عيد العرش عيد آخر هو (عيد الجيش)، الذي صار يتم الاحتفال به في يوم 6 / كانون الثاني من كل عام، ومازال هذا التقليد مستمر حتى هذه اللحظة، فيما لحق به (عيد الشرطة) بعد تأسيسها في 9 / كانون الثاني، ومن بعد توالت مجموعة أحداث صارت شيئاً فشيئاً يتم إدراجها في روزنامة البلاد، من بينها حتى مناسبات وأعياد عالمية مثل عيد العمال وعيد رأس السنة .. الخ.
ولكن بقي العيد الوطني للبلاد عرضة للمتغيرات السياسية، خصوصاً بعد انقلاب تموز سنة 1958، الذي تسبب بإسقاط النظام الملكي، الأمر الذي أدى إلى دخول البلاد في حالة من عدم الاستقرار وسط سلسلة من الحروب الخارجية والنزاعات السياسية التي راكمت الكثير من الأحداث، وبعض هذه الأحداث صارت كريهة حتى.
ومن بين الأحداث الكريهة ذكرى 8 / شباط سنة 1963، حين استولى فيها الحرس القومي على السلطة، وكذلك ذكرى 17 - 30 / تموز، التي شهدت مرحلة تولي حزب البعث مقاليد الحكم حتى عام 2003، حين جرى إسقاطه بحملة عسكرية أمريكية وضعت البلاد تحت الاحتلال الامريكي في 9/ نيسان، وهي آخر ذكرى مختلف عليها منذ 20 سنة في أقل تقدير.
وتعتبر روزنامة المناسبات والأعياد الوطنية أثناء سلطة حزب البعث هي الأكبر من نوعها، لكونها اشتملت على أحداث لا تعد ولا تحصى كان يُراد منها تخليد سلطة البعث، من بينها تواريخ حروب النظام في الثمانينيات، مثل ذكرى معركة تحرير الفاو ومعركة أم المعارك، وحتى بعض المناسبات الشخصية مثل يوم ميلاد صدام حسين، ولكن كل هذه المناسبات والأعياد انتهت ولم يعد لها وجود اليوم.
ولهذا ظلت مناسبات البلاد وأعياده عرضة للمد والجزر على طريقة كلما جاءت أمة لعنة مَن قبلها، وهو السبب الذي جعل الدولة العراقية الحديثة تبحث عن مناسبة يمكن الاتفاق عليها من دون أي اعتراض، لتكون نقطة التقاء وطنية تجمع الجميع ولا تفرقهم على أساس الاختلافات السياسية.
وفي ظل الجدل الذي مازال مستمراً، والذي لم يُحسم بعد، تقرر من قبل مجلس الوزراء في تشرين الاول / 2021، أن يتم اعتبار ذكرى استقلال العراق من الانتداب البريطاني عيداً وطنياً، وهي الذكرى التي بموجبها جرى اعتماد العراق عضواً في عصبة الأمم المتحدة آنذاك، والذي يصادف في يوم 3 / تشرين الاول من سنة 1932.
ويبقى قرار قرار مجلس الوزراء بمثابة مسودة قانون لا يمكن أن ينزل إلى حيز التنفيذ من دون اعتماده من قبل مجلس النواب بصيغة تشريع، وهو ما كاد أن يحصل، إلا أن عملية التشريع لم تكتمل، لكونها توقفت عند القراءة الاولى، ما يتطلب قراءة ثانية ومن ثم التصويت.
وعليه .. يعتبر العراق من دون عيد وطني رسمي حتى هذه اللحظة، إلا في حدود التقليد الأخير الذي بدأت الحكومة تسعى إلى ترسيخه من خلال إقامة فعاليات وأجواء احتفالية في 3 / تشرين الاول، يجري خلالها استقبال بعض التهاني الرسمية. لكن هذا العيد، في المحصلة، هو مجرد عيد من اختيار السلطة وليس من اختيار الشعب، وربما سيتغير بعد تغير السلطة، لكونه مناسبة ليس لها معنى كبير مقارنة بذكرى ثورة العشرين، التي اندلعت في 30 حزيران 1920، والتي اهتزت لها البلاد من شمالها إلى جنوبها، وقادت إلى انتزاع الدولة العراقية انتزاعاً من المحتلين.
#شبكة_انفو_بلس