ما بعد خراب أربيل
من غير المفهوم هذا الاستقبال الحافل لمسعود البارزاني وكأنه زعيم العالم، وهو مجرد رئيس حزب لديه نفوذ في محافظة ونصف فقط، ولا حتى رئيس دولة أو إقليم !، وهي حالة افتقدت للحد الأدنى من المراسيم
كتب / سلام عادل
وصل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني إلى بغداد بعد قطيعة دامت 6 سنوات، ولا أحد يعرف لماذا مسعود على قطيعة مع بغداد !، وهي العاصمة التي موّلت كل ثرواته المتضخمة داخل وخارج البلاد، ومنحت عائلته سلطة شرعية على المحافظات الشمالية الثلاث، لم يُحسن استخدامها حتى وصلت لمرحلة تعددت فيها الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية، وغابت عنها الحقوق والحريات وسط قمع صار يذكّرنا بزمن البعث الصدامي.
وتشهد عاصمة الإقليم نقصاً حاداً في الخدمات الرئيسية، فضلاً عن التوترات السياسية المتفاقمة، والتي تسببت بتعطيل برلمان الإقليم منذ أكثر من سنة تحولت بموجبه الحكومة إلى تصريف أمور يومية، داخل عجز هائل بالموازنة حال دون سداد رواتب الموظفين بشكل منتظم، وفوق كل ذلك بات الإقليم مرتعاً لمختلف أشكال الجماعات المسلحة المناوئة لدول الجوار.
ومن غير المفهوم هذا الاستقبال الحافل لمسعود البارزاني وكأنه زعيم العالم، وهو مجرد رئيس حزب لديه نفوذ في محافظة ونصف فقط، ولا حتى رئيس دولة أو إقليم !، وهي حالة افتقدت للحد الأدنى من المراسيم، وسط جدول زيارة متخم باللقاءات، اشتمل على مقابلة سفراء الدول العظمى والجوار والدول العربية، وتعدى الأمر إلى مقابلة القوى السنية لوحدها، والقوى الشيعية لوحدها، علاوة على جميع أطراف إدارة الدولة والرئاسات.
وقد تعوّد الحزب الديمقراطي الكردستاني على مدار 72 سنة من عمره على التمرد ضد الدولة العراقية، واعتماد سياسة التخادم والتخابر مع مختلف أشكال الدول، بما فيها الكيان الصهيوني، وهو الذي يعتبر العدو الأول للأمن القومي العراقي، وزاد الحزب في مناكفاته لبغداد إلى الدرجة التي لم تشهد فيها سلوكياته أي استقرار مع العاصمة لمدة خمس سنوات متواصلة.
ولعل مشهد زيارة مسعود البارزاني الأخيرة إلى بغداد تذكرنا بزيارات سابقة تنطوي على نفس الشكل والمضمون، بعضها كان في زمن صدام، وأخريات تعود لحقبة السبعينيات، وكان الملا مصطفى، المؤسس للحزب، هو من رسم هذا الشكل من العلاقات المتوترة التي لطالما تسببت بافتعال حروب واقتتال، ويذكر من شهدوا التاريخ القريب كيف فتحت سلطة عبد الكريم قاسم أذرعها للبرزانيين، وكانوا في الشتات الروسي حينها، ومع ذلك لم تدُم كل سياسة الأيادي المفتوحة مع الحزب وقيادته.
ولهذا ستفشل نوايا العاصمة في جعل مسعود وحزبه ضمن المناخ الوطني، وهو ما ستثبته الأيام، كما فشلت في السابق كافة المحاولات، التي حصلت في العهد الملكي والجمهوري وفي العراق الجديد، لأن الحزب يرى المصالح في التمرد على الدولة، وفي الخروج على القانون، ويرى ذلك أيضاً في الأزمات داخل الإقليم وحوله، ويشمل ذلك صناعة الفتن داخل الحكومة المركزية والشارع السياسي، وكان آخرها اضطرابات تشرين والتحالف الثلاثي، الذي كاد أن يطيح بالعملية السياسية ويجعل بغداد خربة مثلما صارت أربيل خربة.