ما لا يذكر حول عين جالوت
رغم كونها وقعت قبل ثمانية قرون في نهايات شهر رمضان المبارك، ما زلت تقرأ وتسمع في ذكراها السنوية أو حتى خارج الذكرى أنها النصر المسدد والكبير الذي تحقق على يد المماليك في (عين جالوت)
رغم كونها قد وقعت قبل ثمانية قرون في نهايات شهر رمضان المبارك، ما زالت تُقرأ وتُسمع في ذكراها السنوية أو حتى خارج الذكرى، أنها النصر المسدّد والكبير الذي تحقق على يد المماليك في (عين جالوت)، وأنها الظفر الذي أذلّ المغول أول مرة منذ تحركهم وإشادة الأفواه والأقلام بالقائد المملوكي" قطز" خصوصاً، وتجعله في مرتبة عُليا باعتباره قاهر جبابرة التتار وهكذا. فما هي الحقيقة؟
تقع عين جالوت في الأراضي الفلسطينية وهي أول منطقة على امتداد أكثر من نصف قارة آسيا، يخسر المغول معركة ويتوقفون عن الزحف، وهذا يثير السؤال عن الأسباب والعوامل التي حقق المماليك من خلالها نصرهم الكبير.
وبعيداً عن التحيز وشعارات التفاخر، إليك عزيزي القارئ هذه الحقيقة بموضوعية بلا زيادة أو مبالغة.
كان الجيش الذي تقدم نحو مصر بقيادة هولاكو وهو الجيش الذي اجتاح باقي مدن إيران والعراق وصولاً إلى حدود الشام ومصر ولكن وقبل الحملة على مصر مات الإمبراطور مونكو خان وكان على أخيه هولاكو وفقاً للقانون الذي وضعه جدهم جنكيزخان أن يعود فوراً بمعظم القوات إلى العاصمة، فالقانون يقضي في حال وفاة الخان العظيم يتوجب على الأمراء كافة العودة إلى العاصمة لحين تنصيب إمبراطور جديد واستتباب الأمور، ما اضطر هولاكو لسحب ثمانين بالمئة من الجيش وإبقاء فرقة واحدة لا يزيد عدد مقاتليها عن عشرين ألفاً يقودها محارب قديم تخطّى الثمانين سنة يُدعى كتبغا، ولما عاد هولاكو أدراجه بالجيش اتخذ كتبغا قراراً بمحاولة حسم المعركة المنتظرة بما يملك من قوة بعيداً عن أمر الإمبراطور الجديد أو القوات الكاملة، وهنا نضع خطاً أحمر تحت نقطتين اثنتين: الأولى أن القائد المُلهم المحفّز الذي يشحذ هِمم المقاتلين كان غائباً. والثانية أن المماليك واجهوا عشرين بالمئة من الجيش الذي كان مهيّأ لهم. من جانب آخر فإن هولاكو لم يعد إلى مناطق سيطرته لاحقاً بعد ذهابه إلى منغوليا بل ظل فيها مشغولاً بالخلاف مع أخويه وتنظيم شؤون البلاد لحين وفاته، وبالتالي فإن المغول كانوا منشغلين تماماً عن مزيد من الحروب في الغرب وهذا هو العامل الثالث لنصر المماليك الذي ساهمت فيه الظروف بشكل كامل، حتى أن الفتوحات المغولية في إيران والعراق وحدود الشام ذهبت سدى نتيجة إهمال قوبيلاي خان لها وانشغاله ببناء الصين حتى تلاشت المناطق الأخرى، وهذا ما دعا إلى ظهور ثائر جبار يريد استعادة تلك المناطق وإحياء فكر جنكيزخان فيها يُدعى "تيمورلنك".