مصر .. وطوفان الأقصى .. وصفقة القرن
بعد انقلاب 2013 لم يتمكن النظام الجديد في مصر من إحلال دولة مبارك والحزب الوطني بشخصيات من النخبة الحاكمة الجديدة (أهل الثقة) من المؤسسة العسكرية وبالرغم من عاصفة الإقالات والإحالة للتقاعد التي بدأها السيسي في 2015 وطالت مئات من الموظفين بالمخابرات المصرية
كتب/ شادي علي
وبالرغم من بعض التحليلات التي تقول إنه بعد أحداث "طوفان الأقصى" صار الغرب أكثر حاجة لـ (السيسي) ولاستقرار مصر كمرتكز للحفاظ على ضبط الأمن بالمنطقة، إلا أن حجم فشل النظام المصري في أداء مهامه الوظيفية على الصُعد والمستويات كافة، لن يترك خياراً لداعمه الأول (أميركا) إلا التوقف عن دعم "التجربة الفاشلة".
يساعد على ذلك فقدان النظام المصري الدعم الاقتصادي والسياسي (Lobbying) من حلفائه بالخليج، وحتى الأحداث الأخيرة التي فقد فيها دعم آخر حلفائه (نتنياهو) واليمين الإسرائيلي، الذي بدوره أصبحت جدوى دعمه ودعم خياراته وتفصيلاته غربيًّا محل تشكيك، لذلك يتوقع عدم استمرار (عبد الفتاح السيسي) في حكم مصر، وبدء حدوث "ربيع" جديد لمحاولة الغرب تنفيذ مقاربة أخرى في "ملف" حكم مصر على خطى نموذج حزب البناء والتنمية في تركيا (الإسلام المدني). وذلك حسب المعطيات التي تناولتها دراسات. سيما بعد تصدّر (جيك سوليفان) مؤخرا ملف هندسة الأوضاع بين "إسرائيل" ومصر، وهو الشخصية المعروفة حسب تسريبات "ويكيليكس" بمهندس ثورات الربيع العربي.
صفقة القرن: الشق المصري: إعادة توطين فلسطيني غزة في سيناء
بعد انقلاب 2013 لم يتمكن النظام الجديد في مصر من إحلال دولة مبارك والحزب الوطني بشخصيات من النخبة الحاكمة الجديدة (أهل الثقة) من المؤسسة العسكرية، وبالرغم من عاصفة الإقالات والإحالة للتقاعد التي بدأها السيسي في 2015 وطالت مئات من الموظفين في المخابرات المصرية العامة والخارجية المصرية والمجلس العسكري، إلا أنه لا زالت هناك بعض "الجيوب" من بقايا دولة (مبارك) بكل ما تحمله من أيدولوجيا قومية مؤمنة بدور ما للنظام المصري في الترتيبات الأمنية والاقتصادية للمنطقة يتجاوز الهامش الحالي الضيق الذي يحشر النظام الجديد نفسه فيه، ومؤمنة بإمكان التدخل في لحظات مفصلية ضد النظام الحالي الذي لا يبدو أنه يمتلك أيدولوجيا سوى المصلحة الآنيّة التي وجدها في التنسيق المباشر (على المستوى التكتيكي) مع "الحلفاء" الخليجيين، ولاحقًا اليمين الإسرائيلي والتيار المحافظ في الولايات المتحدة، والتي كان آخرها هو تصريح (السيسي) في زيارته الأخيرة لـ (ترامب) بدعمه الكامل لصفقة القرن المرتكزة بالأساس على إعادة توطين فلسطينيي الداخل في كلٍّ من سيناء و "دولة الأنبار".
وحسب محللين مصريين لا زال (السيسي) منذ زيارته البيت الأبيض وتصريحه ذاك يجد ممانعة من بقايا الدولة القديمة في تنفيذ الشقّ المتعلق به في صفقة القرن، بالرغم من قيامه بتنفيذ كل ما لم يكن يحلم به "الإسرائيليون" على عهد مبارك في تضييق الخناق على غزة ، إلا أنه يبدو أن العملية الجديدة (طوفان الأقصى) تمثل فرصة حقيقية أمام النظام الجديد (مجموعة السيسي) لتنفيذ جانبهم من صفقة القرن والتي بدأت ملامحها تتضح من خلال:
- نقلت عدة مواقع مصرية معارضة (ذات هوى ليبرالي ومعروفة باتصالها بالخارجية الأميركية) خبر نقل الجيش المصري معدات تخييم وإعاشة إلى مناطق رفح والشيخ زويد لـ "استضافة" اللاجئين الفلسطينيين، وبالنظر إلى ارتباطات هذه المواقع قد يكون نقل الخبر بالون اختبار لقياس ردود الأفعال، إلا أنه لا يبعد أن يكون الخبر المنقول عن شهود عيان حقيقياً.
- صدر نفي وتكذيب من مصدر أمني مصري حول الخبر المذكور سابقًا، إلا أن تجهيل النفي وعدم صدوره من جهة رسمية أمكن تفسيره على أساس أنه من بقايا دولة (مبارك) التي لا توافق على ترتيبات صفقة القرن من حيث المبدأ. ولذلك لم يصدر النفي بشكل رسمي يحتاج إلى موافقة من القيادة السياسية (النظام الجديد).
- نشط الكثير من السياسيين والإعلاميين المصريين المحسوبين على نظام مبارك في التنبيه على الخطيئة التي تتم حاليا من خلال موافقة النظام المصري (أو سكوته) على عملية التهجير.
- صدرت عدة تصريحات صريحة من الكيان الصهيوني تدعو الفلسطينيين إلى الهروب إلى مصر حيث سيتم استهداف القطاع بكل منشئاته وبنيته التحتية المدنية، وقطع جميع مقومات الحياة (وقود - مياه - كهرباء - ...) عن القطاع (حسب تصريح وزير الدفاع "الإسرائيلي")، ما لا يبدو منطقياً وإنسانياً إلا في سياق خطة إعادة التوطين.
- بالرجوع إلى التحليل السابق حول الفشل الأمني الوظيفي للنظام المصري في حصار غزة والذي ظهر في صورة حالة "التلاؤم" والتكذيب المتبادل العلني على الإعلام بين مدير المخابرات المصرية (عباس كامل) و(نتنياهو)، يبدو أن هناك حالة خوف وارتباك داخل النظام المصري بسبب فقدان شرعيته "الوظيفية" أمام "حليفه" الأميركي، مضافًا إلى الانهيار الاقتصادي المصري الذي يجعل من المناسب جداً لاحتياجات النظام المصري للبقاء تطبيق صفقة القرن.
- لاحقًا في 10/10 مساءً صدر تصريح من القيادة السياسية المصرية على لسان الرئيس (السيسي) أن مصر ملتزمة بالقضية الفلسطينية ودعم الأشقاء الفلسطينيين، ولكن لم يُنفِ مسألة التهجير أو يتعرض لمسألة استضافة اللاجئين المصريين في سيناء كما هي بنود صفقة القرن التي سبق وتعهد بالالتزام ببنودها أمام (ترامب).
- مساء 10/10 كذلك صدر نفي من (أفيخاي أدرعي) المتحدث باسم الجيش الصهيوني أنه دعى سكان غزة للهرب إلى مصر، وعلّقت قناة الحُرة الأميركية على الخبر بقولها إن هناك "تعديل موقف" لدى الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بإخراج سكان غزة منها.
ولكن بالضد من هذا التوجه الرسمي المصري و"الإسرائيلي" وفي نفس اليوم ظهر موضوع تهجير المدنيين في حديث (جيك سوليفان) مستشار الأمن القومي الأميركي في الإحاطة الصحفية له بعد خطاب الرئيس (بايدن) وكانت بالنص:
"سؤال: غرّد رئيس الوزراء نتنياهو يوم السبت قائلا لسكان غزة “اِرحلوا الآن لأننا سنعمل بقوة في كل مكان”. أين هي فكرة "أين سيذهب الناس في غزة"؟
سوليفان: هذا أمر ناقشناه أيضًا مع نظرائنا في إسرائيل ومع نظرائنا في مصر. وبدون الخوض في تفاصيل الممر الآمن للمدنيين وما إلى ذلك، سأقول إنه أمر تهتم به حكومة الولايات المتحدة في دعم كيفية قيامنا بذلك على المستوى العملي. لكن تفاصيل ذلك أمر تتم مناقشته بين — الوكالات التنفيذية، ولا أريد مشاركة الكثير من ذلك علنًا في هذا الوقت الحالي". (انتهى تصريح سوليفان).
- والذي حسب محللين يظهر فيه أن الإدارة الأميركية تطرح نفسها كمدير مباشر لملف التهجير خلافًا لرغبة المصريين أو "الإسرائيليين".
- يوم 11/10 صباحًا أعاد الصحفي "الإسرائيلي" المقرب من الموساد (إيلي كوهين) التغريد في نفس الاتجاه وطلب من سكان غزة "الهروب إلى مصر".
- لاحقًا في نفس اليوم أذاعت قناة NBC الأميركية خبرًا أن إدارة (بايدن) ستتولى تنسيق خروج المدنيين عبر ممر جنوبي يؤدي إلى مصر.
التعليقات على الحدث
في حديث مع قناة i24NEWS باللغة الإنجليزية، قال الخبير بشؤون الشرق الأوسط الدكتور (جاك نيريا)، إن القصف المتتابع لا يترك في الواقع مجالا أمام الفلسطينيين سوى الهرب باتجاه سيناء، لكن السلطات تخشى من أن يصبح ذلك مدّاً بشرياً ينتهي بنهاية المطاف في الإقامة فوق التراب المصري مثلما هو الحال مع نازحي سوريا الذين لا يرغبون اليوم، بالرغم من تغير الظروف في بلادهم، بمغادرة لبنان البلد المضيّف والعودة إلى ديارهم.. مَن يدخل لا يخرج، لا يريد العودة .. وهذا ما لا تريد أن تراه السلطات في مصر".
ورأى محللون أن تهديد اسرائيل بقصف أي شاحنات مساعدة تدخل إلى القطاع من الجانب المصري يأتي كدليل إضافي على نيّة "إسرائيل" رفع الضغط على المدنيين في القطاع الى مستواه الأقصى، بالتزامن مع فتح مخرج تنفيس وحيد هو معبر رفح، الذي بدوره تم قصف الجانب الفلسطيني منه، وكِلا الإجراءَين هما لرفع الحرج عن النظام المصري في استقبال فلسطينيي غزة حيث يمكنه التعلل بأنه غير قادر على إيصال مساعداته أو مساعدات غيره من الدول العربية، وكذلك رفع الحرج عن السلطة الفلسطينية المنوط بها إدارة معبر رفح من الجانب الفلسطيني. والسيطرة على عملية الخروج الجماعي.
السيناريو المتوقع في مسألة التهجير
يُتوقع أن يكون التمويل السعودي -وهو الحلقة المفقودة في مسألة إعادة التوطين في سيناء- هو الخاتمة القريبة لهذا المسعى، ليكون الربح لجميع الأطراف (الأميركي حصل على إنجاز انتخابي - المصري حصل على دعم مالي - السعودي حصل على صفقة التطبيع بلوازمها - الإسرائيلي حصل على تفريغ غزة من المدنيين).
قراءة في بيان الأزهر
خلافًا لبيان الخارجية المصرية الذي يدعو "الأطراف الفاعلة دولياً إلى حث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني" فإن بيان الأزهر جاء أكثر توازنًا ومخاطباً الفلسطينيين وجماهير الأمة الاسلامية، وإن كان قد اكتسب طابع أنه بيان "عزاء" لا بيان موقف شرعي (دور الأزهر)، ويمكن يلاحظ عليه ملاحظات:
1. لم يحث البيان على دعم القطاع أو عموم أهل فلسطين بأي مستوى من مستويات الدعم (من السلاح إلى دعم إعادة الإعمار أو حتى الدعاء)، ولا حتى وجّه تحية لأهل غزة.
2. لم يُبدِ بيان الأزهر أي رأي شرعي في العملية أو تفاصيلها أو وظيفة المكلّفين من عموم المسلمين تجاه ما يجري.
3. لم يُدِن الحصار والانتهاكات ضد المقدسات التي أوصلت لهذا الوضع. ولم يخاطب المجتمع الدولي ولا المؤسسات الروحية المناظرة (الفاتيكان أو المجتمع الدولي مثلا) حول مظلومية الشعب الفلسطيني التي أدت إلى هذه العملية.
التحليل
بناءً على معلومات:
1. إن سكرتارية مكتب فضيلة شيخ الأزهر هم مجموعة من الموظفين السابقين والحاليين بالخارجية (والمخابرات) المصرية. أي إن خطاب فضيلة شيخ الأزهر لا يخرج عن كونه ورقة للنظام المصري.
2. إن النظام كان مستاءً سابقًا من تدخل قوى إقليمية غير مصرية في علاقات الفصائل الفلسطينية مع العالم.
المتوقَّع
من خلال مؤسساته التابعة له (الأزهر وغيرها) سيحاول النظام المصري استغلال الحدث للدفاع عن بقائه والتأكيد أن دعم "الإسلام السياسي" كنظام حكم بديل سيؤدي إلى تفاقم "التطرف"، لذلك اتسم بيان الأزهر بتناول القضية الفلسطينية من بُعدها "الوطني" (العلماني) بدون أي إشارة الى بُعد عقائدي ديني.
سيحاول النظام المصري التأكيد للجانب الأميركي أنه مقارنةً بالانتفاضة الثانية فإن "طوفان الأقصى" كانت نتيجة فشل وساطة وسوء إدارة الوسطاء الجدد. وقد يتبنى خطاب النظام المصري ترويج سردية أن التطبيع السعودي - الإسرائيلي المنفرد بدون شمول مصر بالصفقة كان سبب تشجيع إيران على الإيعاز للفصائل بهذا الهجوم.