مطارنا مطاردتنا
أحد عوامل حبّك لأي بلد تزوره حسن استقبال أهله لك، ورُقيّ تعامل موظفيه معك لاسيما المطار وبالخصوص عند الوصول والمغادرة. يحدث أن تسافر فتجد مطارات العالم يختلط فيها الليل والنهار بأنوارها المضيئة
أحد عوامل حبّك لأي بلد تزوره حسن استقبال أهله لك، ورُقيّ تعامل موظفيه معك لاسيما المطار وبالخصوص عند الوصول والمغادرة. يحدث أن تسافر فتجد مطارات العالم يختلط فيها الليل والنهار بأنوارها المضيئة، لا ترى نفسك إلا في مرفق لخدمتك وتقديرك. ممشى كهربائي، استعلامات ثابتة ومتنقلة تملأ البشاشة وجوه العاملين فيها، دليل يساعدك منذ الوصول، عربات وأدوات مساعدة حيثما نقلت أنظارك، شاشات تعريفية ودليل ينتظرك، ولا علاقة لكل ذلك بالفخامة والأحوال الاقتصادية للبلاد فقد تجده وأكثر منه في مطارات الدول المصنَّفة ضمن الدول الفقيرة أو الضعيفة اقتصادياً. هنا تشعر أنك شخص له احترامه وقيمته وتقديره فتشعر بالسعادة والرضا حتى لو عرفت أن ذلك ليس حبّاً بشخصك بل رغبة في جذب الأنظار وتقوية السياحة وصناعة سُمعة حسنة لبلدهم أو حتى حكوماتهم.
ويحدث أن تنظر إلى مدارج ذلك المطار فترى مختلف الألوان وأسماء الدول على طائرات كثيرة، تقلُّ مسافرين من جنسيات وأعراق وألوان مختلفة جمعهم، ذلك المطار الذي صار للعراقيين دون كل البشر (أعجوبة وشيئاً غريباً).
ويحدث أن تصل إلى مطار بغداد فلا ترى شيئاً ليس لأن العُتمة البهيمة هي المخيّمة على كل شيء فقط، ولكن بالكاد ترى طائرة هنا أو هناك جاءت من دولتين أو ثلاث لنقل زائري العتبات المقدسة تحديداً، فلا شغل لأحد من الدنيا أو رغبة بهذا البلد إلا زيارة أهل البيت وما عدا ذلك فهم الراغبون بالمشاركة في عمليات النصب وغسيل الأموال ومساعدة الفاسدين في عمليات نهب أمواله المُباحة لهم.
تصل المطار وما إن تبدأ خطوتك الأولى حتى ترى نفسك محلّ الشك والريبة ومحطّ أنظار الأحقاد من هذا وذاك، وكأنهم يحترقون بداخلهم غيظاً لعلمهم أنك عشتَ رحلتك محترماً في الخارج، فتلك جريمة وعليك أن تتلقى العقاب.
كل شيء معطّل أو مفقود إلا آلات التفتيش، إنها دائرة أمنية بامتياز تضطر فيها أن تتصرف لتثبت أنك بريء ودود حسن الخلق لكي تتحاشى موقفاً يُفسد عليك رحلتك. العربات في كل العالم خدمة مجانية إلا في مطار بغداد فهي وسيلة سرقة لك بأيدٍ أجنبية، نعم ففي بلادك ترى أجنبياً جاء من آسيا الوسطى لابتزازك في مطارك الدولي. لا أحد يصل إليك لاستقبالك أو إيصالك إلى بيتك فأنت في تلك اللحظة ١٠ آلاف دينار على أقل تقدير يجب أن تصل إلى جيب المؤتمن على راحتك وخدمتك وتوظيف الأموال في إعمار بلادك، وليس لديك حل آخر غير دفع مبلغ بعشرة أضعاف استحقاق التكسي العادي لكي تصل إلى الساحة الخالية حتى من شاشة توضيحية تُخبر مُحبّيك أن طائرتك سوف تصل على موعدها أو أنها تأخرت ساعتين.
المطار الدولي في كل مكان وسيلة تستعرض بها الحكومات أمام العالم، لكنه العراق وتحديداً بغداد ليس إلا سبباً للشعور بالمهانة والانتقاص بالنسبة للمواطن. أما الأجنبي الذي لا يفكر بالوصول إليه أساساً فيكفي أن يرى ما فيه ساعة واحدة لكي يُقسم إنه لن يفكر.
#شبكة_انفو_بلس