الانسداد السياسي.. الأسباب والأهداف
عن أسباب الانسداد السياسي والعوامل المحلية والدولية التي أدت إليه، كتب الباحث سياسي والكاتب عمر الناصر مقالاً بعنوان (الانسداد السياسي.. الأسباب والأهداف)
عمر الناصر
- الاسباب..
تنقسم اسباب الانسداد السياسي الى قسمين، الاول يضم الأسباب المحلية التي بدأت ملامحها تلوح بالافق منذ أن بدأ البيت العراقي بالانشطار عام ٢٠٠٥ الى بيوتات طائفية وقومية وعرقية، غرست آنذاك بذور مفهوم المكونات ووظفت بعض بنود الدستور لتلوين سياسة الانتقائية المستهلكة، وانتهت باختلاق تسميات وعناوين منمقة تتناغم مع المزاج الحزبي والمناطقي اكثر من انصهارها واندماجها مع لون المواطنة مثل التوافق، والوحدة الوطنية، وبدعة الشراكة السياسية، واللون الاخير الذي ربما سنذهب إليه في الايام القادمة وهو الاغلبية التوافقية التي ستوسع الخلافات السنية السنية والشيعية الشيعية، وستؤدي بدورها إلى ازدياد الفجوة والهوة بين الشارع والطبقة السياسية القابضة على السلطة، في ظل تشقق وعدم وجود ثقة ولو كانت نسبية ما بين الشركاء والفرقاء.
وتؤكد ذلك تلك المفارقات الغريبة التي حدثت وميزت الانتخابات الاخيرة عن سابقاتها عندما تحوّل الوضع من انعدام الثقة بين أربيل وبغداد إلى داخل البيت الكردي نفسه، فأصبح الحزبان الحاكمان يبحثان عن حلول على الرغم من جديتهما في تقديم الضمانات والعهود التي كانت قد طرحت في الماضي، ناهيك عن مواثيق الشرف التي تم التوقيع عليها سابقاً في بغداد إثر وصول جميع الاطراف إلى نقطة عدم الايمان حتى بالتحالفات الاضطرارية التي كانوا قد لجأوا اليها في مراحل سابقة، بالإضافة إلى عدم ثقة الاقليم بالمركز خصوصاً بتقرير مصير بعض القضايا العالقة والتي كان من المفترض لها أن يكون تطبيقها له عمر افتراضي، كتطبيق المادة ١٤٠ وموقف بغداد من قانون النفط والغاز بالاضافة الى الميزانية وواردات المنافذ الحدودية، في وقت ما زال فيه الاقليم يبحث عن مكتسبات جديدة يعتبرها مشروعة من وجهة نظره من خلال تثبيت دعائم ركائزه عن طريق احدى قدميه في حكومة الاقليم والاخرى في الحكومة الاتحادية، يرجع ذلك لعدم قناعته وعدم ايمانه المطلق بفكرة بقائه داخل البيت العراقي الاتحادي على المدى الطويل.
أما القسم الثاني فيضم الاسباب التي ترتبط بعوامل دولية واقليمية تتمثل بنظرة اميركا والكيان الإسرائيلي وبقية الدول والاقطاب المتصارعة على جعل العراق ومنطقة الشرق الاوسط ساحة لتصفية الحسابات من خلال جعله بلداً موحداً لكنه ضعيف، وان تكون هذه البقعة من الكوكب عبارة عن مكب لرمي النفايات السياسية الناتجة عن احتدام صراع الفيلة، والتي تلعب تارة بورقة حلم الاستقلال الكردي لمغازلة شعب الاقليم رغم علمها سلفاً باستحالة اخذ الضوء الاخضر من أنقرة لتحقيق مثل هذا الطموح، لأن بقاءهم ضمن البيت العراقي ما هو الا من باب (مجبر اخاك لا بطل)، وربما ان خيار الشراكة السياسية يعتبر نزولاً لرغبة الشركاء في بغداد او بضغط من الولايات المتحدة وبقية الدول المحيطة، على اعتبار أن نضوج فكرة الانفصال سيؤدي قطعاً الى اغلاق الصنبور من قبل أنقرة كما ذكر اردوغان عن (دولة كوردستان الكبرى) اذا ما تحقق ذلك الاستقلال.
وتارة اخرى تلعب بالورقة الاقتصادية والجيوسياسية من اجل ان تبقى السيادة العراقية رهينة التدخلات الخارجية التي تحاول التوغل بعمق الاقتصاد العراقي لإبقائه تحت الهيمنة الاستعمارية، في محاولة لبعض الدول اخذ الوصاية وعنوان "شرطي المنطقة" بدلاً من دول اخرى لديها قوة نفوذ واضح مثل ايران التي اجبرت الولايات المتحدة ودول ٤+١ على الخضوع وتحقيق الكثير من المكتسبات واجبارهم على الذهاب الى التنازلات.
بعض الآراء تقول بأن الطبقة السياسية التي جاءت بعد عام ٢٠٠٣ لم توفق في إحداث اي تغيير حقيقي وملموس اذا اخذنا فقط جزئية تغيير نظرة الكره الموجودة تجاه الاحتلال ومخلفاته، وربما يقول البعض بأن الخروج من حضيرة العم سام كان هو من اهم الأسباب التي أدت الى اعادة تفكير الاخير بضرورة تغيير وقلب قواعد العملية السياسية وفق أسس ومتبنيات ومعايير جديدة، تقوم بدراستها وتقديمها مراكز الابحاث هناك التي تؤمن ايماناً قطعياً بأن العمر الافتراضي للاداء السياسي ينقسم الى ثلاث خطط خمسية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى على ثلاث مراحل لمدة ١٥ عام.
- الاهداف..
لن ابالغ إذا ما قلت بأن الهدف الاساسي من ازمة الانسداد السياسي هو خارجي لغرض اطالة امد الازمة ومحاولة لخلق صراع "شيعي - شيعي" لن يكون الخاسر فيه سوى ابناء الوطن، ولربما لاجل الوصول لساعة الصفر للبدء بدفع تظاهرات جديدة في محاولة لتجييرها سياسياً على غرار ما شاهدناه في تظاهرات تشرين عام ٢٠١٩ قبل وصولنا الى نفق الفوضى الخلاقة التي تسعى بعض الاطراف المحلية والاقليمية والدولية ايصال العراق إليه، لأن اعادة رسم خارطة توازن القوى في العالم بدأت تأخذ منحىً جديدا منذ بداية زمن كوفيد ١٩ ومروراً بالازمة الروسية الاوكرانية وانتهاءً بسيناريو اشغال المنطقة بأزمات اقتصادية ونزاعات داخلية تتدخل بها سيناريوهات الجفاف والتصحر وأزمة المناخ كورقة ضغط جديدة على بعض الاطراف من اجل الاذعان للقرارات والاملاءات الدولية.