الحاجة إلى مراجعات سياسية في العراق
من هنا يرى السيد عادل عبد المهدي أن كل ما جرى في العراق خلال العشرين سنة الماضية، سواء جرى تقديمه على كونه حقائق أو أوهام، من ناحية وجهة نظر الداعمين أو المعارضين، هو في المحصلة يقود الى بدايات وليس الى نهايات، أو هو في أقل تقدير يندرج في إطار الديالكتيك
كتب / سلام عادل
يطرح رئيس الوزراء الأسبق السيد عادل عبد المهدي منذ فترة أفكاراً لإثارة جدل حول المجتمع والدولة والهوية العراقية، على خلفية مرور 20 سنة على النظام العراقي الجديد، وهي مبادرة نخبوية في محلها ينبغي أن تكون على السطر الأول داخل گروبات النخبة، باعتبار أن القيام بعملية مراجعات لما فات استعداداً لما سيأتي يعتبر من ضروريات الحياة السياسية في أي بلد.
ومن هنا يرى السيد عادل عبد المهدي أن كل ما جرى في العراق خلال العشرين سنة الماضية، سواء جرى تقديمه على كونه حقائق أو أوهام، من ناحية وجهة نظر الداعمين أو المعارضين، هو في المحصلة يقود الى بدايات وليس الى نهايات، أو هو في أقل تقدير يندرج في إطار الديالكتيك الذي يتأثر بالديناميات الطبيعية لحركة البشر عبر التاريخ.
وبالضرورة توجد حاجة لمراجعات سياسية في العراق تأخذ بعين الاعتبار ما يشهده العالم والمنطقة من تحركات، تستهدف بالدرجة الأساس إعادة فرض الحوكمة المتعددة الأقطاب، والتي تعني وضع حد لحقبة الانفراد الامريكي الذي ساد منذ لحظة انهيار المعسكر الشرقي وتفكك الاتحاد السوفيتي.
وفي ظل تنامي الطموحات الآسيوية الآخذة بالتطور على شكل تحالفات داخل القارة، منها على سبيل المثال (منظمة دول شنغهاي للتعاون الاقتصادي والأمني)، وأخرى عابرة للقارات، من قبيل (دول منظمة بريكس)، وعلاقة كل ذلك بالعراق الذي يتخذ موقعاً مهما في الشرق الاوسط على بوابة آسيا الغربية باتجاه أوروبا وأفريقيا.
وارتباطاً بهذه الجغرافيا التي لا يمكن الانفصال عنها، ولا حتى الابتعاد بأي طريقة من الطرق، ينبغي على العراقيين صياغة سياسات بلدهم، باعتبار أن الأخذ بمعطيات الجغرافيا في عملية رسم السياسات يعتبر قاعدة أساسية لا يمكن الخروج عليها تحت تأثير أي دوافع، ومن دونها ستذهب البلاد الى مسارات تَيْه لا بوصلة فيها، وهو ما حصل بالفعل حين جرى فرض سياسات غربية على العراق الشرقي بضغط من أطراف قوى الاحتلال الذين قادتهم أمريكا.
وتظهر الاختلالات في الحالة العراقية بشكل واضح جراء الاحتلال الذي قادته أمريكا في مباني الدولة الجديدة، التي تبدو فاقدة السيادة في ثلاثة مفاصل رئيسية، هي (السيادة الأمنية والسيادة الاقتصادية والسيادة السياسية)، الأمر الذي يفرض التفكير بجدية، باعتبار أن من غير المعقول الاستمرار بإدارة دولة ليس فيها نظرية اقتصادية واضحة، ولا سياسة خارجية مدروسة، ولا منظومة أمنية مركزية !.
ومع كوننا نقدّر كثيراً دخول الديمقراطية الى العراق، وهي مكتسب لا يمكن إغفاله بالنظر الى طبيعة الأنظمة التي تتحكم بدول المنطقة، وغالبيتها أنظمة استبدادية على شكل ممالك وإمارات وراثية ليس فيها متسع لخيارات الناخبين، ولكن الديمقراطية لن يكون لها معنى حين تقود الى الجمود السياسي الذي يعني إعادة تدوير الحالة.
والحالة الخاطئة هنا، والتي ينبغي الحديث عنها بصوت عال، وبنقد شجاع، هي الاستسلام الذي يتم استنساخه مع كل دورة حكومية لمقررات فترة الاحتلال، جزء منها مازال قوانين نافذة يتم تعريفها بقرارات بريمر، التي بموجبها يتحكم البنك المركزي بالسياسة النقدية، وهي سياسة أثبتت فشلها.
وكذلك السياسة الخارجية التي ينبغي على العراقي الثبات عليها رغم كل المتغيرات التي تحصل في المنطقة والعالم، وهي (سياسة عدم الانحياز للمحاور) التي تبدو أحياناً وكأنها جدار يقف كحاجز في وجه المصالح الوطنية للبلاد، ومن غير المفهوم لماذا يحق لدول العالم الكبيرة كافة منها والصغيرة الانتماء لمختلف أشكال المحاور، باستثناء العراق ممنوع من ذلك ؟.
وتشمل هذه الحالة الخاطئة (الملف الأمني) الذي يتعرض لاهتزازات مستمرة جراء الوضع الهش الذي يحيط بقراراته، حتى وصل الحال أن تتم إدارة المنظومة الأمنية من قبل (غرفة عمليات مشتركة) يتواجد داخلها جنرالات من جنسيات متعددة، على الرغم من كون الدستور ينص على وجود (قائدة عام للقوات المسلحة) لكن هذا القائد العام ظل حتى هذه اللحظة من دون (قيادة عامة).
وبالتالي تكون الحاجة، بعد مرور 20 سنة على النظام العراقي الجديد، الى القيام بمراجعات جدية ومسؤولة، في إطار ما تتيحه الديمقراطية من حرية، لتصحيح المسارات وتصويبا وطنياً، وعلى رأسها المباني السيادية.
#شبكة_انفو_بلس