الحاجة العراقية إلى سياسات شرقية
لعبت الأحزاب السياسية العراقية، التي كانت ما قبل عام 2003 في المعارضة، دوراً رئيسياً في توفير عناوين شرعية الى حد ما، منحت الأمريكان سهولة حركة للعبث بالعراق وتخريب دولته بالكامل، لكونها مضت مع الفوضى الأمريكية بتفويض مفتوح .
كتب / سلام عادل
منذ عام 2003، دخل العراق في حالة تيه بين القارات والجغرافيات، ولذلك، ومنذ ذلك الحين، فقدَ العراق بوصلته السياسية، وصار مجرّد تابع لبعض العواصم دون أن تكون له حساباته السياسية الخاصة، وهذا حصل جراء الغزو الأمريكي الذي دخل الى المنطقة بهمجية وعنجهية لتحقيق عدة أهداف، من بينها أمن إسرائيل وأمن بعض دول الخليج، وليس من بينها مصالح عراقية بالطبع.
ولعبت الأحزاب السياسية العراقية، التي كانت ما قبل عام 2003 في المعارضة، دوراً رئيسياً في توفير عناوين شرعية الى حد ما، منحت الأمريكان سهولة حركة للعبث بالعراق وتخريب دولته بالكامل، لكونها مضت مع الفوضى الأمريكية بتفويض مفتوح، حتى وصل الحال أن صار العراق منسلخاً تماماً حتى عن واقعه الجغرافي.
ولعلنا الآن حين نتمعّن في أحد الشعارات السياسية الأكثر شُهرةً، وهو شعار ردّده كثيراً زعيم التيار الصدري: (العراق لا شرقي ولا غربي)، يتضح لنا بشكل فاضح الى أي مستوى وصل التيه والتشتت بالعقل السياسي العراقي، مع أننا نعرف أنه يقصد تجنيب العراق وإبعاده عن الصراع الأمريكي الإيراني، ولكن هذا الشعار في المحصلة ينطوي على تصورات تؤكد حالة التيه الذي تعيشه القوى السياسية، حتى المنبثقة خلال مرحلة العراق الجديد، وليس القديم فقط.
ولا يختلف عن ذلك كبار السياسيين الذي يرددون شعاراً مشابهاً لشعار الصدر، وهو شعار: (إبعاد العراق عن سياسة المحاور)، مع أن جميع المشتغلين في الحقل السياسي يعرفون تماماً أن المحاور هي ضرورة حتمية تفرضها قواعد الجيوبولتيك، التي يقوم عليها النظام السياسي الدولي.
إلا أن متغيراً حصل في عام 2018 لم يكن في حسابات الإدارة الأمريكية وحلفائها، خصوصاً البريطانيين، حين ظهرت مبادرة سياسية عراقية لم تكن متوقَّعة من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وهي التي أراد من خلالها استرداد الواقع الجيوسياسي للعراق، والمتمثل بسياسات العراق الشرقي، وهي السياسات الأنسب له من جميع النواحي، سواءً الاقتصادية أو الأمنية، وحتى الثقافية والاجتماعية والتاريخية.
وربما يكون من المناسب في إطار هذا الشرح المختصر أن نشير الى حقائق مهمة، على رأسها بالتأكيد مبيعات النفط العراقي، وهي المورد الأساسي للثروة العراقية حالياً، حيث يباع النفط العراقي في الغالب داخل الأسواق الآسيوية، فحين نعلم أن أكبر مشتري النفط العراقي هي الهند أولاً ومن ثم الصين ثانياً، وأن أموال هذه المبيعات من النفط لا تصل مباشرةً إلى العراقيين وإنما تذهب الى حسابات خاصة في البنك الفدرالي الأمريكي، فهذا يعني أن العراق يعيش بالفعل حالة تيه هائلة في عملية رسم سياساته الاقتصادية وتبادلاته التجارية، من حيث كونه لا يميّز بين الأسواق التي يستفيد منها والأسواق التي تقوم باستغلاله.
ومن هنا يبدو العراق الشرقي الحالي في حال استعاد وعيه وبدأ برسم سياساته وفق واقعه الجغرافي، فسوف يكون أحد أهم اللاعبين في برنامج (دولة منظمة شنغهاي) الطموح، وهو برنامج اقتصادي عالمي كبير يقوده عمالقة الصناعة والتنمية في العصر الحالي، الذين يتحكمون بنصف الانتاج العالمي، مثل الصين والهند وباكستان وروسيا، وذلك بحكم كون العراق يمثل أحد أهم بوابات غرب آسيا، أو ما يطلق عليه منطقة تقاطع الطرق بين آسيا وأوربا وأفريقيا.
ولهذا نشاهد الرغبة الإيرانية المحمومة، وهي جار جغرافي للعراق، للانضمام الى منظمة شنغهاي، وهو ما حصل بالفعل مؤخراً، حيث تم الإعلان عن قبول إيران كعضو في المنظمة بعد أن ظلت لسنوات مجرد شريك في الحوار، وذلك لأن إيران تعرف تماماً أن المستقبل الاقتصادي لمجموعة دول (أوراسيا) سيكون واعداً، خصوصاً ما بعد (اتفاق بركست) الذي جعل أوربا تشعر بأن انخراطها ضمن (مشروع الحزام والطريق) هو الحل الأمثل لإنعاش اقتصاديات دول التكتل الأوربي بعد انعزال بريطانيا عنها.
ووفق ذلك سيكون العراق الشرقي أو العراق الآسيوي، أو العراق الواقع ضمن تصنيف دول جنوب العالم، بالتأكيد مستفيداً على المستوى الاقتصادي والأمني من انخراطه وعضويته في (منظمة شنغهاي للتعاون)، وهي استفادة أكثر بكثير من فائدة عضويته في الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية.
ولذلك لم يعد من المفيد الحديث بشكل متكرر عن الإصلاح، أو عن استرداد الدولة، أو عن ضبط السلاح المنفلت، أو انفتاح العراق على محيطه وعلى دول العالم، لأن هذه العناوين، بصراحة، باتت مجرد عناوين مستهلكة، وصار تكرارها مؤشراً على البلادة والفراغ الفكري في عقل من يرددها عبر وسائل الإعلام، فالعراق اليوم هو نفسه تلك الدولة الشرقية التي تأسست مطلع القرن الماضي كدولة متوازنة تُرسم سياستها وفق واقعها الجغرافي، وليس دولة غربية تعيش وفق وصفات البنك الدولي كما يراد لها منذ عام 2003، وهو المتغير الذي تسبب بكل هذا التخبّط.
#شبكة_انفو_بلس