الصورة الكبرى: "طوفان الأقصى" والحرب الإقليمية
قد تكون الانتخابات الأميركية الوشيكة هي الدافع الأول للإدارة الأميركية لتحريك حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط، وفي نفس الوقت قد تكون الانتخابات أيضا هي المانع الأكبر من تدحرج الموقف إلى حرب إقليمية. فلا يمكن للغرب في ظل أزمته الاقتصادية الضخمة
كتبه/ شادي علي
قد تبدو دوافع تدحرج الموقف إلى "حرب إقليمية" في غاية الوضوح:
• ففي جانب يوجد "محور المقاومة" الذي لن يقبل أن يُباد ذراعه القوي في غزة، بكل ما يحمله من قيمة عقائدية ومعنوية تجمع الأمة الإسلامية على خيار المقاومة، ويُبطل وجودها وانتصارها سرديات الإعلام الخليجي من قبيل: "التمدد الشيعي" و"التمدد الفارسي".
• في الجانب الآخر يوجد "الكيان المؤقت" الذي يريد أن يرمّم سمعته المتهاوية، ويعدّل صورة الهزيمة والضعف والارتباك التي أصابته في عملية "طوفان الأقصى"، والتي:
قضت على رهانات المطبعين مع الكيان في مهدها، وأظهرت أنهم لم يشتروا شرفهم إلا بأوهام الأمان.
عصفت بقيمة الكيان الجيواستراتيجية أمام داعميه، وأثبتت شكوكهم في جدواه الوظيفية.
قضت على سردية: (الكيان الذي أمكنته منظوماته "الذكية" من النجاة به في بحر متلاطم بالكراهية)، تلك المنظومات التي انهارت في25 دقيقة والتي يصعب أن يجد لها مشترٍ بعد الآن في أسواق الأمن والسلاح والتكنولوجيا.
أما موانع الحرب الإقليمية فقد تحتاج إلى تأمل وتفصيل:
قد تكون الانتخابات الأميركية الوشيكة هي الدافع الأول للإدارة الأميركية لتحريك حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط، وفي نفس الوقت قد تكون الانتخابات أيضا هي المانع الأكبر من تدحرج الموقف إلى حرب إقليمية. فلا يمكن للغرب في ظل أزمته الاقتصادية الضخمة أن يغامر باحتمال إشعال حقول النفط في الخليج وإغلاق مضائق هرمز وباب المندب، لترتفع أسعار النفط إلى ما فوق 400$ للبرميل، وأن يحدث جميع ذلك بواسطة ذراع واحد فقط في محور المقاومة هو تنظيم "أنصار الله"، الذي ليس لديه ما يخسره بعد 10 سنوات من الحصار، والذي أعلن قائده صراحةً أنه سيستهدف المصالح الأميركية عند "خط أحمر معيّن" تم التوافق عليه مع قيادات المحور، هذا ولا يزال ماثلًا في أذهان البحرية الأميركية استهداف تنظيم القاعدة المدمرة (يو اس اس كول - USS Cole) أمام سواحل اليمن بزورق خفيف، فماذا لو كان المنفذ هو فصيل شعبي كان يستعرض منذ أشهر قليلة صواريخ "أرض - بحر" استراتيجية قادرة على إغلاق مضيق باب المندب وحظر الملاحة في البحر الأحمر؟.
بموازين القوة العسكرية حاملات الطائرات تحتوي على متنها أدق الأسلحة والذخائر، ولكن هل لديها فعلا القدرة النارية اللازمة لحسم الحرب؟ قد يمكن للأسلحة الأميركية المتطورة أن تنفذ عمليات نوعية غاية في الدقة في الظروف العادية، لكن أمام بنية عسكرية شعبية غير نظامية هل لدى العسكرية الأميركية (والغربية) بنك أهداف فعّال وحقيقي في لبنان واليمن والعراق وإيران؟ عند التخطيط لحرب إقليمية ضد محور المقاومة وفي ظل ما هو معروف أن فصائل المحور أسست بنيتها العسكرية التحتية على عقيدة الحرب اللامتناظرة واستراتيجية الأنفاق واللامركزية التكتيكية والحرب التركيبية، فسرعان ما ستستدعي الإدارة الأميركية تجربة حروب الاستنزاف في فيتنام؛ فالسلاح الذكي والمتطور غير قادر على حسم معركة وحده بلا تدخل على الأرض، فإن تدخل الأميركي بدون اجتياح برّي فتدخله يُسئ إليه أكثر مما ينفع حلفاءه، وإذا أعقب التدخل من الحاملات بدخول برّي فهو يعلم أن دخول لبنان واليمن وإيران لن يكون كدخول الجيش الأميركي إلى العراق.
في ظل "المنطق النسبي" الذي يحكم طريقة التفكير الأميركية والذي يعالج به معطيات الميدان بنظريات Game Theory، فهل يتحمل الأميركي فعلا الدخول في حرب (أو عملية محدودة) في غرب آسيا (الشرق الأوسط) ومن حوله أعداؤه المتحفزون لابتلاع حلفائه؟ فالصين تنتظر "غلطة" للانقضاض على تايوان وتأمين ممرات البحرية ومياهها الاقتصادية في بحر الصين، واستنفاد المحور الغربي ذخيرته في شرق المتوسط لن يفيد إلا روسيا المتحفزة لابتلاع أوكرانيا والتي لا تمانع من التمدد نحو بولندا، فكما أظهر هجوم كتائب القسام حقيقة المنظومات الذكية للكيان المؤقت التي لم تصمد أمام الطوفان البشري، أظهرت حرب أوكرانيا كذلك عجز التحالف الغربي عن توفير القوة النيرانية اللازمة لحلفائه، وكلاهما غزة وأوكرانيا أثبتتا أن كلاهما -"إسرائيل" والغرب- أوهن من بيت العنكبوت، الحقيقة التي فضّل الغرب أن يستمر في التغطية عليها بتوفير عتاده "الذكي" الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع.
وبالرغم من وقوف الأنظمة الغربية بجميع مستوياتها (الأمنية والعسكرية والإعلامية والسياسية) خلف حكومة الكيان اليمينية المتطرفة، التي أرهقت حلفاءها بالتخبط في القرار والفجاجة في الكذب وعدم الاحترافية الناتجة عن الارتباك والضعف، إلا أن هذا جعل منطقيًّا السرديات التي تناولتها تحليلات غربية، والتي تقول إن وجود حاملات الطائرات الأميركية هدفه الأول هو استرداد "إسرائيل" من اليمين "الإسرائيلي" المتطرف بعد انتهاء الحرب، وأن وظيفة حاملة الطائرات (جيرالد فورد) الأولى هو عملها كغرفة عمليات لإدارة الموقف الميداني عقب الفشل العسكري "الإسرائيلي" في إدارة
#شبكة_انفو_بلس