الغلَبة والخُسران وضرورة إعادة التعريف
إن المعاير المقدمة من قبل الغرب في سياسته لبسط الهيمنة جاءت على مقاسات الإرادة المستبدة والمستكبرة، صحيح أن العناوين المرفوعة جذابة ولافتة إلا أنها خالية تماما من القيم الحقيقية والفعلية، فالحرية مثلا عنوان مهم وجذاب ومبحوث عنه وعن تحقيقه بالنسبة لكل إنسان
كتب / رضا عبد الرحمن
الغلبة والخسران ثنائية تحتاج إلى إعادة تعريف لضبط المعيار اللازم بعد أن تعرضت إلى تشوه مقصود ومدروس، كما هو الحال مع ثنائيات أخرى كثيرة كالحياة والموت أو الحق والباطل أو الحقيقة والاعتبار... الخ.
إن المعاير المقدمة من قبل الغرب في سياسته لبسط الهيمنة جاءت على مقاسات الإرادة المستبدة والمستكبرة، صحيح أن العناوين المرفوعة جذابة ولافتة إلا أنها خالية تماما من القيم الحقيقية والفعلية، فالحرية مثلا عنوان مهم وجذاب ومبحوث عنه وعن تحقيقه بالنسبة لكل إنسان في العالم، فلا يوجد شخص يرتضي لنفسه أن يكون إلا حُراً، لكن السياق المبسوط لتطبيقات الحرية ذهب بعيدا وبعيدا جدا إلى حد شرعنة اللوط مثلا!.
سياسة صناعة الأعداء المتبعة من قبل الغرب والولايات المتحدة الامريكية والتي أنتجت حروبا ضد ما يسمى بالإرهاب، أتاحت للغطرسة والاستبداد المساحة الكافية لوسم كل من يقف بوجههم مقاوما ولو بكلمة بأنه "إرهابي"، الأمر الذي أُريد منه تشويه صورة ناصعة ومبدئية وأصيلة عنوانها "المقاومة".
وهكذا تتزايد الأمثلة التي عانت وتعاني من فهم مغلوط اثرا لسوء تقديمه ضمن التعريف الحقيقي لها، من هنا تأتي الأهمية البالغة لإعادة النظر بالكثير من المفاهيم التي تصدّعت اثرا لسوء تعريفها، ومنها مفهوما الغلَبة والخُسران.
كرّست الإرادة المستبدة صورة نمطية للغلبة على أساس كونها نتيجة طبيعية للتعاطي مع مخرجات الحاضرة والحضارة الغربية بكل تفاصيلها، وما يقع خارج هذا القيد فهو خُسران محض ولو بعد حين، ومما يؤسَف له أن هناك مَن توهم هذه النتيجة التي تفتقد للمقدمات المنطقية والصحيحة.
إن البيئة المنتِجة للغلبة هي بيئة الحق كما أن البيئة المنتجة للخسران هي بيئة الباطل، ولا دخل لمخرجات الحضارة والحاضرة بكونك غالبا أو خسرانا، بمعنى أنك وحتى تكون غالبا يجب أن تكون على طريق الحق، والتوفر على القدر اللازم من المقدمات الحقَّة، وهنا ستكون حتما بعيدا عن طريق الباطل فلا خسران في البيّن، هذه النتيجة حتمية سواء كنت بوسط الحضارة أو بوسط البداوة.
الكثرة بوصفها عاملا يكشف عن الغلبة فهم مغلوط آخر تكرس وعُمل على إثرائه في أذهان المجتمعات، وتم تقديم نظريات وفرضيات عديدة لعل من أهم مخرجاتها إدارة المجتمعات وسياسة القطيع وتصميم الرأي العام، والتي تفرض بالنتيجة تصورات تعطي زخما موهوما للكثرة المنتجة للغلبة، في وقت أن لا تلازم بين أن تكون مع الكثرة من جهة وأن تكون غالبا من جهة أخرى، ولعل القرآن الكريم قد وضع إصبعا على الجرح وبكل اختصار بقوله تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله) (البقرة 249).
المال عامل ضاغط ومؤثر يفترض تصورا ينتج الغلبة وهو تصور مجافٍ للصواب، صحيح أن المادة مؤثرة في سير حركة البشرية شريطة أن يكون مستوى الدخالة من الموارد الشرعية التي يفرضها الدين والمسلَّمات العقلية، بالإضافة الى كونه عاملا مساعدا قد يقع في العنوان الثاني أو الثالث لا في طليعة الأسباب التي تنتج الغلبة، تصور توهمه البعض اثرا للانبهار السلبي بمخرجات الغرب حول بعض الافراد والمجتمعات الى قطعان من الاستهلاكيين المندكين بالمادة تصورا منهم أنها تنتج غلبة في نهاية المطاف!.
يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)، بمعنى أن التعاطي المادي بعيدا عن الأسس السماوية والمرادة من قبل الشارع المقدس، تحول المال الى أداة للصد عن سبيل الله تعالى وهي بالنتيجة سبب طبيعي للخسران، في الوقت الذي عمل البعض على كونها سببا للغلبة.
إن حالة الانفكاك عن السماء وإرادة الشريعة التي تعمل عليها القوة المستبدة، ما هي إلا محاولات لإخراج الأمم والمجتمعات من الدائرة الضابطة لأفهامهم وسلوكهم، الى دائرة مصممة على أساس ما يريد المستبد من افهام وسلوك، فبمجرد فرط العقد بين الفرد ودينه يكون للمستبد الدور في تصميم الطريق المفضي الى النهايات المرادة من قبله، وهذا يعني الإيمان التام بالغلبة والخسران وفق رؤية المستبد وهذا بذاته خسران بيِّن حيث يقول تعالى: ( وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا).
#شبكة_انفو_بلس