بغداد نحو شراء السيادة .. شراء التحالف الدولي
لعل الملك فيصل الأول الهاشمي (رحمه الله)، مؤسس الدولة العراقية الحديثة، أول من اكتشف حقيقة دول المجموعة الغربية باعتبارها شركات ربحية، وذلك بعد اكتشاف النفط سنة 1927، ما دفع إلى عقد اتفاقية سنة 1930 مع البريطانيين

لعل الملك فيصل الأول الهاشمي (رحمه الله)، مؤسس الدولة العراقية الحديثة، أول من اكتشف حقيقة دول المجموعة الغربية باعتبارها شركات ربحية، وذلك بعد اكتشاف النفط سنة 1927، ما دفع إلى عقد اتفاقية سنة 1930 مع البريطانيين
كتب / سلام عادل
يقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظرية التجارة السياسية بأوضح حالاتها، وذلك حين يجد في البيع والشراء طريقة لحل الأزمات، ويقدم في هذا الصدد عروضاً لشراء غزة وتحويلها إلى ساحل ترفيهي يشبه الريفييرا الفرنسي، وهو اتجاه معتاد لدى المجموعة الغربية منذ أكثر من قرن، وله تطبيقات عديدة عمل عليها ترامب في ولايته الأولى، حين طالب السعودية بدفع أموال مقابل الأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية، التي تحميها قوات أمريكية.
وتبدو الولايات المتحدة وغيرها من مجموعة الدول الغربية عبارة عن مجموعة شركات ربحية، لهذا توصف أمريكا بـ(corporate America)، بما فيها وزارات الدفاع والخارجية والخزانة، بل وحتى الكونغرس، نلحظ ذلك في تصريحات بعض السيناتورات، الذين يبدون مواقف تتعلق بالشأن الداخل الأمريكي أو الشؤون الخارجية بناءً على من يدفع أكثر، وإلا كيف نفسر نشاطات هؤلاء هذه الأيام تجاه العراق، وبعضهم أصلاً لا يعرف أين يقع العراق على خارطة العالم، وليس لديه اطلاع على تاريخ البلد وتداخلاته وطبيعة الأزمات فيه.
ولعل الملك فيصل الأول الهاشمي (رحمه الله)، مؤسس الدولة العراقية الحديثة، أول من اكتشف حقيقة دول المجموعة الغربية باعتبارها شركات ربحية، وذلك بعد اكتشاف النفط سنة 1927، ما دفع إلى عقد اتفاقية سنة 1930 مع البريطانيين، وقعها رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد والمندوب السامي البريطاني فرانسيس همفري، وهي الاتفاقية التي فتحت طريقاً أمام العراق نحو الاستقلال، يتمثل ذلك بإنهاء الانتداب البريطاني والحصول على عضوية عصبة الأمم مقابل امتيازات تجارية للبريطانيين في العراق.
ولولا استيلاء قوى الأيدولوجيات السياسية على السلطة في بغداد، والتي أنهت النظام الملكي مقابل النظام الجمهوري، لكان العراق من أفضل بلدان العالم تنمية ورفاهاً وأمناً واستقراراً، بفضل شركات العالم المختلفة، التي هي عبارة عن دول تمتلك قدرات عسكرية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية عالية المستوى، مما يجعل العالم كله حارساً وخادماً للعراقيين أصحاب الذهب الأسود ومختلف الموارد الطبيعية، التي تثير اهتمام العواصم وتجعل لُعابها يسيل.
ومن هنا يتطلب التذكير بتصورات ترامب عن العراق خلال ولايته الأولى، من ناحية قيام الأمريكان بتغيير النظام العراقي عام 2003 بمبالغ باهضة وصلت إلى نحو 2 ترليون دولار، دون ما يقابلها من أرباح تعود للخزينة الأمريكية بالفائدة، وهو ما اعتبره ترامب صفقة أمريكية خاسرة لا تعوضها أي أهداف أيدولوجية أو سياسية، ولسان حال ترامب لا معنى لموت جنود أمريكان من أجل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط بقدر ما نريد أثماناً لهذا الموت.
ولهذا نرى ترامب يركض نحو إيران بخطى متسارعة يتوعد فيها بالويل، ليس لكونه منزعجا من النظام الإيراني أو عقيدة من يحكم في إيران، وإنما عينه على فرص الاستثمارات الكبيرة في إيران بعد أن نشفت مثل هذه الفرص في السعودية والكويت والإمارات، وضاقت أكثر في أوروبا وآسيا، في الوقت الذي يرى فيها تسابق أوروبي وآسيوي للظفر بصداقة إيران قبل أن يصل هو إليها.
وتجدر الإشارة هنا إلى (قاعدة عين الأسد) غربي العراق، باعتبارها كلفت الخزينة الأمريكية قرابة خمسة مليارات دولار، ربما لن يتردد ترامب في بيعها للعراقيين بستة مليارات أو سبعة، وهو ما يشكل فرصة لحل مشكلة التواجد العسكرية الأمريكي في العراق، وقد يفضي إلى شراء كل متعلقات التحالف الدولي، في ظل بوادر بريطانية في ذلك، ظهر منها مقدمات اتفاق على استثمارات في آبار نفط كركوك يرافقها تفاهم على تطوير قاعدة القيارة العسكرية، وعلى غرارها تفاهمات مع الفرنسيين بصفقة كبرى مع شركة توتال تنطوي على تسهيلات أمام بغداد لشراء طائرات رافال.
وفي الختام .. يمكن لبغداد أن تشتري السيادة والأمن والسلام، وتشتري التحالف الدولي، وكذلك القرارات والمواقف الدولية، مادامت التجارة والمصالح الاقتصادية بوصلة العواصم ووجهة النظر الأساسية في زمن ترامب، وعندها ستتحول لندن وباريس وواشنطن إلى محامي دفاع عالمي عن بغداد وحامي لمصالحه، كما حصل للكويت.
#شبكة_انفو_بلس