تسليك الانسداد السياسي
حول نتائج الإنتخابات التي رفقها وقوع في فخ الغيبوبة والتبعية للارادات الخارجية، وما تحتاجه القوى السياسية العراقية لكي تجتمع على طاولة واحدة، كتب (محمد شريف أبو ميسم ) مقالا بعنوان (تسليك الانسداد السياسي)
محمد شريف أبو ميسم
لا يمكن تسليك الانسداد السياسي ما لم تعي القوى السياسية (الشيعية تحديدا) طبيعة هذا الانسداد جراء غياب فلاتر الوعي خلال الـ19 عاما الماضية، والاعتراف بحقيقة تراكم بقايا الأخطاء في مجرى العملية السياسية، بفعل الانشغالات الذاتية والحزبية والفئوية في ظل غيبوبة سياسية أفضت الى نوم عميق على فراش المصالح والمنافع بعيدا عن ما يحصل في العالم من متغيرات، وفي تجاهل تام لخطط ونوايا الإرادات الدولية التي صنعت التغيير في العراق والشرق الأوسط.
ولا يمكن تسليك هذا الانسداد – الذي سرعان ما سيتكرر اذا ما تمت الاستعانة بأدوات التسليك الخارجية - دون الاعتراف بحقيقة الوقوع في فخ الغيبوبة والتبعية للارادات الخارجية بوعي أو دون وعي، بدليل وجود انتخابات حظيت بدعم اعلامي غير مسبوق وبتطبيل محلي من طراز خاص بعد الانتهاء منها، بوصفها انتخابات استثنائية، بالرغم من تدني نسبة المشاركة فيها بشكل كبير باعتراف جميع الأطراف والمراقبين للشأن السياسي والاعلامي، الذين أجمعوا أيضا على أن الانتخابات تعرضت لانتهاكات أفضت بالضرورة لوجود من هم في مواقع المسؤولية من غير وجه حق، مما يستدعي المراجعة بتجرد بعيدا عن منطق الغلبة والاستئثار، لأن القوى السياسية العراقية بأكملها خاسرة في خارطة المعطيات بدليل ما انتهى اليه مجرى العملية السياسية من انسداد دون رغبة من أحد. حتى القوى الكردية التي حصلت على أكبر قدر من المغانم خلال الـ19 عاما الماضية بفعل سياسات لي الأذرع بدعم خارجي، هي في واقع الأمر خاسرة ازاء المتغيرات التي ستحصل في العراق والمنطقة والعالم، إذ أن رياح رساميل العولمة التي ستهب على العراق بعد الانتهاء من ملف الصراع مع ايران قريبا، ستطيح بجميع هذه القوى ما لم تتمسك بجذورها الوطنية، لأن رساميل الشركات التي تحكم العالم تريد أن تؤسس في العراق دولة ليبرالية تحكمها سلطة رأس المال العابر لحدود الدولة التقليدية، ورياح هذه الرساميل لا ترحم من يتخلى عن جذوره، فما بالك وهي تتماهى مع مشروع ما يسمى بالدولة الاسرائيلية الكبرى "من الماء الى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى".
ويوم تعي هذه القوى حقيقة ما حصل في البلاد منذ أن أسس الحاكم المدني بول بريمر للدولة الفاشلة في العراق، بموجب معطيات نظرية الصدمة التي وضعها الاقتصادي الأمريكي "ميلتون فريدمان" ستفهم انها كانت خاسرة بعد فوات الأوان، اذ أصدر هذا البريمر مئة قانون أسس بموجبها لدولة فاشلة، لتكون القوى النافذة فيما بعد هي المسؤولة عن هذا الفشل أمام الناس وأمام التاريخ بموجب توظيف طمع السلطة وتضخم الذات لدى الكثير من الساسة.
والذي سيحدث في نهاية الأمر بموجب هيمنة رساميل العولمة على هذه الأرض في ظل الدولة الليبرالية، هو استبدال القوى السياسية الحالية بأحزاب جديدة ستصنعها سلطة رأس المال الأجنبي حين تحل محل سلطة الدولة بموجب شكل الدولة الليبرالية التي تسعى الارادات الدولية لصناعتها على أرض الرافدين.
وتبعا للمرحلة التي تتحكم بها استراتيجية مصادرة الأرض على المدى البعيد بدعوى حق التملك في أصول الدولة الليبرالية، ستكون القوى السياسية خاسرة على كل الأصعدة حتى وان ظهرت حاليا بوصفها قوى كومبرادورية (وهي طبقة الرساميل المنتفعة من ارباكات مرحلة التغيير وعادة ما تتحالف مع الرساميل الأجنبية) لأن طبيعة الأحزاب التي تتعامل معها رساميل العولمة وهي تحكم العالم قائمة على الاقرار بالتنوع وليس لها صلة بالتوجهات العرقية أو الطائفية أو الدينية في اطار استراتيجياتها القائمة على التوسع بهدف السيطرة على العالم، الا فيما يخص "الدولة اليهودية" التي ستمتد من الماء الى الماء بحسب الشعار الماسوني.
هذه هي الخلاصة التي تحتاج أن تتفق عليها القوى السياسية العراقية لكي تجمعها طاولة واحدة للحوار الوطني، بهدف الخروج من غيبوبة الوعي. وبخلافها فإن الاستئثار بالمغانم سيفضي الى مزيد من عوادم الوعي ومزيد من الانسدادات التي ستقرب نهايات القوى النافذة لتحل محلها قوى ستلد من رحم الرساميل التي ستلج الى العراق بدعوى الاستثمار خلال السنوات التي ستعقب الاتفاق النووي الجديد مع ايران.