حول جدل قانون (الجرائم الالكترونية)
كتب/ سلام عادل
يتجدد الحديث هذه الأيام عن (قانون الجرائم الالكترونية)، وهو حديث مكرر منذ عشرة سنوات سابقة، ويتصاعد الجدل حوله في كل مرة تباشر بها الدورة الانتخابية أعمالها التشريعية، ولكن هذا الجدل لا يتوصل الى شيء في العادة، لان محركاته سياسية وأمنية وليست حقوقية أو تنظيمية، حيث تبدو مخرجات القانون، مثلما نقول في كل مرة، من وضع (العقل الأمني)، وليس (العقل التشريعي) الذي يستهدف تنظيم الحقوق والواجبات بالتساوي بين المواطنين.
نحن دائماً نؤشر على خطورة أن تتولى المنظومة الأمنية مسؤولية تقييم أو تحديد معاني حرية التعبير أو المساحات المسموح بها للتعبير، خصوصاً اذا ما كان قوام المنظومة الأمنية هم العسكر بالدرجة الأساس، لان مفاهيم النظام الديمقراطي تتقاطع مع الهيمنة بكافة اشكالها، خصوصاً الهيمنة الأمنية، ومن هنا تواجه (مسودة) هذه القانون اعتراضات في كل مرة تطرح فيها للنقاش، لان الاصل في تشريع هذا القانون هو تنظيم وحماية حرية التعبير وليس منح الشرطة سلطة رقابية على لسان البشر.
إن قانون الجرائم الالكترونية مهم فعلاً للحد من جرائم الفضاء الالكتروني، ولكنه في نفس الوقت لن يقود الى تحسين الأوضاع في ظل عدم وجود قانون رديف آخر، وهو أهم، واقصد هنا (قانون حق الحصول على المعلومة)، لان النظام الديمقراطي يكتمل حين تتوفر فيه مجموعة تشريعات متناسقة، بعضها للتجريم، وبعضها للحقوق، حيث لا يمكن وضع ممنوعات فقط دون أن يكون هناك مسموحات.
ومع التأكيد على أن الجرائم الالكترونية تعتبر إحدى ظواهر العصر الحديث، وهي من مخرجات (العولمة المفتوحة)، هذه العولمة بشكلها المنفلت باتت ضارة ومحل اعتراضات وانتقادات واسعة من قبل النخبة العالمية، ولهذا تتزايد المطالب للحد من المساحات التي يتم استغلالها تحت سقف العولمة لممارسة الجريمة، لكن النخبة العالمية في نفس الوقت تؤشر على خطورة التعامل مع الفضاء الالكتروني المفتوح، وهو مكسب كبير للبشرية، على أنه مجرد ساحة حرب ينبغي ان توضع تحت سلطة رجال الأمن.
إن الأصل في مفهوم الحرية هو (المطلق) ثم يأتي (التقييد)، وهو ما تم التأكيد عليه في (المادة 38/أولاً-ثانياً) من الدستور العراقي، ولهذا ينبغي الاهتمام أولاً بتشريع قوانين (المسموحات) ثم تأتي عملية تشريع قوانين (الممنوعات)، ومن هنا يجب أن نذهب أولاً باتجاه تشريع (قانون حق الحصول على المعلومة) ثم نذهب باتجاه تشريع قانون (الجرائم الالكترونية)، لان التنظيم الصحيح يتطلب العمل وفق قاعدة الأولويات، والتي تعني تقديم الرئيسيات على الفرعيات.
ومن هذا المنطلق أقول :
- إن قانون الحصول على المعلومة هو قانون (رئيسي).
- في حين يعتبر قانون الجرائم الالكترونية قانوناً فرعي.
وقبل كل ذلك تمتلك الحكومة سلطة إنهاء الظواهر الإجرامية الالكترونية بنسبة 50% على الاقل دون الحاجة الى تشريع قانون، ويتمثل هذا بوضع حد للجيوش الالكترونية التي باتت ظاهرة سيئة منذ عام 2014، وهي في الغالب جيوش الكترونية ممولة من المال العام جرى تأسيسها من قبل الحكومات السابقة.
والى جانب ذلك تطبيق مواد قانون حقوق الصحفيين العراقيين (رقم 22 لسنة 2011)، الذي يكفل تنظيم العمل الصحفي على نحو مقبول يرفع من مستوى رصانة صناعة المحتوى، الأمر الذي يعيد الاعتبار لعملية نشر وتداول المعلومات بمسؤولية.