حول حرية (الأكثرية الشيعية) على مساحتها الجغرافية
لست هنا في معرض تأييد بعض السلوكيات غير المحبَّذة التي قد تظهر هنا وهناك بين صفوف السائرين والزائرين، بل هي تستوجب النقد بالضرورة، والمنع حتى، وأيضاً بعض مظاهر الغلو في حب أهل البيت، والذي حذر منه الإمام السيستاني في مواقف صدرت عنه منشورة على موقعه الرسمي،
كتب / سلام عادل
في كل مرة ندخل فيها بموسم الشعائر الشيعية، (زيارة الأربعينية)، تظهر هنا وهناك حملات إعلامية معادية، أو حتى لو كانت مجرد آراء يمكن وصفها بالسخيفة، تستهدف الإساءة لهذه الشعائر، بغض النظر عما إذا كانت هذه الشعائر قديمة أو مبتكرة، لكونها في النهاية خيارا اتخذته طائفة دينية تمثل عقيدة أغلبية السكان الذين يعيشون على مساحات جغرافية معلومة الحدود.
ومع كون الشيعة لا يعتبرون شعيرة الأربعينية مجرد (بدعة) صنعها الزمن، بقدر ما هي تقديرات ربانية مقصودة لغايات دينية تتعلق بالوجود الشيعي، وهو ما فسره الإمام الخامنئي في تغريدة له قال فيها إن: الشيعة بحاجة الى مؤتمر عالمي يرون بعضهم بعضاً فيه، وقد حدد الأئمة هذا المؤتمر العالمي، لأن روح الشيعة كربلائية، ونبض عاشوراء في أجسادهم.
ولست هنا في معرض تأييد بعض السلوكيات غير المحبَّذة التي قد تظهر هنا وهناك بين صفوف السائرين والزائرين، بل هي تستوجب النقد بالضرورة، والمنع حتى، وأيضاً بعض مظاهر الغلو في حب أهل البيت، والذي حذر منه الإمام السيستاني في مواقف صدرت عنه منشورة على موقعه الرسمي، وهي تُعد تحذيرات بمثابة فتوى مرجعية ينبغي الالتزام بها من قبل عموم المقلّدين.
وعموماً .. ما تجدر الإشارة إليه هنا هو مفهوم الأغلبية الشيعية في جغرافيا الشرق الأوسط، الذي جرى تغييبه عن قصد على مدار الحِقب التاريخية، على الرغم من كونه واضحا من الناحية العددية للسكان، والأكثر وضوحاً الحضور الفكري والثقافي والسياسي لمخرجات المدرسة الشيعية، فضلاً عن وجود الآثار المادية التي تعتبر دلالات تاريخية على وجود الطائفة في المنطقة، ويتمثل ذلك بالأضرحة والمزارات المقدسة لأئمة الطائفة وعلمائها ومشاهيرها.
ومن هنا لا ينبغي التردد في اعتبار العراق (وطن الشيعة)، مثلما لا يوجد شك في اعتبار إيران بلد الشيعة، أو لبنان أو سوريا أو البحرين أو اليمن، ويشمل ذلك الكويت وعمان وشرق الجزيرة العربية ..الخ، ولو تم الأخذ بمعطيات التأثير الحضاري، فسوف يشمل الحضور الشيعي مناطق شمال أفريقيا وشرق ووسط تركيا وصولاً إلى أذربيجان وباكستان.
وفي المحصّلة يعتبر المنهج العلوي الذي تبلور مع انتقال (الإمام علي) إلى الكوفة، منذ سنة 36 هجرياً، الإطار الحضاري للإسلام في الشرق الأوسط وعموم غرب آسيا، ولهذا يعتبر (شيعة علي)، والجغرافيا التي يعيشون عليها، الفضاء الوجودي للسلام العلوي المنبثق عن سلالة أهل بين النبي.
ولعل أفضل مَن شرحَ هذا الوجود الجغرافي للشيعة على شكل معلومات وخرائط هو (الدكتور رسول جعفريان/ أستاذ التاريخ في جامعة طهران)، والذي قدّم دراسة في الجغرافيا الدينية للتشيّع على شكل كتاب مصور ضخم يتكون من (613 صفحة) بعنوان (أطلس الشيعة)، توجد منه نسخة مترجمة إلى العربية في المكتبات.
ويوجد في المكتبات أيضاً كتاب آخر أشار إلى الجغرافيا السياسية للشيعة في العالم، وهو كتاب للمستشرق الفرنسي (فرانسوا توبال) بعنوان (الشيعة في العالم .. صحوة المستبعدين واستراتيجيتهم)، ومع التحفظ على الكثير من تفسيرات هذا المستشرق بحكم عدم فهمه العميق للعقيدة الشيعية، إلا أنه بشكل أو بآخر قدم فوائد معرفية لموضوعات عدة، من بينها التنوع القومي داخل الطائفية الشيعية.
والمعروف أن التشيّع يعتبر حاضنة لمجموعة من القوميات والأعراق التي تنتشر في عموم دول المنطقة، التي يتواجد من بين مواطنيها العرب والفرس الهنود والأتراك والأكراد ومكونات اجتماعية أخرى متعددة ومتداخلة، وهذه المكونات بشكل عام تمثل عامل إثراء للطائفة الشيعية، لكونها وفق هذا الخليط تعتبر جامعة للألسُن واللغات.
وفي العراق تحديداً تبلغ نسبة الشيعة في حدود 63% من السكان داخل مختلف القوميات، ولهذا ينتشرون في 15 محافظة وتزداد كثافتهم على وجه الخصوص في 9 محافظات وسطى وجنوبية، فيما يشكلون الأغلبية الساحقة في العاصمة بغداد، وبالتالي يمثل وجودهم الكبير هذا أغلبية السكان في البلاد، مما يتيح لهم صبغ البلاد بلونهم وصياغة هويتها وتعريفها العالمي، وذلك بحسب مقررات العهد الدولي الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي أقرته الأمم المتحدة واعتمدته الجمعية العامة في سنة 1966.
#الوتر_الموتور
#شبكة_انفو_بلس