سجاد أول الحصاد

يظن البعض أن سجاد الذي رمى قطّةً من الطابق التاسع في مجمع بسماية السكني ووقف يتلذّذ برؤيتها مهشّمة مخضّبة بالدم والسيجارة في فمه كما ظهرت في خياله، يظن البعض أنه حالة فريدة شاذة، لكن الأمر ليس كذلك مطلقاً. سجاد وأمثاله على قلّتهم (اليوم) يمكن أن نسمّيهم (أول الحصاد) الذي يكون بادئ الأمر محصولاً جديداً في السوق ثم سرعان ما يكثر ويُغرِق المحلات بوفرة لدى الباعة ولا يبقى في عداد المواد النادرة.

سجاد هو عيّنة لجيل كامل تربّى على حب الدّم والتعطّش لإلحاق أكبر قدر من الأذى بالمقابل، سواء أكان بشراً أم دابة أم طيراً. تربّى على مفاخرة الناس في كل مناسبة سعيدة أو حزينة بكثرة السلاح وإظهار الاستعداد للبطش بالجيران أو أبناء مدينته قبل وقوع الخصام.

تربّى على وصيّة (الي يندگ بيك كتله وننطي الفصل مالته)، ولابد من الإشارة إلى أن كلمة (يندگ) بالنسبة إليهم لا تقتصر على العدوان بحيث يكون القصد منها الدفاع عن النفس، بل هي عامة تشمل حتى الطلب المهذّب من المقابل، على سبيل المثال: (من فضلك هل يمكن أن تخفّض صوت الأغاني التي تزعجنا في هذا الوقت من الليل؟). سجاد نتاج مصطلح (جيب عمامك) لأتفه الأمور ولو كانت خلافاً بين أطفال صغار أثناء اللعب في الحديقة، بحيث لم يعد للسماحة وحُسن الجوار والتراحم والمودّة مكان بين أبناء هذا المجتمع، إنما الحكم والقرار الأول والأخير لجلسات (الفصل أو الدگة والمطلوب عشائرياً وفي رسم آخر عشائرين) لكل شاردة وواردة.

سجاد نتاج الأغاني الهمجية التي لا تخلو من مفردات الدم والموت والقتل والإبادة، تلك الأغاني المسموعة بكل الأحوال والمناسبات، في السيارة والمطعم والأعراس والرحلات الترفيهية..

 تخيّل معي عزيزي القارئ ما هو نوع الذائقة والنفس والقلب الذي يجعل إنساناً يأنس ويمرح لسماع كلمات تُنسب عادة إلى مصاصي الدماء أو دراكولا أثناء خروجه مع أهله في رحلة إلى حضن الطبيعة!.

سجاد هو نتاج طبيعي لمن يختار هذا النمط من العيش والتربية، فلا يعجّل أحد بالكثير من الاستنكار والغضب عند رؤية مقطع القطة المسكينة، لأن الغد القريب سيأتي بأعداد هائلة من أمثال سجّاد، فهناك المزيد ممن تربّى على هذا النمط.

#شبكة_انفو_بلس