عن أفراد عائلة (خِطاب التطبيع)
من هنا نفهم محركات الدعوة لجعل العراق وإيران ولبنان وسوريا واليمن في عزلة عن بعضهم في مواجهة التحديات الصهيونية، وسط ضخ إعلامي واسع النطاق على شكل (خطاب توهين)، يقود فيما بعد إلى تقبّل (خطاب التطبيع) بكل أريحية
كتب / سلام عادل
بين فترة وأخرى تتخذ وسائل الإعلام عبر سهراتها التلفزيونية، ومن خلال برامجها السياسية، مضامين التغريدات والتصريحات، التي يُدلي بها مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي بشكل متواصل، وحتى وزير الخارجية فؤاد حسين، وهي في الغالب تصب في اتجاه إثارة جدل ينطوي على إدانات للفصائل العراقية ودورها في إسناد الجبهة الفلسطينية واللبنانية.
وفي أقل تقدير تبدو الرسائل المضمرة وراء هذا الجدل ترسيخ سياسة (النأي بالنفس)، وهي إملاءات سعت إسرائيل وأمريكا وبعض دول المعسكر الغربي إلى فرضها على لبنان في أوقات سابقة، وتحديداً حين انخرط حزب الله في الحرب ضد داعش في سوريا، وما ترتب على ذلك من أبعاد مهمة أنهت هذا الخطر الإرهابي، الذي هدد المنطقة بأكملها، وكسر الحدود، وأسقط مخططات خطيرة.
والجميع يعرف أن سياسة (النأي بالنفس) يراد لها الحيلولة دون التضامن بين دول المنطقة تجاه التحديات الوجودية المشتركة، ومنع أي تفاهمات أو أي تنسيق من شأنه خلق إقليم متحد ومتعاون، وهو ما دفع إلى ابتكار مسار (وحدة الساحات)، لحاجة عراقية ولبنانية وإيرانية وسورية وفلسطينية، وحتى يمانية، باعتبار أن الأمن القومي لجميع هذه الدول مترابط بحكم الواقع الجيوسياسي.
وبالعودة إلى عام 2003، كانت واحدة من أبرز الإملاءات، التي جرى فرضها على العراق الجديد، اعتماد سياسة (عدم الانحياز للمحاور)، مع كون العالم عبارة عن تحالفات وتكتلات، بعضها عسكري والآخر اقتصادي، ومن غير الممكن، ولا حتى المفيد، بقاء أي دولة بمفردها معزولة وفق حسابات المصالح العليا.
بل صارت التكتلات تظهر حتى لدى دولة مثل سويسرا، التي تتبنى سياسة (الحياد الإيجابي) منذ عام 1815، باعتبارها أبدت مؤخراً ميلاً للاتحاد الأوروبي ولحلف الناتو، بعد أن فتحت في عاصمتها مكتباً للتواصل بين دول الحلف، مدعوماً من استبيانات الرأي الشعبي المؤيد للدخول في منظومة (درع السماء) للدفاعات الجوية الأوروبية، بل وصارت البنوك السويسرية أداة في تطبيق العقوبات المالية التي تقودها واشنطن.
ويتضح عالم التكتلات أكثر في تصنيفات الأمم المتحدة، التي جرى من خلالها حشر دول جنوب العآلم في خانة ودول شمال العالم في خانة أخرى، يضاف لذلك التصنيف العنصري بين البيض والسود، او الطبقية المتمثلة بوصف (دول العالم الثالث)، ويشمل آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، مع كون هذه القارات شهدت طفرة تنموية في السنوات الاخيرة.
وعود على بدء .. يراد للشرق الأوسط أن يبقى منطقة هيمنة غربية، ويخضع بموجب ذلك لجميع أشكال الإملاءات، ابتداءً من مقررات عصبة الأمم، التي بموجبها رسمت حدود سايكس - بيكو وفق المقاسات الفرنسية البريطانيا، ووصولاً إلى مشتهيات ومزاجيات المتنفذ الأكبر في الأمم المتحدة، وهي الادارة الامريكية، التي فرضت منطقها وسياساتها على المنطقة منذ الستينيات.
ولعل الوصفات الجاهزة، التي عشناها في آخر 20 سنة، دليل على ذلك، مثل مخطط (الشرق الأوسط الكبير)، الذي سعت له واشنطن خلال حقبة بوش الابن، او (صفقة القرن)، خلال حقبة ترامب الاولى، وهي جميعها تصب في خدمة إسرائيل الكبرى، على أن تكون بوابة ذلك (الاعتراف بإسرائيل دولة)، ومن بعد (التطبيع الشامل)، الذي مقدماته عبارة عن (عدم الانحياز للمحاور)، وكذلك (النأي بالنفس).
ومن هنا نفهم محركات الدعوة لجعل العراق وإيران ولبنان وسوريا واليمن في عزلة عن بعضهم في مواجهة التحديات الصهيونية، وسط ضخ إعلامي واسع النطاق على شكل (خطاب توهين)، يقود فيما بعد إلى تقبّل (خطاب التطبيع) بكل أريحية، وهو ما نسمعه من إعلام الدول المطبعة، الذي يراد استنساخه في الإعلام العراقي بالاستناد إلى تصريحات بعض الشخصيات او المسؤولين العراقيين.
وإلا كيف نفهم تصريحات قاسم الأعرجي وفؤاد حسين خلال هذه الحرب الشاملة، التي يقودها نتنياهو، حين يقولان إن "العراق يرفض استخدام أجوائه للاعتداء على أي دولة"، وكأن الكيان هو الآخر صار يعتبر دولة حاله حال إيران ؟!