عن العراق .. الحاجة إلى (اقتصاد مقاوم)
يعتبر الامر رقم (56) الخاص بتأسيس البنك المركزي العراقي واحداً من القوانين الخطيرة للغاية، لكونه فرض على العراق تبني سياسة السوق الحرة من دون أي مقدمات اقتصادية، خصوصاً أن العراق كان قد خرج في حينها للتو من الحصار الاقتصادي الدولي.
كتب / سلام عادل
الحالة المريضة التي يمر بها العراق اليوم تتمثل باستسلام القوى السياسية العراقية لصدمة عام 2003، وما رافقها من إملاءات جرى فرضها من خلال سلطة الحاكم المدني (بول بريمر)، الذي أصدر في حينها بحدود (97) أمراً إدارياً، تعتبر بمثابة قوانين جرى بموجبها رسم ملامح النظام العراقي الجديد وبناء مبانيه وأساساته، من بينها النظام المالي والتوجهات الاقتصادية.
ويعتبر الامر رقم (56) الخاص بتأسيس البنك المركزي العراقي واحداً من القوانين الخطيرة للغاية، لكونه فرض على العراق تبني سياسة السوق الحرة من دون أي مقدمات اقتصادية، خصوصاً أن العراق كان قد خرج في حينها للتو من الحصار الاقتصادي الدولي، بحسب قرار مجلس الأمن على خلفية حرب الكويت، وهو حصار دام 13 سنة تسبب بدمار شامل للاقتصاد الوطني.
ولهذا تعتبر الطبخة الامريكية الجاهزة التي جرى فرضها على العراق، كنصائح اقتصادية وسياسات نقدية ومالية ذات طابع ليبرالي، ومستوردة من مكتبة البنك الدولي، كانت جميعها عبارة عن نصائح غير مناسبة تسببت بحالة مرضية لم يستطع العراق التعافي منها رغم مرور 20 سنة، سيما وأن نصائح البنك الدولي عادة مصمَّمة لقتل اقتصاديات الدول الاخرى، وهي جزء من التوجه الامبريالي الذي تتميز به الإدارة الامريكية.
ولكن ما حصل في عام 2003 تحت ضغط الماكنة العسكرية الامريكية لا يعفي القوى السياسية، ولا يمكن أن يكون عذراً لها حين تخلّت عن مسؤولياته واستسلمت لتلك الإملاءات المستوردة، خصوصاً أن الحكومات المتعاقبة في العراق الجديدة، وجميعها برئاسة شخصيات شيعية تنحدر من مدارس إسلامية.
والإسلام، كما يعلم الجميع، ليس منظومة سطحية استهلاكية تتلقى الأوامر من الغرب لتعمل على تنفيذها في الشرق، ولكن هذا ما حصل للأسف. مع كون الفضاء الايدولوجي للإسلام الشيعي سبق أن قدم فرضيات ونظريات عصرية تتعلق بالاقتصاد، من بينها أطروحات السيد محمد باقر الصدر، والتي لم نرَ لها أي حظور في العشرين سنة الماضية.
وهو ما يثير الاستغراب في ظل وجود القدرة على تنفيذ أفكار محمد باقر الصدر، وفي ظل وجود صاحب قرار يمتلك السلطة التنفيذية الاعلى في البلاد، والذي يعرف تماماً مخرجات المدرسة الصدرية، التي على رأسها، في أقل تقدير، مفهوم (البنك اللاربوي)، ولكننا شاهدنا العكس، حيث جرى التمسك بنموذج البنك الربوي، مثل البنك المركزي، الذي جرى منحه دعماً مفتوحاً وحرية تصرف لدرجة صار فيها مصنعاً لتفريخ عشرات البنوك الربوية التي تعبث حاليا بمقدرات البلاد من دون رادع.
وحتى هذه اللحظة من غير المفهوم لماذا لا يتم تبني مفاهيم الاقتصاد التكافلي، الذي تميز به الإسلام وسبق بها تنظيرات المفكرين الاشتراكيين حتى، وتحديداً مباني العدالة الاجتماعية التي هي من مخرجات الدولة العلوية التي سعى الى تأسيسها الإمام علي بن أبي طالب في الكوفة.
وتبدو الجمهورية الإسلامية في اإيران كنموذج إسلامي شيعي يمثل شكلاً معاصراً للرؤية العلوية، وعلى الرغم من الحصار القاسي جداً الذي تفرضه الإدارة الامريكية عليها، إلا أنها تبدو واقفة على قدميها بثبات، وهي حالة لافتة للنظر، باعتبار أن اقتصادها المحاصر مازال يتحرك في دورة حيوية وقادر على الإنتاج والنمو، وهو بلا أدنى شك بفضل التكافل الذي صنع اقتصاداً مقاوما.
والاقتصاد المقاوم هنا يعني القدرة على مواجهة الإملاءات الخارجية، والابتزازات بأشكالها كافة، ورفض الهيمنة والشروط والاشتراطات، والاعتماد على القدرات الداخلية بشيء من روح الكبرياء والتحدي والتحمل والصمود، باعتبار أن الاقتصاد الذي يقوم على السلع والخدمات هو في النهاية مجال اجتماعي، يشتمل على ثقافة وقيم وتاريخ وبنية سياسية وجغرافيا وموارد طبيعية وبيئة وعناصر بشرية لديها اعتزاز بالنفس وطموحات.
وبالتالي، يحتاج العراق المريض حالياً الى وصفة طبية من أجل التعافي، وهي وصفة تتكون من جرعات مقاومة ينبغي عليه تناولها في كل يوم، حتى يتعافى من أمراضه التي تسبب بها الاحتلال الامريكي.
#الوتر_الموتور
#شبكة_انفو_بلس