عن ليلة تفجير البرلمان بالبارود
من الذي سمح للحلبوسي بتعطيل السلطة التشريعية في البلاد …؟
كتب / سلام عادل
قبل أربعة قرون جرى التخطيط من قبل (ثائرون أو مارقون) في لندن لتفجير البرلمان البريطاني، وهو الحدث الذي يعرف باسم (مؤامرة البارود) أو (ليلة البون فاير/Bonfire Night) وبغض النظر عن الدوافع التي تقف وراء هذا المخطط إلا أن السلطات الأمنية تمكنت من اعتقال العقل المدبر الذي قام بنقل مجموعة كبيرة من براميل البارود الى سرداب البرلمان على أمل أن يقوم بتفجيره صباح اليوم التالي عند حضور الملك.
ومنذ تلك اللحظة التي تصادف في (5/ نوفمبر 1605) صار يتم الاحتفال سنوياً في بريطاني كعيد وطني عبر اطلاق الالعاب النارية على نحو واسع في عموم المملكة وأراضيها ومستعمراتها عبر البحار ابتهاجاً بفشل (مؤامرة البارود) التي كادت أن تطيح بالبرلمان البريطاني الذي يعد واحداً من أعرق البرلمانات في عصرنا الحالي.
وتحظى أهمية البرلمانات بمكانة أشبه بالمقدسة في الدول الديمقراطية العريقة لكون البرلمانات تعتبر منطقة العمل السياسي الرئيسية وحلبة النزاع بين القوى والاحزاب وهي منصة التبادل السلمي للسلطة فضلاً عن كون البرلمان يعد بمثابة الجهاز الرقابي الأكبر على السلطة التنفيذية وتوابعها ولذلك يوصف البرلمان أحياناً بـ(بيت الديمقراطية).
ولا يفوتنا أن ننسى حجم الفاجعة التي حصلت مؤخراً في الديمقراطية الأمريكية والتي تسببت بصدمة للأمة حين اقتحم انصار ترامب مبنى الكونغرس على خلفية الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية، وهو الحدث الذي هز العقل والوجدان الأمريكي والذي مازالت بسببه المحاكمات قائمة حتى هذه اللحظة لمعاقبة الفاعلين والمحرضين، وسوف تطال العقوبات الرئيس ترامب نفسه بلا أدنى شك.
ومن هنا ينبغي على النخبة العراقية (الثقافية + السياسية) النظر بجدية وبحالة من الأسى على مآلات الديمقراطية العراقية الناشئة التي صارت تتعرض لمخططات تخريبية مقصودة من قبل جماعات او حتى افراد طامحين ومتمسكين بالسلطة، وهي مخططات أقل ما يمكن وصفها أنها (مؤامرة على الديمقراطية).
وهو ما يجعل من غير المفهوم تماماً قيام رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي وبجرة قلم تعطيل مجلس النواب العراقي في الاوقات التي ينبغي أن يكون فيها البرلمان مفتوحاً على مدار الوقت لمعالجة الأزمات السياسية المتزايدة في البلاد، سيما حين يتعرض البرلمان نفسه لاعتداء وهجوم من قبل جماعة (ثائرة أو مارقة) لا تريد أن تندمج في الحياة السياسية ولا تريد أن تلتزم بقواعد العمل الديمقراطي.
والمخزي أن تتواطأ الحكومة مع عملية اقتحام البرلمان وتسمح بتحويله الى مسرح تهريجي تلقى من فوقه خطابات التحريض والكراهية وتتبادل فيه دعوات التصعيد ضد القضاة والسلطة القضائية وضد القوى السياسية بما فيها التلويح بشنق اشخاص، ما يجعل البلاد على كف عفريت كما يقال وسط هذا الاستهتار والاستخفاف من قبل المسؤولين المباشرين عن السلطات الأمنية.
ولذلك يعتبر قيام الحلبوسي بتعليق جلسات البرلمان حتى إشعار آخر قراراً غير مسؤول بالمطلق لانه أدى الى تعطيل السلطة التشريعية والرقابية وتجميد الديمقراطية وغلق منطقة العمل السياسي الشرعي، وهو ما يعني جعل الشوارع بديلاً عن التفاهمات لمن يملك أكبر عدد من البنادق.
وبات من الواضح أن الحلبوسي غير مدرك لأهمية منصبه ووظيفته بل هو بتصرفه هذا يدير عن قصد ظهره للمسؤوليات الدستورية التي أقسم الحفاظ عليها، خصوصاً وهو يرى بعينه (مؤامرة تفجير البرلمان بالبارود) التي خطط لها (مارقون) لا يؤمنون بالعمل السياسي بشراكة رئيس حكومة منتهية ولايته يريد ان يتمسك بالسلطة حتى ولو بالمغامرات والمقامرات التي تؤدي الى سقوط الديمقراطية.
وفي الختام .. البرلمانات ليست مكاناً للتظاهر ولا للاعتصام ولا للطم على الحسين (عليه السلام)، ولا ينبغي في أي حال من الأحوال الاستسلام لحالة الخروج على السلطة التشريعية لكونها تعتبر حالة خروج على القانون ينبغي أن تنتهي اليوم قبل الغد عبر استخدام كل اساليب السلطات الأمنية مثلما فعلت السلطات البريطانية والامريكية وما يترتب على ذلك من ملاحقات ومحاكمات.