في العراق فقط .. السوشيال ميديا بديلاً عن المحاكم والقضاء
تصاعدت قضية النائب بهاء الدين النوري، التي تصدرت ترند العراق، جراء حصول مشاجرة بين امرأتين وأحد ضباط شرطة المرور، بعد أن تم تسريب فيديو لواقعة المشاجرة لم يظهر فيه النائب بهاء الدين النوري، ولم يكن موجودا أصلاً .
في العراق فقط .. السوشيال ميديا بديلاً عن المحاكم والقضاء
كتب / سلام عادل
تتحكم خوارزميات السوشيال ميديا بالعقل الجمعي العراقي لدرجة تصل الى إصدار أحكام بالتجريم أو البراءة، على الأفراد أو الجماعات، وهو ما ليس له مثيل في أي دولة بالعالم، مما جعل المحيط الاجتماعي يفقد قيمه وثوابته، بما فيها الركائز الدينية، ليتحول إلى مجرد روبوتات خاضعة لمعادلات البرمجة.
ووصل الأمر إلى أن (كتلة دولة القانون)، وهي أكبر كتلة برلمانية، تخضع لقانون السوشيال ميديا وليس لقانون الدولة الذي يمثل منهاجها السياسي، وهو مؤشر على وجود مؤثرات مزاجية عالية صار لها تأثير قوي حتى على مسارات العمل السياسي.
ولعل قضية فصل النائب بهاء الدين النوري، وهو ناطق باسم كتلة دولة القانون، على خلفية ما صدر بحقه من محاكم السوشيال ميديا، التي قررت حكماً بالتجريم عليه قبل أن تكتمل تحقيقات القضاء حتى، ما هو إلا مؤشر على أن البراءة والتجريم وإثبات الاتهامات تحصل من خلال منشور على الفيس بوك أو تغريدة في تويتر، وقد لا يتطلب الأمر تقديم أي إثباتات أو براهين، ولا حتى إمكانية الدفاع عن النفس.
وتصاعدت قضية النائب بهاء الدين النوري، التي تصدرت ترند العراق، جراء حصول مشاجرة بين امرأتين وأحد ضباط شرطة المرور، بعد أن تم تسريب فيديو لواقعة المشاجرة لم يظهر فيه النائب بهاء الدين النوري، ولم يكن موجودا أصلاً، ولا حتى كان طرفاً في هذه المشاجرة إلا في حدود تدخله كوسيط لحل المشكلة.
ومع ذلك قررت منشورات المدونين تحميل النائب بهاء الدين النوري مسؤولية المشاجرة وما ترتب عليها، يشمل ذلك التعريض بسمعته الاجتماعية، وافتراض وجود علاقة غرامية له مع إحدى نساء المشاجرة، سواء علاقة شرعية أو غير ذلك، ففي كل الأحوال ينبغي على العقل الجمعي الأخذ بأحكام السوشيال ميديا على أنها حقائق غير محرّفة وغير قابلة للاعتراض.
ولعبت وزارة الداخلية دوراً سانداً لمحكمة السوشيال ميديا، باعتبار أن الحكم المتسرع، والذي صدر وفق مشتهيات المدونين، جاء لصالح ضابط شرطة المرور المعتدى عليه، دون أن تسعى الوزارة الى كشف الحقائق الكاملة بما يتيح للنائب بهاء الدين النوري الدفاع عن نفسه، بل ووصل الحال بالوزارة أن قامت من جانبها بتغذية صفحات المدونين بفيديو آخر للمشاجرة من كاميرات المراقبة.
وجرى تسويق حملة التضامن من قبل السوشيال ميديا مع ضابط شرطة المرور بكونها تندرج في إطار ترسيخ ضوابط القانون والدولة، ودفاعاً عن المرسوم الجمهوري المثبت على كتف الضابط، في حين أن منصات السوشيال ميديا نفسها كان لها موقف سلبي من حالات أخرى شهدت تجاوزاً على الرتب العسكرية وأصحابها إضافة لوظيفتهم.
ولا أدري لماذا حين تم التجاوز على الفريق الركن عبد الكريم خلف، وهو ضابط مقاتل شارك في غالبية الحروب الوطنية، حين تم وصفه بـ(بوق السلطة) على الهواء مباشرة وأمام أنظار الجميع، تم التصفيق لشاتميه، في حين غضب هذا العقل الجمعي من أجل شرطي المرور.
وعلى الفور سعت وزارة الداخلية إلى استغلال حادث المشاجرة لتدعيم نفوذ شرطة المرور في الشارع، وتسويقهم على كونهم ملائكة، مع أن الكثير من الانتقادات والشكاوى تلاحق هذا الجهاز جراء حصول حالات ابتزاز مالي لا تُعد ولا تحصى يرتكبها عناصر المرور بحق أصحاب المركبات، وغالباً ما يتم نصب سيطرات في الشوارع لغرض جمع الأموال بغرامات حقيقية أو مزيفة.
ويشمل ذلك الكثير من الشكاوى التي ترفعها النساء السائقات تحديداً، بسبب تعرضهن للتحرش والمعاكسات من قبل سيطرات شرطة المرور على نحو مستمر، دون أن يكون للنساء القدرة على رد هذه التحرشات، كما حصل في قضية المشاجرة الشهيرة، التي يبدو أنها نالت قسطاً من التضامن النسائي غير المعلن.
وفي الختام .. من كان منكم بلا خطيئة، فلْيرمي النائب بهاء الدين النوري بحجر، ومن كان يريد دولة قانون عليه أن لا يخضع لقانون السوشيال ميديا، أما بالنسبة للعقل الجمعي العراقي، فيبدوا أنه هشّ وسطحي ويمكن الضحك عليه بكل سهولة، وهو ما يحصل بالفعل للأسف، في ظل علو صوت محاكم السوشيال ميديا على محاكم القاضي فائق زيدان.
#الوتر_الموتور
#شبكة_انفو_بلس