في ذكرى احتلال الدولة التي أسسها الاحتلال
كان البريطانيون والفرنسيون قد رسموا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى حدود سايكس بيكو، التي ظهرت عليها دولة العراق الحديث، شريطة أن يبقى الاعتراف بهذه الدولة مرهون بخضوعها كمنطقة نفوذ للبريطانيين والفرنسيين
كتب / سلام عادل
العراق الموجود حالياً هو ليس العراق الحضاري التاريخي الذي كان يمتد على مساحات واسعة في الشرق الأوسط وساحل الخليج، قبل أن يتم تقطيعه واقتطاعه إلى أجزاء أصبحت فيما بعد دويلات لا هموم لها غير معاداته والتآمر عليه، لدرجة صارت فيها هذه الدويلات عبارة عن قواعد عسكرية تتواجد فيها قوات أجنبية، انضم لها العراق أيضاً في 9/ نيسان/ 2003، ليتحول هو الآخر إلى قاعدة عسكرية تحت سقف ما يسمى بـ(اتفاقية صوفا)، أو (الإطار الاستراتيجي)، ولا يهم بالطبع مناقشة شرعية كل ذلك مادام الموضوع من مخرجات احتلال عسكري.
وكان البريطانيون والفرنسيون قد رسموا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى حدود سايكس بيكو، التي ظهرت عليها دولة العراق الحديث، شريطة أن يبقى الاعتراف بهذه الدولة مرهون بخضوعها كمنطقة نفوذ للبريطانيين والفرنسيين، وهو ما تكرر لاحقاً على يد الأمريكان، الذين كلما سمعوا تذمراً من العراقيين سارعوا إلى التهديد بزوال هذه الدولة، التي أسّسوا نظامها الجديد على أساس توافق مجموعة زعماء يمثلون مكونات اجتماعية، وكلما اعترض أحدهم هددوه بالتقسيم.
والعراق الحقيقي أكبر من كونه دولة بحدود سايكس بيكو، أو دولة تستمد وجودها الجغرافي من وجود قاعدة عسكرية أمريكية على الأرض، لكون العراق المعروف في التاريخ هو الحضارة المترامية الأطراف، التي يعيش فيها مختلف السلالات، وقدمت مختلف أشكال المعارف، وتراكمت فيها الألسن والثقافات والمذاهب والأديان حتى صارت مهجراً للعلماء ومَحجّاً للأنبياء، والعراق منطقة إشعاع وتأثير فكري وروحي مما يجعله واحداً من أسرار اللاهوت، التي تبشر بيها الديانات والرسالات السماوية.
ومن هنا لا قيمة للجدل الذي يشتعل في كل نيسان منذ عام 2003 حول سقوط النظام الدكتاتورية المتمثل بسلطة صدام حسين، في حال كان سقوط هذا النظام الدموي يعتبر تحريراً أم احتلالاً، باعتبار أن النظامَين السابق واللاحق بالضرورة لا يعبّران عن حقيقة العراق بحدوده الجغرافية الحالية، لكونها أصلاً حدود مرسومة على ورق النظام الدولي الحالي، الذي هو من ابتكارات الغرب، والذي قد يسقط هو الآخر وينهار بفعل الشيخوخة التي دبّت فيه مؤخراً، لتنتقل مرة أخرى سلطة التأثير إلى الشرق بعد أن فقدها لعدة قرون.
وبالتالي كل ما حصل في العراق الحديث والجديد سيبقى مجرد ظواهر وقتية ستنتهي وتُسجَّل كأحداث مرت في التاريخ، سواء ما حصل في دولته التي أسسها الاحتلال البريطاني - الفرنسي، لغرض أن تكون منطقة نفوذ سياسي وتجاري، أو بدولته التي تأسست على يد الأمريكان لتكون منطقة نفوذ سياسي وعسكري، ويشمل ذلك الحدود التي جرى التلاعب بها، وعنجهية الدويلات التي تتآمر عليه، وكذلك بعض أبنائه من مزدوجي الجنسية، الذين هللوا في يومٍ ما لدبابات الاحتلال وهي تدوس أرض بلادهم بحجة أنها ستجلب الديمقراطية.