معطيات الفشل الثقافي لأمريكا في العراق
تكتب السفيرة الأمريكية باستمرار تحت هاشتاگ "الشراكة العراقية الأمريكية الشاملة" في حين يعجز العراقيون عن مصافحة أمريكي واحد، أو مناقشة أمريكية واحدة في مقهى أو مطعم أو حتى على رصيف الشارع
كتب / سلام عادل
تكتب السفيرة الأمريكية في بغداد باستمرار تغريدات على صفحتها الشخصية الموثقة على منصة X، وكأنها مصابة بإسهال مزمن على كتابة التعليقات لا تستطيع أن تجد له علاجاً، مع كون ينبغي لها أن تكون أكثر هدوءاً واتزاناً في الظهور وفي العلاقات الرسمية والعامة، باعتبارها تمثل دولة عظمى تسعى لفرض نفسها حاكما أوحد على سبع قارات تمتلك فيها جميعاً قواعد عسكرية تحتوي على مختلف أشكال الصنوف، يُضاف لها قوات بحرية متحركة في أكثر من بحر وخليج.
وتكتب السفيرة الأمريكية باستمرار تحت هاشتاگ "الشراكة العراقية الأمريكية الشاملة" في حين يعجز العراقيون عن مصافحة أمريكي واحد، أو مناقشة أمريكية واحدة في مقهى أو مطعم أو حتى على رصيف الشارع، كما يعجز العراقيون أيضاً عن الحصول على فيزا لدخول الولايات المتحدة الأمريكية لأي سبب كان، سواء تجاري أو سياحي أو حتى لأغراض العلاج، ولا يبادر الأمريكيون من جانبهم لزيارة العراق الذي لا يعرفون عنه شيئا غير كونه بلداً كارهاً لهم.
ومع كون السفارة الأمريكية في بغداد تصطحب منذ سنوات عدداً من الأشخاص سنوياً للتعرف على أمريكا، من زاوية برنامج (الزائر الدولي)، الذي تموله الخارجية، لكن يبقى نوع هؤلاء الزائرين محصور بأشخاص ينبغي لهم أن يكونوا أبواقاً إعلامية تتغزل بالحياة الأمريكية، مع كون غالبيتهم بعد العودة يتجنبون الإفصاح عن زيارتهم إلى أمريكا وتجوالهم هناك، وذلك جراء سمعة أمريكا في العراق، التي هي الأسوأ من بين جميع دول العالم الفقيرة والغنية.
ويُضاف لهذا المشهد الساخر تعتيم آخر يفرضه العراقيون المتأمركون على أنفسهم، تحديداً من النوع الذين هاجروا خلال الـ20 سنة الأخيرة إلى بلاد العم سام، وحصلوا على الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء، وغالبيتهم من المتعاونين مع الجيش الأمريكي الذي احتل العراق، ومازال يفرض نفسه راعياً على الدولة، وهذه الشريحة الأكثر حذراً في زيارة العراق، على الرغم من كونهم من أصل عراقي، حيث يكاد أحدهم يتبرأ من جواز سفره حتى لا يُفتضح أمره.
ولعل هذه الحالة لوحدها تعتبر خيبة ثقافية وسياسية واجتماعية، ومؤشر على التردي في العلاقات الشعبية بين العراقيين والأمريكان، وهي في المحصلة النهائية تعتبر نتائج مختبرية لما تركته الإدارة الأمريكية في نفوس وعقول العراقيين، على الأقل لكونها تسببت في مقتل ثلاثة ملايين عراقي في آخر ثلاثين سنة، ومازالت حتى هذه اللحظة ترتكب جرائم قتل بطائراتها المسيرة حيثما تشاء وتحت مختلف الذرائع، ما يجعل الحديث عن (العلاقات الأمريكية العراقية الشاملة) ضرب من الخيال، ولا يتعدى عن كونه (خرط) يجري نشره على مواقع السوشيال ميديا.