هروب الديمقراطي الكردستاني من الديمقراطية
منذ عام 1992 ظل الحزب الديمقراطي الكردستاني ماسكاً لسلطة الإقليم بشرعية ثورية صنعتها انتفاضة عام 1991، فيما تواجد الحزب تحت يافطة المكونات في المراحل اللاحقة التي شهدتها البلاد ما بعد عام 2003، والتي بموجبها باتت الديمقراطية النظام السلمي لتبادل السلطة
كتب / سلام عادل
أصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني بياناً مطولاً تكون من ديباجة وست نقاط، أضاف له خاتمة أعلن فيها عن رغبته بمقاطعة انتخابات الإقليم المزمع إجراؤها في غضون الفترة القادمة، مع التلويح بالانسحاب من العملية السياسية بأكملها، وذلك اعتراضاً على المسار الديمقراطي، الذي فرضته المحكمة الاتحادية العليا لغرض تنظيم عمل الإقليم وفق المسار القانوني، على خلفية شكاوى رفعتها القوى السياسية الكردية المعارضة.
ويبدو من الواضح أن الحزب الديمقراطي الكردستاني حين يلوح بمقاطعة انتخابات الاقليم، فضلاً عن الانسحاب من العملية السياسية برمتها، إنما يؤكد أنه حزب غير قادر على تحمل ضغط الديمقراطية الحقيقية، بحكم كونه حزباً غير ديمقراطي بالأصل، وقد اعتاد على استخدام السلطة بطريقة تضمن له الفوز الدائم، وهو ما جعله يهرب إلى الوراء خشية أن يتعرض لخسارات انتخابية متوقعة في حال إجراء انتخابات لا يستطيع التحكم بنتائجها.
ومنذ عام 1992 ظل الحزب الديمقراطي الكردستاني ماسكاً لسلطة الإقليم بشرعية ثورية صنعتها انتفاضة عام 1991، فيما تواجد الحزب تحت يافطة المكونات في المراحل اللاحقة التي شهدتها البلاد ما بعد عام 2003، والتي بموجبها باتت الديمقراطية النظام السلمي لتبادل السلطة المركزية، مع كون الإقليم نفسه صار بمواجهة استحقاقات ديمقراطية أكثر نضوجاً، في ظل انبثاق أحزاب جديدة وغياب أخرى قديمة، وهو مشهد جلب معه ديناميكية جديدة، يبدو أن الحزب الممسوك من قبل الأُسرة البارزانية لم يستوعبها حتى هذه اللحظة.
ومن هنا بدأ الحزب يلوح بالعودة إلى مرحلة (العصيان) السياسي، أو حتى الذهاب نحو (التمرد) المسلح في حال تطلب الأمر، وهو سلوك معتاد من قبل الحزب في التعامل مع الدولة العراقية بمختلف الحقب، ابتداءً من العهد الملكي ومروراً بالأنظمة الجمهورية المتعاقبة، مع كون أزمة الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه المرة ليست مع العاصمة الاتحادية، وإنما مع أطراف الإقليم الداخلية التي صارت تستنجد ببغداد لفك حالة الاختناق السياسي في أربيل.
ولهذا يخطط الحزب الديمقراطي الكردستاني، من خلال التلويح بالمقاطعة والانسحاب، إلى تعقيد المشهد السياسي في الإقليم، وحتى الأمني، لعل هذا يمنع تطبيق الديمقراطية، التي تجد المحكمة الاتحادية العليا نفسها مسؤولة عن تفعيلها وحمايتها في عموم البلاد، وهو السبب الذي يجعل الحزب في حالة استهداف دائم لمقررات المحكمة، لكونها اتخذت قرارات أبوياً أزعجت العائلة البارزانية وحدت من سلطة الحزب، التي باتت سلطة دكتاتورية لا تتناسب مع مباني العراق الديمقراطي.