إستراتيجية وزارة الكهرباء بعد عقدين من تراكم محطات التوليد ومصادر تجهيز الوقود
انفوبلس/بغداد
تستعد وزارة الكهرباء لحل أزمة تجهيز الطاقة الكهربائية، من خلال خطة محددة بأسقف زمنية، تتضمن توفير الطاقة بتكلفة تشغيلية مخفّضة، حيث سيُضيف مشروع الدورات المركّبة 4000 ميغاواط إلى إجمالي إنتاج الكهرباء بالبلاد خلال عامين، حيث تستغرق المرحلة الأولى من الخطة 6 أشهر بحسب الوزارة، وستُنفَّذ خلالها عدّة مشروعات، وتشكيل عدّة فرق لتنفيذ المشروعات وضمان دخولها الخدمة قبل صيف العام الحالي 2023.
وبدأت الحكومة العراقية، بإجراءات إنهاء الحرق الروتيني للغاز واستثماره بتوليد الكهرباء، وخاصة بعد توقيعها على مبادرة "مرحلة الصفر في الحرق الروتيني للغاز المصاحب لإنتاج النفط" للأمم المتحدة والبنك الدولي.
وتتجه الحكومة، نحو هذه الإستراتيجية بشكل بارز مع موافقة وزارة النفط العراقية على زيادة إنتاج الغاز المصاحب في حقل الزبير النفطي إلى 147 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم، ويهدف المشروع الجديد إلى رفع عدد الضواغط في محطة حمار مشرف إلى (11)، وهو ما سيُمكّن من رفع سعة الضاغط من 35 مليون قدم مكعب قياسي يومياً إلى 147 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم، بحسب المدير عام لشركة غاز الجنوب حمزة عبد الباقي.
التوجّه إلى "سيمنز" الألمانية
بعد مرور أكثر من 14 عاما تضمنت اتفاقات عديدة مع شركات الطاقة العالمية بضمنها شركة سيمنز الألمانية، أعلنت الحكومة العراقية توقيع اتفاق جديد مع "سيمنز" في إطار سعيها لتحسين الطاقة الكهربائية، حيث كان أولها عام 2008 عندما وقع رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي، عقدًا بين وزارة الكهرباء و"سيمنز" لبناء محطات جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية بسعة 3300 ميغا واط، معتبرا أن هذا التوقيع هو فرصة أخرى تعزز الآمال بتحسين قطاع الكهرباء، إلا إنه وبسبب التوسّع السكاني، وسيطرة التنظيمات الإرهابية على مناطق عديدة وتصاعد وتيرة تهديداتها الأمنيةـ، لم تدخل "سيمنز" بشكل فعلي في العراق، ولم تنفذ أيًا من مشاريعها المُبرمة، بينما زادت مشاكل قطاع الطاقة مع ازدياد التوسع السكاني.
وبعد مجيء رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، أعلن أيضًا عن اتفاق مع "سيمنز" لتطوير قطاع الطاقة
لإنتاج وصل إلى 16 ألف ميغا واط، وتم الاتفاق مع شركة سيمنز، لتطوير قطاع الطاقة وصولا إلى مستوى تجهيز 24 ساعة، وتناولت الصحافة الألمانية حينها جزءاً من هذا الاتفاق الذي كان في طور التنضيج لتوقيع العقد الذي بلغت قيمته 13 مليار يورو في حينها، أي أكثر من 15 مليار دولار، ولم يوقَّع العقد مع الشركة عام 2018، ليحمل رئيس الوزراء الجديد حينها عادل عبد المهدي، راية الشراكة مع سيمنز، وبقوة، ويبرم اتفاقًا في برلين عام 2019، بحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مع ارتفاع قيمة العقد إلى أكثر من 17.5 مليار دولار، حيث كان من المؤمّل أن يضيف العقد 11 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية، وعلى مدار 4 أعوام.
إلا أن موجة الاحتجاجات وما رافقها من أحداث وميول حكومة عبد المهدي نحو الصين والترويج لمشروع الحزام والطريق، ولّدت ردة فعل لدى الولايات المتحدة، التي واجهت مشاريع الدول الأخرى في العراق، بشكل عام، بنوع من البرود أو التخوّف من ضعف نفوذها في البلاد، حيث اتَّهم حينها، الرئيس التنفيذي لشركة "سيمنز" الألمانية، جو كايسر، في تصريح صحفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمحاولة عرقلة اتفاق الشركة الألمانية مع الحكومة العراقية والدفع في اتجاه منح الصفقة بالكامل لشركة جنرال إلكتريك، لتبقى الأمور على ما هي عليه.
برز ملف الطاقة مجددا والحلول المطروحة لمعالجته، ليتجه رئيس الحكومة الجديدة محمد شياع السوداني سريعا نحو شركة "سيمنز" وأجرى زيارة إلى ألمانيا، التقى خلالها المستشار الألماني، أولاف شولتس، كما وقّع مذكرة تفاهم مع الشركة لتطوير منظومة الكهرباء، واتفاق بعمل شركة سيمنز بالتنسيق مع وزارة الكهرباء، على وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء بشكل عام، تتضمن حلولا للمشاكل، كما تقوم الشركة بإنشاء محطات توليد جديدة، والاستفادة من الغاز المصاحب، في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وهي الطاقة الشمسية وحركة الرياح، وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق العراق، إلى جانب تطوير وتأهيل كوادر وزارة الكهرباء ونقل الخبرات.
استغلال حقول الغاز في تعزيز إنتاج الطاقة
ركّزت مذكرة التفاهم مع شركة "سيمنز" على جزئية مهمة، وهي استغلال حقول الغاز المصاحب والطبيعي،
إضافة إلى أن العراق يعاني حالياً من انحسار في كميات الغاز المورّد سواء المورّد من الخارج أو الوطني تلقي بظلالها على أحمال المحطات ونقصان الإنتاج ومن ثم تراجع التجهيز.
ويرى المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، أن "استثمار الغاز المصاحب والغاز الطبيعي واستغلاله لصالح وزارة الكهرباء من خلال تشغيل المحطات سوف يعطي أريحية جيدة لأن تقوم المحطات بإنتاجها الكامل وهذا يساعد على رفع ساعات التجهيز"، لافتا إلى أن "ملف الكهرباء يلقى عناية كبيرة من الحكومة وتم وضعه ضمن أولويات المنهاج الوزاري، مع وضع الوزارة خطتين بدأ العمل بهما الأولى طارئة تستهدف الصيف المقبل وتحقيق استقرارية بالوصول إلى 24 ألف ميغا واط، والخطة الثانية وهي الاستراتيجية وتستهدف ضغط النفقات التشغيلية والمضي بإنشاء الدورات المركبة والطاقات الشمسية وإكمال الربط الكهربائي مع دول الجوار".
ويعوّل موسى، على "السيولة المالية ووفرتها من أجل المضي بكم من المشاريع مع الشركاء في مجال الكهرباء والطاقة"، مؤكدا أن "تنويع مصادر الطاقة والذهاب إلى الربط الكهربائي مع دول الجوار أمر فعال جداً بنسب عالية مع تأكيد حكومي على ذلك بكونه يهيئ دخول العراق إلى سوق الطاقة".
وأكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أن "الربط مع الأردن يتواصل من قبل شركة جنرال ألكتريك، لإنشاء خطوط (ريشة- قائم) ومحطة القائم التحويلية ونسبة العمل قد وصلت إلى 37%، فيما بلغ الربط مع الخليج مراحل مهمة، بإنجاز خط (فاو- فلوس) رقم (1) وخطوط المعلمين ومحطة الفاو التحويلية"، لافتا إلى أن "العراق يبحث مع هيئة الربط الخليجي إنجاز الخط الأخير الذي يعتبر لبنة إنجاز المرحلة الأولى بكونه يربط محطة الفاو مع محطة الوفرة داخل الكويت".
وأكد عضو اللجنة النفط والطاقة النيابية، داخل راضي، أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أولى أهمية خاصة لموضوع الكهرباء، وأعطى صلاحيات خاصة لوزير الكهرباء زياد علي فاضل، من حيث التعاقد وصرف الأموال خصوصا في قطاع الإنتاج والنقل، مشيرا الى سعي الحكومة بأن يكون فصل الصيف القادم أفضل من الأعوام الماضية على صعيد ساعات التجهيز.
ولفت راضي، الى أن معظم محطات الانتاج حاليا هي في طور الصيانة، وأن الوزارة بصدد إبرام عقود جديدة لإنشاء محطات إنتاج توليد وخطوط نقل جديدة، مع وضع خطة خمسية في الوقت الحالي من أجل تحسين وتطوير الخطة الكهربائية في العراق.
وأشار إلى أن العراق وصل إنتاجه في الوقت الحاضر إلى أكثر من 22 ألف ميغا واط، ويتطلع لخلق حالة من التوازن مع قطاع التوزيع، وبهذا التوازن سوف نصل إلى مستويات تجهيز جيدة جداً تتراوح بين 18 إلى 20 ساعة يوميا وقد تكون على مدار الساعة من دون انقطاع في المستقبل".
التوجه نحو زيادة الغاز الإيراني
يعتزم العراق، زيادة الغاز الإيراني المستخدم في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية في البلاد، حيث تعتزم الحكومة على زيادة استيراد كميات الغاز الإيراني، المستخدم بتشغيل محطات الطاقة الكهربائية في البلاد، والتي انخفضت فيها ساعات التجهيز ما يُنذر بأزمة جديدة بتوفير الطاقة، بعد أن تراجعت أخيرا بعدد من محافظات البلاد، منها العاصمة بغداد وديالى وعدد من المحافظات الجنوبية.
وعزت الوزارة ذلك التراجع إلى سوء الأحوال الجوية، حيث تشير الوزارة إلى أن بعض الشبكات هي شبكات هوائية تعرّضت بسبب سوء الأحوال الجوية من الرياح والأمطار لبعض التأثر، وقد تمت معالجتها بشكل سريع، والوزارة حرصت على توفير الاستثناء الكامل لجميع المستشفيات ومحطات تصريف المياه ومشاريع المياه.
وبحسب بيان لمكتب رئيس الوزراء، فإن السوداني قد ترأس اجتماعا مع مسؤولي وزارة الكهرباء، لبحث الملف، بحضور وزير الكهرباء وعددا من المستشارين ومستثمري القطاع الخاص في قطاع الكهرباء، لمناقشة ملف الكهرباء، وأهم المشاريع الاستراتيجية التي تعتزم الحكومة إطلاقها بالتعاون مع القطاع الخاص، لتطوير منظومة الكهرباء وزيادة كفاءة شبكة الطاقة الكهربائية، في مجال الإنتاج والنقل والتوزيع".
وأكد السوداني أن الحكومة تولي أهمية كبيرة لملف الكهرباء، وهي عازمة على تطوير هذا القطاع الذي يعاني رغم الإنفاق الحكومي الضخم، وقد تضررت بسبب ذلك قطاعات اقتصادية أساسية كالصناعة والزراعة والاستثمار وغيرها"، مبينا أن "الحكومة تُؤمن بأهمية القطاع الخاص والشراكة الناجحة معه، وقدرته على المساهمة في نمو الاقتصاد العراقي، بمختلف قطاعاته، ومنها الكهرباء، وأن لدى الحكومة خططا استراتيجية لمعالجة هذا القطاع والنهوض بواقعه".
ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وكان وزير الكهرباء العراقي السابق عادل كريم قد أكد الحاجة للغاز الإيراني لفترة ما بين 5 و10 سنوات.
انضمام خط الضغط الفائق لإنعاش الكهرباء
شهدت منظومة الكهرباء في العراق انضمام مشروع جديد، وهو خط الضغط الفائق (الرميلة الاستثمارية - قرنة 400)، الذي دخل الخدمة بطاقة 1000 ميغاواط لكل دائرة.
وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية، في 15 كانون الثاني 2023، إنجاز المشروع الجديد الذي يأتي ضمن الخطة الاستراتيجية للوزارة، المجهّزة للمنطقة الجنوبية، ويحقق المشروع انتعاشه لقطاع الكهرباء في العراق؛ حيث إنه يأتي بقيمة فنية عالية "400 كيلوفولت"، ودخل الخدمة لحل أزمة اختناقات أقضية محافظة البصرة وشمالها، ويبلغ طوله نحو 70.73 كيلومتر، ويحتوي على 176 برجاً، بسعة تبلغ 1000 ميغاواط لكل دائرة، الأمر الذي يوفّر طاقة كهربائية قوية تحل أزمة الكهرباء التي تواجهها المدن المحيطة.
وأوضحت الوزارة أن الخط الأول التابع للدائرة دخل الخدمة بنجاح، وبسعة 1000 ميغاواط، وذلك بعد إجراء جميع الفحوصات الفنية اللازمة عليه، بينما من المنتظر إدخال الخط الثاني للعمل بعد استكمال الإجراءات التشغيلية في محطة الرميلة الاستثمارية، ويُسهم المشروع في حل الاختناقات، كما يحقق استقرارية منظومة الكهرباء في العراق بمناطق شمال محافظة البصرة، بالإضافة إلى دوره المهم في تجاوز الانقطاعات المتكررة التي شهدها القطاع خلال الأوقات الماضية.