ماذا تعني استخبارات المصادر المفتوحة؟ تعرّف على كيفية الحصول على معلومات استخبارية متاحة للجميع وكيفية عمل الاستخبارات العراقية
انفوبلس..
لم تعد عمليات الاستخبارات التقليدية حكراً على الجهات المعنية وعلى المكاتب السرّية، بوجود تقنيات استخباراتية لمصادر مفتوحة ووجود محللين وإعلاميين وغيرهم، يوثقون العمليات العسكرية والمعلومات المتبادلة والمصرح بها، وأضرار الحروب العسكرية والضحايا وانتهاكات حقوق الإنسان، والتحقق من صحة الصور والمعلومات والفيديوهات المنشورة إعلامياً ، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فما هي استخبارات المصادر المفتوحة بشكل دقيق؟ وكيف تعمل الاستخبارات في العراق؟
عندما يسمع معظم الناس كلمة "استخبارات" في أي سياق سياسي، يفكرون على الفور في المصادر السرية، والجواسيس، والاجتماعات السرية. وفي الحقيقة ما زالت أجهزة الاستخبارات تعتمد على معلومات المصادر البشرية والاتصالات التي يتم اعتراضها.
وعلى أية حال، أصبحت استخبارات المصادر المفتوحة أو العلنية في القرن الحادي والعشرين أمراً لا غنى عنه لفهم الأعداء، وغالباً ما تكون المصدر الأساسي والأكثر أهمية للمعلومات الأكيدة.
ووفقاً لمقال مفصل عن قوة استخبارات المصادر المفتوحة نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، يأتي 80 في المائة مما يحتاجه أي رئيس أميركي أو أي من القادة العسكريين الأميركيين، من استخبارات المصادر المفتوحة. إذاً ما هي استخبارات المصادر المفتوحة؟ ولماذا تعتبر مهمة للغاية في القرن الحالي؟
يقول تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنتريست" الأميركية، إن استخبارات المصادر المفتوحة باختصار، هي عملية الجمع والتحليل الدؤوب للمعلومات من مجموعة واسعة النطاق من الأوساط العسكرية، والاستخباراتية، والشرطة، وأوساط الأعمال.
وأسفر انفجار وسائل التواصل الاجتماعي ـ ابتداءً من مقاطع الفيديو الفورية إلى المدونات إلى غرف الدردشة إلى تويتر وفيسبوك - عن فرص لم يسبق لها مثيل للتعرف على مجالات وأشخاص لا تحقق فيها الاستخبارات البشرية والاستخبارات التي يتم اعتراضها الفاعلية نفسها، أو أنها ذات تكلفة باهظة، بينما يتم الحد من تعرض مصادر الاستخبارات البشرية للخطر.
وعلاوة على ذلك، تؤدي استخبارات المصادر المفتوحة إلى إدخال تغيير كبير على تحليل الاستخبارات السرية. وعلى هذا الأساس، فإن استخبارات الأجهزة المفتوحة، والاستخبارات البشرية، والاستخبارات البصرية والاستخبارات التي تم اعتراضها مجتمعةً، تتيح لأجهزة الأمن القومي والأجهزة الدبلوماسية للدولة القيام بعمل استباقي لإحباط التهديدات، وإبلاغ الحلفاء، والتفاوض من موقف القوة، ومواجهة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية بمعلومات دقيقة، خصوصاً تلك ذات النوايا العدائية.
وأوضح التقرير، إن أهمية الاستخبارات المفتوحة ليست غائبة عن بال أعداء الولايات المتحدة أيضاً، فبالنسبة للصين على سبيل المثال، قال وليام هاناس الأستاذ بجامعة جورج تاون، إن لدى بكين «نحو 100 ألف محلل يتابعون التطور العلمي والفني عالمياً»، من خلال المصادر المفتوحة. وحتى في المجتمعات المغلقة، أتاح النمو الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي لقوى المعارضة الأدوات اللازمة للمشاركة في المعلومات مع العالم الخارجي.
ووفقاً لما ذكره كبار المسؤولين السابقين الذين قضوا عشرات السنين في العمل في المجالات السرية لتلك الأجهزة، تمثل الزيادة في استخبارات المصادر المفتوحة، التي تشمل كل شيء من صور الأقمار الصناعية، التجارية إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقواعد البيانات التي يمكن شراؤها تحديات كبيرة لوكالة المخابرات المركزية وأجهزة التجسس الأخرى.
ومع ذلك لا تخلو استخبارات المصادر المفتوحة من سلبيات لابد من مراعاتها، ومن بين هذه السلبيات أنه في ضوء الكم الهائل للغاية لاستخبارات المصادر المفتوحة، يتعين على المحللين المتخصصين بشكل ما الفصل بين الغث والسمين.
ومصادر الاستخبارات المفتوحة لا نهاية لها، وتشمل تحليل التصريحات الصحافية، والمواقع الإلكترونية، والصحف الحكومية، والصور التجارية الخاصة من الأقمار الصناعية، والتقارير الفنية، وقواعد بيانات الشركات والحكومات، والملاحظات المباشرة وغير ذلك الكثير.
ويضيف التقرير، إن المعلومات الزائدة عن الحد تمثل مشكلة محتملة يتعين التعامل معها. وفي الماضي، كان الناس يميلون إلى الاعتقاد بأن المصادر السرية توفر المعلومات الأكثر أهمية، واليوم أصبح من الواضح بشكل متزايد أن محللي استخبارات المصادر المفتوحة المتخصصين المبدعين يمكنهم رسم صورة ممتازة للحقيقة، ولكن فقط كلما استطاع المحللون تكثيف كمية هائلة من المعلومات في منتج استخباراتي ملموس ومتاح. ثم هناك المشكلة التي يمثلها التضليل، فقد تعين لوقت طويل على أوساط الاستخبارات التي تعتمد على مجموعة كاملة من مصادر الاستخبارات أن تأخذ حذرها بالنسبة لذلك، وهناك اعتقاد بأن استخبارات المصادر المفتوحة يمكن أن تكون أكثر تحدياً بالنسبة لمحللي الاستخبارات، حيث قد يكون هناك خطرا أكبر من هذا التضليل.
وأخيراً، فإن المعلومات السرية التي يتم تسريبها إلى المصادر المفتوحة تمثل سلاحاً ذا حدين: فبينما يمكن أن تكون مثل هذه المعلومات مساعدة صانعي السياسات الذين لم توفر لهم أجهزتهم الأمنية مثل هذه المعلومات المسربة، فإن المشكلة هي أن العدو يعرف ذلك أيضاً الآن.
ويقول التقرير في ختامه، إنه لا أحد يعرف مستقبل الاستخبارات، ولكن تقدير أهمية استخبارات المصادر المفتوحة، إلى جانب الاستخبارات البشرية والاستخبارات التي يتم اعتراضها، سوف يوفر لنا فرصة لإطلاع قادتنا على أفضل المعلومات لحماية مصالحنا ومجتمعاتنا من أولئك الذين يرغبون في إلحاق الضرر بنا.
الاستخبارات العراقية
ضابط في استخبارات جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، يقول "جميع التقارير الاستخبارية من جميع الأجهزة بالإضافة إلى تقارير عناصرنا ومصادرنا الخاصة، تصلنا منها نسخة، جهاز المخابرات، وكالة الاستخبارات -وزارة الداخلية-، خلية الصقور -وزارة الداخلية-، الاستخبارات العسكرية -وزارة الدفاع-، جهاز الأمن الوطني، المعلومات التي يرسلها التحالف الدولي ضد عصابات داعش إلى قيادة العمليات المشتركة، نحن على اطلاع تام بكل ما تعلم به الأجهزة الاستخبارية الأخرى، ولذلك يمكن لّ القول إنني أستطيع تقييم أدائها".
ويضيف، "الجميع يقوم بواجباته بحرص لكن إمكانيات جهاز المخابرات تفوق الجميع، فبالإضافة إلى الميزانية المالية المفتوحة لدى الجهاز هناك أيضاً ميزة العمل خارج الحدود وهذا ما يجعله يتقدم على غيره من الأجهزة الاستخبارية بالوصول إلى المعلومات والمصادر والتحركات الخارجية".
ويستدرك الضابط، "أحياناً يحصل تنسيق بين جهاز استخباراتي غير جهاز المخابرات للوصول إلى هدف خارجي وقد حدث مثل ذلك لخلية الصقور، والاستخبارات العسكرية، وحتى وكالة الاستخبارات في قضايا مكافحة شبكات المخدرات الدولية، لكنها حالات استثنائية، أما جهاز المخابرات فلديه أولوية وصلاحيات أوسع، لذلك هو متفوق كثيراً علينا جميعاً".
ويختم بالقول، "ليس فقط جهاز المخابرات تم غبن إنجازاته، وإن كان هو الأكثر تعرضاً لهذا الإجحاف، لكن على أقل تقدير لديهم العذر أن طبيعة عملهم لا تستوجب الكشف عن جميع عملياتهم، لكن المشكلة أن الأجهزة الاستخبارية الأخرى تم تجاهل دورها أيضاً رغم أننا جميعاً كنا نقاتل نيابةً عن كل شعوب العالم ضد الإرهاب، لكن للأسف لا أحد يعترف لنا بالفضل".
وحول استخبارات المصادر المفتوحة كشفت مصادر مطلعة أن هذا المحور من الاستخبارات من المحاور المهمة في الأجهزة الاستخبارية العراقية لكنه ما زال في طور النمو.
وأضافت، أن جوانب مهمة من عمل أجهزة حكومية مثل جهاز الأمن الوطني يتمحور حول استخبارات المصادر المفتوحة ويعتمد عليها بشكل كبير وهو ما مكّن الجهاز من ملاحقة العديد من المجرمين والحركات الإجرامية والمنحرفة والقبض على عناصرها.
ضابط برتبة عقيد في طيران الجيش العراقي، يؤكد أن "المعلومات التي كانت تردنا من مختلف الأجهزة الاستخبارية شكّلت عاملاً مهماً في الحرب على تنظيم داعش وتصفية قادته وأسهمت بإحباط العديد من العمليات الانتحارية وغير الانتحارية، وكان لجهاز المخابرات الدور الأكبر لكونه كان يشخّص خطوط الإمداد الداخلية والخارجية العابرة للحدود".
ويؤكد الضابط، "تقارير جهاز المخابرات العراقي كانت تصل أيضاً للتحالف الدولي ضد داعش وفق التنسيق الأمني لكن للأسف التحالف خذلنا في عدة مناسبات".
ويوضح، وهو كان "قائد سرّب" في العمليات ضد داعش "في إحدى الغارات أبلغت طيران التحالف الدولي بهدف مهم لداعش في مدينة الرمادي وأبلغته بالتفاصيل فكان رد قائد السرب الأمريكي أنه لم يتمكن من تحديد المكان فأبلغته بإحداثيات المكان لكنه استمر بالقول إنه لم يتمكن من التشخيص".
قائد السرب وعلى حد وصفه يقول، "الإحداثيات تعني لو أن الهدف كان يختبئ في خزانة الملابس في الغرفة الفلانية من الدار بإمكان الصاروخ الموجه الوصول إليها، لكن ما حدث هو التجاهل، وهو ما أكد لنا أن هناك إرادة سياسية خارجية وداخلية أيضاً تدير هذه الحرب".
ويشير "قائد السرب" إلى أن "جهاز المخابرات قدم تضحيات كبيرة لم يتم الإعلان عنها لغاية الآن، نحن في طيران الجيش والقوة الجوية نعرفها، خصوصاً في عمليات تتبع القادة الكبار لتنظيم داعش داخل العراق وخارجه، والمؤلم في الأمر عندما تمت تصفية زعيم داعش أبو بكر البغدادي كان الفضل للجيش الأمريكي رغم أن المعلومات قدمها جهاز المخابرات العراقي للمرة الخامسة، فقد سبق وأن حدد الجهاز مكان تواجد البغدادي وأبلغ التحالف الدولي بها لكن لم يتم قصف تلك الأماكن".
ويختم الضابط الطيار حديثه بالقول، "بعد تحرير الموصل والإعلان الزائف عن القضاء على داعش، قدمتُ طلباً إلى قيادتي بنقلي إلى عمل إداري في قيادة طيران الجيش، تعبتُ نفسياً مما جرى في السنوات الأربع من الحرب على داعش ولم أعد أُطيق احتمال تجاهل تضحياتنا من أجل صفقات سياسية على حساب الدماء".