58 عاما على سقوط طائرة عبد السلام عارف الجميلي في القرنة بمحافظة البصرة.. تعرف على أبرز مواقفه المسجلة في مضمار الطائفية
انفوبلس/..
في سقوط المروحية السوفيتية الصنع طراز ميل موسكو، قُتل عبد السلام عارف في ظروف غامضة، يوم 13 نيسان 1966، والتي كان يستقلها هو وبعض وزرائه ومرافقيه بين القرنة والبصرة مساء يوم 13 نيسان 1966م، خلال زيارة تفقدية لمحافظات الجنوب لتتعدد بعد مقتله الروايات عما يقف خلف نهايته وطبيعة الحادث.
وفي دراسة مطولة للباحث الأكاديمي الدكتور سيار الجميل عن جهاز (حنين السري) الذي كان مسؤولا عنه صدام حسين، ذكر أن "أن جهاز حنين هو المسؤول الحقيقي عن تفجير المروحية التي كانت تقل الرئيس عبد السلام عارف، في حين وصلت الطائرتان المرافقتان إلى البصرة بسلام، ودليله على ذلك، أن مسؤولاً قريباً من مراكز القرار سابقاً ذكر أن عبد الوهاب الأعور (أحد أعضاء جهاز حنين السري) وجِد في ذلك اليوم منتحلاً صفة عامل قهوة، ووُجِد قرب المروحية الخاصة بالرئيس الجاثمة قرب منطقة "النشوة" التي كان يزورها الرئيس، مضيفاً أن الجهاز كانت تصلهُ الأخبار والتنقلات الخاصة بالرئيس عبد السلام عارف من خلال أحد الضباط البعثيين، وأن الطائرة لم تسقط وترتطم بالأرض بل انفجرت في الجو نتيجة قنبلة وُضعت تحت مقعد الطيار وتناثر حطامها على مساحة واسعة من الأرض، وأن الجثث المتفحمة تماماً كانت متباعدة جداً عن بعضها. ثم أن عبد الوهاب الأعور بعد تعيينه عضواً في القيادة، بدأ يسرب معلومات وُصفت بالخطيرة، فقُتل إثر ذلك.
عبد السلام محمد عارف ياس الخضر الجميلي من مواليد 21 آذار 1921، في محلة سوق حمادة بجانب الكرخ، والده محمد عارف، واسم والده مركب، ويعمل بزازاً، وورث المهنة عن والده، أما والدة عبد السلام فهي السيدة سته جاسم الرجب.
أكمل دراسته في بغداد: الابتدائية والثانوية، ووصل للصف الخامس الإعدادي، ولم يدخل امتحان البكلوريا (الوزاري).
ونهاية العام 1937 أعلنت وزارة الدفاع أنها تقبل الطلاب ممن لم يدخلوا الامتحان الوزاري، في الكلية العسكرية، فقدم عبد السلام أوراقه للقبول بالكلية، وقبل في الكلية في 19 شباط 1938، وفي 7 أيار 1939تخرج برتبة (ملازم ثان) ثم دخل كلية الأركان في 31 آذار 1949 وتخرج فيها في 23 نيسان 1951.
الغش في الامتحان
في العام 1946 كُلف الملازم الأول عبد السلام عارف آمر الفصيل الثالث في الكلية العسكرية.. بمراقبة امتحانات طلبة الكلية في دورتها الـ 24.
لكن عبد السلام استبدل دفتر امتحان الطالب (عرفان عبد القادر وجدي) وهو من المتفوقين بدفتر امتحان الطالب (نجدت قاسم مقصود) ووضع الرقم الامتحاني لدفتر الطالب عرفان على دفتر الطالب نجدت!
هذا التصرف فُسِّر بمثابة سرقة جهود طالب متميز، ومنحها لطالب خامل، وعلى إثر ذلك أبرق آمر الكلية العسكرية العقيد الركن (أمين خاكي) إلى وزارة الدفاع نقل عبد السلام من الكلية العسكرية، فتم نقله إلى فوج يتمركز في شمالي العراق عقاباً له.
انضمامه لتنظيم الضباط الأحرار
انضم عبد السلام عارف إلى تنظيم الضباط الوطنيين الأحرار، وكان انضمام عارف للتنظيم قد مهَّد لهُ لأن يكون من المساهمين الفاعلين في التحضير والقيام بحركة 14 يوليو/ تموز 1958 حيث أوكلت إليهِ تنفيذ ثلاث عمليات صبيحة الحركة أدت إلى سقوط النظام الملكي.
أصبح بعد نجاح حركة 14 تموز 1958 الرجل الثاني في الدولة بعد عبد الكريم قاسم، رئيس الوزراء وشريكه في الثورة، فتولى منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وهو برتبة عقيد أركان حرب، ثم أعفاه عبد الكريم قاسم من مناصبه، وقام بتعيينه سفيراً للعراق في ألمانيا الغربية بعد ضبطه متلبساً بالخيانة.
أصبح العقيد عبد السلام عارف، ورقة ضغط بيد الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ضد عبد الكريم قاسم، حيث لم تتوقف محاولات الرئيس المصري لإسقاط النظام الذي تشكل بعد ثورة 14 تموز 1958، واستمرت المحاولات منذ أيلول 1958 حتى مقتل قاسم في 8 شباط 1963.
حاول اغتيال عبد الكريم قاسم
حاول عبد السلام عارف القيام بعملية عسكرية للإطاحة بعبد الكريم قاسم، وتنصيب نفسه رئيسا للوزراء وذلك عن طريق لواء المشاة العشرين، الذي قاده إلى ثورة 14 تموز، وحدد عارف يوم 14 أيلول 1958 لتنفيذ العملية.
وكُشف عن محاولته عندما اتصل هاتفياً في المطار، حيث كان كل من الضابطَين (محمد مجيد وصبحي عبد الحميد)، اللذَين كانا يستعدان للسفر إلى القاهرة في يوم التاسع من أيلول، كذلك كان هناك المقدم صبيح علي غالب، الذي كان يروم الالتحاق بوظيفته الجديدة كملحق عسكري في تركيا، وأثناء وجودهم في باحة المطار، استطاع عبد الكريم قاسم قبل ثلاثة أيام من تنفيذ الحركة المقررة، أن ينتزع المبادرة من عبد السلام ويعزله.
وحكم على عبد السلام عارف بالإعدام ثم خُفف إلى السجن المؤبد ثم أُخرج من السجن وتم وضعه في الإقامة الجبرية حتى قيام حركة 8 شباط 1963 التي خطط لها ونفذها حزب البعث بالتعاون مع التيار القومي، وشخصيات مدنية وعسكرية، اُختير على إثرها عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية من قبل المجلس الوطني لقيادة الثورة في 8 شباط 1963.
عبدالسلام والمرجعية
أظهر عبد السلام عارف نوعاً من الالتزام بالإسلام، محاولاً بذلك جلب عواطف الشعب في مقابل إلحاد الحزب الشيوعي وعلمانية حزب البعث، إلا أنه رفع في الحقيقة لواء الطائفية والتمييز المذهبي، فأخذ هذا المنحى يبرز على مختلف المستويات حتى بلغ الدوائر الحكومية.
وتعرض الشيعة إلى حملة عنصرية واسعة، وجاهر عبد السلام بعدائه للتشيع واتهمه بالشعوبية والفارسية، وكان هدفه ذلك كلّه کسر شوكة المرجعية الدينية وتهميش دور الإسلاميين الشيعة في أحداث البلاد.
وفي محاولة منه لأجل إرضاء المرجعية الدينية وإسكاتها بعد أن استنكرت الأوضاع الجارية، أوفد عارف مجموعة من كبار رموز السلطة برئاسة طاهر يحيى إليها لهذا الغرض، إلا أن السيد الحكيم لم ينظر إلى الأمور نظرة طائفية بحتة، ولم يركز على طائفية النظام فقط، ومما قاله للوفد "أنا لا أرغب أن أذكر لكم إلا ما فيه صلاحي وصلاح شعبي على اختلاف ما عندهم، ولا فرق عندي بين عربي وكردي وتركي، فكلهم إخواني وأولادي، أرغب في إسعادهم والمحافظة عليهم بكل ما أوتيت من قوة".
مواقفه في مضمار الطائفية
من جملة المواقف التي سجلت طائفية عبد السلام عارف خلال رحلته العسكرية والسياسية، يذكر هديب الحاج حمود، وزير الزراعة بحكومة الثورة: "إن عبد السلام ذكر لأحد الضباط الأحرار الموجودين معه في الفوج ليلة 14 تموز 1958 بأنهم سينفذون الثورة، وهناك ثلاث جماعات يجب استئصالها، هم (الأكراد، المسيحيون، والشيعة).
وتدارك عبد السلام الخلل المتمثل بوجود أغلبية شيعية في قيادة حزب البعث المدنية، فقام بحركة 18 تشرين الثاني 1963 للتخلص من البعثيين الشيعة، ففي البيان الأول لحركة عبد السلام عارف، أُشير إلى هؤلاء بكلمة (الشعوبيين) وهو الوصف الذي يستخدمه الطائفيون في الحركة القومية على الشخصيات الشيعية.
ويورد هاني الفكيكي، القيادي في حزب البعث حادثة طريفة، حيث يصف فيها هجوم الضباط القوميين مساء 11/11/1963 على القاعة التي كانت القيادة القطرية لحزب البعث مجتمعة فيها لمناقشة الأزمة، فيقول: "وضجت القاعة بالاحتجاج والصياح والشتائم، وعندما أصر سعدون حمادي على المغادرة، وأعلن أن ما يجري مؤامرة لن يشارك فيها، ولعلنا نجد في جواب المقدم علي عريم على إصرار سعدون بعضاً من أسباب الانقلاب ودوافعه، إذ قال له: "اخرس عبد الزهرة"، لأن الاسم الحقيقي لـ سعدون حمادي هو (عبد الزهرة لولاح حمادي).
ويذكر الفكيكي، "ونظرة عبد السلام إلى الأكراد لم تكن أفضل حالاً من نظرته إلى المسلمين الشيعة، إذ كان يردد باستمرار كلمة (الشعوبية)، وأذكر أنا ومحسن الشيخ راضي (وهما قياديان في حزب البعث)، وصلنا مرة متأخرين إلى إحدى جلسات مجلس قيادة الثورة، فقال عبد السلام: "جاء الروافض "وكان يقصد بذلك إننا شيعيان، الشيء الذي حمل أنور الحديثي على الاحتجاج طالباً إلى عارف الاعتذار عن هذا التعبير.
ويقول الدكتور سعيد السامرائي (مدير عام شركة التامين): عرف عن عبد السلام انه لا يحتمل رؤية الشيعي، حتى أنه قطع زيارته لشركة التأمين الوطنية يوماً في العام 1966 لأنه وجد أن مدراءها ورؤساء أقسامها وشُعَبها هم إما من الشيعة أو المسيحيين، الذين تبوؤا هذه المناصب بكفاءتهم في هذه المهنة (التأمين) التي لا تحتمل وضع غير الكفء فيها.
وكانت السياسة في العراق شبه محتكرة على العرب السنة منذ تأسيس الدولة العراقية، لكن في عهد عارف لاقى صعوداً حاداً وسريعاً ضد الشيعة، لذا توجه الشيعة للتجارة فنجحوا فيها، وفي هذا الصدد يقول حنا بطاطو: أنه "بعد هجرة اليهود في الخمسينات، ملأ الرأسماليون الشيعة إلى حد كبير الفراغ الناجم في المجال التجاري البحت، ووصل هؤلاء في منتصف الخمسينات إلى شغل المراكز المسيطرة في أسواق بغداد الخاصة بالأقمشة والثياب والقمح، ووقعت غرفة تجارة بغداد تحت سيطرتهم أيضاً، وبينما كان لهم في السنة المالية 1935 مقعدان فقط من أصل ثمانية عشر مقعداً في اللجنة الإدارية للغرفة، أصبح لهم في السنة المالية 1957 أربعة عشر مقعداً من أصل ثمانية عشر، وكانوا قد سيطروا على سوق الشورجة، ومجالات أخرى.
وعندما هيمن عبد السلام عارف على السلطة، أصدر قرارات التأميم العام 1964، واستولت الحكومة على معظم التجارة، لاسيما الخارجية، وكانت القرارات هذه انتقاما من التجار الشيعة الذين تضرروا منها أكثر من غيرهم، وحتى المعامل والمؤسسات الاقتصادية مثل البنوك وغيرها التي تم تأميمها، وتم طرد الإداريين الشيعة والمسيحيين، وعين عارف مكانهم ضباط من الجيش، وكانت تلك الإجراءات التعسفية ألحقت أشد الأضرار بالاقتصاد العراقي، ليأتي صدام حسين فيما بعد ويعدم 42 تاجراً شيعياً العام 1992 بحجة التلاعب بالأسعار.