أسعار النفط وتأثيرها على العراق.. انفوبلس تفصّل أسباب الانخفاض الفعلية وتداعياته على الموازنة
انفوبلس/ تقرير
يواجه العراق تحدياً جديداً ناجم عن انخفاض أسعار النفط بالأسواق العالمية، وهو ما يشكل خطرا على موازنة البلد والتي تعتمد بنسبة تقارب 90% على الذهب الأسود، وسط الأزمات المالية والسياسية الأخرى التي يعاني منها في الآونة الأخيرة، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على الأسباب الفعلية التي أدت لتراجع الأسعار لمستويات غير مسبوقة خلال العام الحالي وتأثيرها.
تعتمد الحكومة العراقية، على ارتفاع أسعار النفط فوق الـ70 دولاراً للبرميل من أجل تغطية العجز الفعلي في الموازنة، - يبلغ 64 تريليون دينار - بالوقت الذي تراجعت أسعار النفط لـ73 دولارا للبرميل، بظل توقعات "متشائمة" حول مستقبل النفط وأسعاره.
*معادلتان دوليتان لأسعار النفط
وتُعد معادلة النفط دولية، وهذه المعادلة "تجعل الولايات المتحدة -الفاعل الكبير بها فهي منتجة للنفط ومصدرة له- تبحث عن أسعار نفط بمستويات 50 إلى 70 دولاراً للبرميل، على اعتبار أنها تصدر نفطها بحدود 50 إلى 55 دولاراً، وعند التصدير على 70 دولاراً يكون هذا مربحاً لشركاتها النفطية، وهي في ذات الوقت تستورد نفوطاً من نوعيات أخرى تستخدمها في أمور كثيرة، لذلك لا تريد أن تكون أسعار النفط مرتفعة"، بحسب الخبير الاقتصادي والمالي، مصطفى حنتوش.
ويضيف حنتوش، "كما أن الشركاء الأوروبيين لأميركا يعانون حالياً من ارتفاع أسعار الوقود والنفط والغاز وغيرها، وأن أوروبا شريك أساسي لأميركا، ما يدفع الأخيرة للبحث عن استقرار أسعار النفط دون 80 دولاراً للبرميل، أما مجموعة (أوبك+) فهي تبحث عن مستويات فوق 70 دولاراً، فهي ترى أن مستويات من 75 إلى 80 دولاراً للبرميل هو سعر عادل لسعر برميل النفط، لذلك هناك رؤيتان ومعادلتان دوليتان لأسعار النفط".
ويوضح، أن "أسعار النفط العالمية لا تأتي من النمو العالمي الذي هو حالياً في حالة تباطؤ من ناحية، ومن ناحية أخرى أن بعض الطاقات النظيفة -رغم أن النفط أرخص منها بعشر أضعاف- بدأت تؤدي أدواراً محددة، وكذلك هناك موضوع أساسي وهو أن العرض ليس بالقليل على البترول، وروسيا حالياً تهرب النفط وتبيعه بأسعار دون مستويات 60 دولاراً للبرميل، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط".
ويتابع "كما أن الحرب الروسية الأوكرانية شارفت على الانتهاء، وفي ظل عدم وجود نمو في الاقتصاديات العالمية وهناك تضخم من ناحية أخرى، فهذه الأمور جميعها تجعل من أسعار النفط معرضة إلى الانخفاض دون مستويات 70 دولاراً للبرميل، وقد يستمر هذا السعر لفترة معينة".
أما فيما يخص العراق وارتباطه بالنفط، فإن "العراق يعتمد على النفط بنسبة 90% وهذا رقم كبير، وفي حال انخفاض أسعار النفط إلى دون مستويات 70 دولاراً للبرميل، اعتقد أن العراق قادر على دفع الرواتب لمدة ثلاث سنوات على الأقل، خاصة مع وجود بحبوحة في السنوات 2022 و2023 و2024 التي وصلت فيها أسعار النفط إلى فوق 70 دولاراً للبرميل، إضافة إلى وجود احتياطات للبنك المركزي والاحتياطات الدولارية المرتفعة، أما موضوع الدينار العراقي فهو موضوع داخلي وليس له علاقة بالإيرادات ويُحل عن طريق سياسات نقدية"، وفق حنتوش.
ويطمئن الخبير، أن "رواتب الموظفين ليس فيها مشكلة حتى في حال انخفاض أسعار النفط إلى دون مستويات 70 دولاراً، لكن كشق استثماري فهنا قد تحصل مشكلة بتلكؤ بعض المشاريع وتوقفها كما حصل في عامي 2015 و2020 بانخفاض أسعار النفط، لذلك الخوف هو في الجنبة الاستثمارية فقط".
وخلص حنتوش إلى القول، إن "الهمّ الأكبر يبقى في فتح الاستثمارات الداخلية من الصناعة والزراعة والسياحة والنقل من ميناء الفاو وطرق النقل وكذلك الاقتصاد الخارجي وتحقيق الاكتفاء بالكهرباء وغيرها، لذلك من أجل التخلص من إيرادات النفط الريعية يجب الاعتماد على فتح الاقتصاد الداخلي والخارجي".
الى ذلك، يكشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، عن تحدٍ جديد أمام الحكومة بسبب انخفاض أسعار النفط، مشيراً الى أن الانخفاض سببه المخاوف من تباطؤ الطلب.
ويقول المرسومي في منشور على "الفيس بوك" تابعته "انفوبلس"، إن "سعر خام برنت انخفض الى 74 دولاراً وهذا يعني أن سعر نفط البصرة المتوسط سيصبح 72 دولاراً الذي يشكل ثلثي صادرات العراق النفطية وخام البصرة الثقيل الذي يشكل ثلث الصادرات النفطية سيكون 70 دولاراً للبرميل بسبب المخاوف من تباطؤ محتمل في الطلب من الصين وهي مستورد رئيسي الى جانب احتمال زيادة المعروض النفطي من اوبك بلس التي تشير التقارير الى أنها تخطط لزيادة الانتاج بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا في شهر اكتوبر القادم".
ويلفت أن "هذا الانخفاض في الأسعار سينعكس سلبيا على الموازنة العامة في العراق التي كانت تعول في الحصول على 16 ترليون دينار من ارتفاع أسعار النفط فوق 70 دولاراً لتغطية عجز الموازنة البالغ 64 ترليون دينار".
وسعر النفط العراقي انخفض اليوم ليصل إلى $69 للبرميل الواحد، بحسب عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى سند، الذي يؤكد أن "سعر النفط المقدر في الموازنة المالية للعام الحالي قد بلغ 80 دولاراً للبرميل"، مستدركاً بالقول: "نفطنا يباع بمعدل سعره الشهري وليس اليومي".
بدوره، يبين عضو لجنة النفط والغاز النيابية، باسم الغريباوي، أن "أوبك طلبت تخفيض التصدير من الدول الأعضاء في سبيل المحافظة على الأسعار، حيث إن أسعار النفط تخضع للعرض والطلب، وكانت الأسعار فوق 80 دولاراً وهبطت حالياً للمحافظة على السعر الموجود".
ويشير الغريباوي، إلى أن "خفض التصدير يؤثر في سد عجز الموازنة الذي يسدد من فرق السعر، لكن لن يؤثر على المبالغ الموضوعة ضمن خطة 2023".
أما عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، فيقول إن "الموازنة مبينة بنسبة 90% على الإيرادات النفطية، وكلما تغير سعر النفط سيكون هناك تأثير مباشر على الموازنة، وبالتالي كلما انخفضت أسعار النفط العالمية سيكون هناك عجز في نسبة الإنجاز للموازنة".
ويؤكد الكرعاوي، أن "الرواتب لن تتأثر لأن سقف الرواتب أقل بكثير من هذا السقف المعمول به في الموازنة، ولكن تتأثر الموازنة الاستثمارية بكل مباشر، وكذلك الموازنة التشغيلية للقضايا السلعية والخدمية بحسب الأولويات التي وضعتها الحكومة، وكذلك الحركة الاقتصادية بشكل عام في البلاد، أما الرواتب فهي آخر ما سوف يتأثر".
وعن الآلية التي تعتمد عليها وزارة النفط في تسعيرة النفط العراقي، يقول المتحدث باسم الوزارة، عاصم جهاد، إن "قبل نهاية كل شهر تجتمع كوادر الوزارة لاستعراض تطورات السوق النفطية وعلى ضوء ذلك يتم تسعير النفط العراقي حسب النوعية والكثافة والأسواق، لذلك هي تسعيرة شهرية وليست يومية، وتبرم عقود تسويق النفط إلى الشركات العالمية وفق هذه الآلية".
ويوضح جهاد، أن "تطورات السوق النفطية إيجاباً أو سلباً لا تصيب العراق فقط بل الدول المنتجة والسوق النفطية التي دائماً ما تتعرض لتحديات وظروف جيوسياسية واقتصادية وصحية وأمنية وغير ذلك من التحديات التي تنعكس على أسعار النفط".
ويتابع "لكن اتفاق أوبك بلص يهدف إلى تحقيق التوازن واستقرار الأسواق النفطية العالمية وهذا ما تعمل عليه، حيث تصدت أوبك بلص للكثير من التحديات والظروف الصعبة التي واجهت الأسواق النفطية العالمية عن طريق اتخاذ مجموعة إجراءات بقرار جماعي لمواجهة هذه التحديات وإعادة العافية للسوق النفطية".
وخفض تحالف أوبك+ الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاء بقيادة روسيا الإنتاج حاليا بإجمالي 5.86 مليون برميل يوميا، وهو ما يمثل نحو 5.7% من الطلب العالمي.
وتوقع محللون أن يمدد "أوبك+" التخفيضات الطوعية لبضعة أشهر بسبب انخفاض أسعار النفط وتباطؤ الطلب. ووافق العراق مؤخرا على تخفيض الانتاج النفطي، وفق السياسة المفروضة عليه من أوبك.
وكانت وكالة "رويترز" قد قالت، يوم الخميس الماضي، إن العراق يعتزم خفض إنتاجه من النفط إلى ما بين 3.85 ملايين و3.9 ملايين برميل يوميا في سبتمبر/أيلول، في إطار خطة متفق عليها مع تحالف أوبك+ لتعويض الإنتاج الزائد عن حصته.
وقدمت وزارة النفط العراقية، خطة إلى أوبك لتعويض فائض الإنتاج بين الشهر الجاري وسبتمبر من العام المقبل.
ويعد استمرار الدولة العراقية بالاعتماد على النفط كمصدر وحيد للموازنة العامة، أمرا خطرا في مواجهة الأزمات العالمية التي تحدث بين الحين والآخر لتأثر النفط بها، مما يجعل البلاد تتجه في كل مرة لتغطية العجز عبر الاستدانة من الخارج او الداخل وهو بذلك يشير إلى عدم القدرة على إدارة أموال الدولة بشكل فعال، والعجز عن إيجاد حلول تمويلية بديلة.
وكانت وزارة المالية أكدت في 10 حزيران/يونيو الماضي، أن حجم الإيرادات في الموازنة الاتحادية خلال أربعة أشهر تجاوزت 42 تريليون دينار، مؤكدة بقاء مساهمة النفط في الموازنة بنحو 89%.
وبحسب جداول المالية فإن إيرادات النفط بلغت 38 تريليوناً وثلاثة مليارات و728 مليوناً و183 ألف دينار، وهي تشكل 89% من الموازنة العامة، في حين بلغت الإيرادات غير النفطية أربعة تريليونات و698 ملياراً و785 مليوناً و9 آلاف دينار.
وأتم مجلس النواب العراقي، في 3 حزيران/ يونيو الماضي، التصويت على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 2024 والتي بلغت 228 ترليون دينار، بعدما حصدت موازنة العام الماضي 199 تريليون دينار، فيما وصفها مختصين بالـ"مجازفة" من الحكومة باقتصاد البلاد ووضعها المالي، لاسيما في حالة انهيار أسعار النفط، الذي تعتمد عليه كليا، كما حدث في أعوام سابقة.
استندت موازنة العراق 2023 إلى افتراض أن صادرات النفط 3.5 مليون برميل يوميًا، بما في ذلك 400 ألف برميل يوميًا من إقليم كردستان.
وفي مارس/آذار 2023، أصدرت محكمة التحكيم الدولي في باريس حكمًا لصالح بغداد، اعترفت به تركيا، ليُغلق على إثره خط الأنابيب الذي كانت تستقبل منه أنقرة صادرات نفط كردستان العراق.
ويعتمد العراق بنسبة كبيرة على بيع النفط الخام في تأمين إيراداته السنوية ودفع الرواتب وبقية المستحقات الأخرى، فيما يواجه قطاع الزراعة الذي كان يمثل أحد روافد الإيرادات في السابق، تدهورا كبيرا، ومنذ عام 2022، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.