احتياطيات أجنبية "ضخمة" وديون العراق تقترب من 70 مليار دولار.. كيف يمكن سدادها؟
انفوبلس/ تقرير
بين فترة وأخرى يتجدد الحديث عن تسديد العراق لديونه الخارجية من الفوائض المالية المتحققة جراء ارتفاع أسعار النفط، في وقت يؤكد فيه مختصون أن ديون العراق ليست كبيرة ولا تحتوي على كلفة فائدة أو فائدتها محدودة، كما يبين آخرون أن العراق اشترى سندات أمريكية وذهب بأكثر من 16 مليار دولار خلال العام الماضي 2022.
ويعتمد العراق بأكثر من 95% على صادرات النفط الخام لبناء الموازنة العامة سنويا، في حين لا تشكل قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها سوى نحو 5% من المالية السنوية.
*تصفير ديون الكويت
أعلن البنك المركزي العراقي، بتاريخ 22-ديسمبر-2021، صرف الدفعة الأخيرة من التعويضات الخاصة بدولة الكويت البالغة 44 مليون دولار.
وذكر البنك في بيان، أنّ "العراق قد أتمّ سداد كامل مبالغ التعويضات التي أقرّتها لجنة الأمم المتحدة للتعويضات التابعة لمجلس الأمن الدولي بموجب القرار رقم (687) للعام 1991، بمجموع 52.4 مليار دولار أمريكي لدولة الكويت".
وأضاف البيان، أنّ إنهاء الملف "من المؤمّل أن يُسهم في إخراج العراق من البند السابع، فضلاً عن أثره في إعادة دمج النظام المصرفي العراقي بالنظام المصرفي العالمي والإفادة من الوفرة المالية التي ستتحقق".
*أجمالي الديون
أكد المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن الاحتياطيات الأجنبية في العراق عالية جداً ومطمئنة، فيما أشار إلى أن إجمالي الدَّين العام يقدر بنحو 70 مليار دولار.
وقال صالح: إن "الدَّين العام الداخلي للبلاد يُقدّر حالياً بنحو 50 مليار دولار والذي تعود حيازته بالكامل إلى الجهاز المصرفي الحكومي (أي دين داخل الجهاز الحكومي وليس خارجه)"، بحسب الوكالة الرسمية.
وأضاف: إن "63% من الدَّين العام الداخلي هو بحوزة البنك المركزي العراقي ويمثل موجودات محلية في هيكل الميزانية العمومية للبنك المركزي"، لافتا إلى أن "المتبقي من الدَّين الداخلي هو بحيازة المصارف الحكومية الثلاث الرئيسة بفائدة سنوية بين 2-3%".
وأشار إلى أن "الدَّين الخارجي الفعّال الواجب السّداد خلال المدة من 2023 لا يتجاوز 20 مليار دولار، ما يعني أن إجمالي الدَّين العام يُقدّر بنحو 70 مليار دولار حاليا ولا يشكل سوى نسبة من 30% إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وهي نسبة آمنة جداً مقارنة بالنسبة المعيارية أو القياسية الدولية البالغة 60%".
وتابع: إن "كفاءة الاحتياطيات الأجنبية للبلاد عالية جداً وتغطي التزامات الدَّين الخارجي بـ 5 مرات وهي نسبة معيارية عالية ومطمئنة وتعكس متانة الوضع المالي للعراق"، مبينا أن "آلية تسديد الديون الداخلية والخارجية تتم من خلال التخصيصات السنوية المعتمدة في الموازنة العامة الاتحادية".
وواصل: إن "السياسة المالية في العراق تتجه إلى اعتماد مبدأ الانضباط المالي الذي يقوم على خفض إجمالي الدَّين العام المتراكم بالتدريج يقابله تضييق العجز السنوي في الموازنة العامة الاتحادية وجعل الدَّين المستحدث عند الضرورة ضمن النِّسب المعيارية بما لا يتعدى الدَّين العام المستحدث 3% سنويا".
*آلية السَّداد
وقال صالح في وقت سابق: إنه "لا يمكن تسديد الديون بالكامل من وفورات عوائد النفط في ختام السنة المالية، وهناك خلط مُبهم بين الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي العراقي التي تمثل اليوم 85 بالمئة من احتياطيات البلاد من العملة الاجنبية (وهي تقابل مطلوبات تمثلها العملة الوطنية المصدّرة -الدينار- وتمثل غطاء العملة لغرض الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على القوة الشرائية) من جهة، وبين الوفورات المالية من عوائد النفط المتراكمة كاحتياطي مالي غير مصروف حاليا (بسبب عدم تشريع قانون للموازنة العامة) من جهة أخرى".
ويبين صالح، أن "جانبا منها خُصِّص اليوم لسد نفقات قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية رقم 2 لسنة 2022، ونتوقع أن تكون الوفورات المالية أو الفوائض المتبقية في نهاية العام الحالي بنحو 15 مليار دولار، لذا من غير المنطقي الذهاب بها لإطفاء ديون طويلة الأجل وجعل البلاد خالية من أي تحوّط مالي إزاء المخاطر الاقتصادية الدولية المحتملة".
ويتابع "إذا كانت الديون الخارجية الواجبة السداد هي بين 20 إلى 23 مليار دولار، فإن الوفورات المالية المتوقعة هي نفسها لا تكفي لسداد إجمالي الديون الخارجية فورا أمام احتياجات وطنية عظمى يقتضيها الإنفاق الاستثماري للبلاد وتُعد مهمة ومُلحَّة استراتيجيا".
يُشار إلى أن المستشار صالح، أكد سابقاً، أن إطفاء بقايا الديون الخارجية من الفوائض المالية المتوقعة، مسألة تحتاج إلى قانون أو نص في قانون الموازنة العامة المقبلة شريطة أن لا يرتبط بتوليد مخاطر لمطالبات عن مديونيات دولية شبه معدومة وتعود للنظام السابق.
فيما يبين الخبير الاقتصادي نبيل العلي، بأن "ديون العراق ليست كبيرة ولا تحتوي على كلفة فائدة أو فائدتها محدودة، فكثير من القروض جاءت عبر الاتفاقيات والاجتماعات الحاصلة في العراق"، لافتا إلى أن "هذه الديون لا تستوجب التسديد نقدا لأنها بسيطة".
ويضيف العلي أن "هنالك ديوناً داخلية تطالب بها الحكومة، وهذه أشبه بغير المحسوبة لأنها ديون بين الدولة والحكومة"، مبينا أن هناك "ديونا خارجية مثل ديون السعودية ودول الخليج، وهذه غير مثبّتة ولا واجبة السداد لأنها مرتبطة بالنظام السابق وحروبه".
*احتياطيات أجنبية "مرتفعة"
ويقول مستشار البنك المركزي إحسان شمران الياسري، إن "احتياطات البنك المركزي وصلت إلى أعلى مستوياتها في تاريخ الدولة العراقية وتجاوزت الـ 90 مليار دولار".
ويستمر العراق برفع حيازته من السندات الأمريكية في الوقت الذي يشهد أرقاماً هائلةً في الإيرادات النفطية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، حيث لا يمر شهر دون أن يشتري العراق سندات أمريكية وبقيمة 1.6 مليار دولار شهريًا تقريبًا.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في أحدث جدول لها، إنّ "العراق صعد مرتبتين ليصل إلى المرتبة 32 من بين الدول الأكبر حيازةً لسندات الخزانة الأمريكية البالغ عددها 38 دولة مُدرجة بالجدول للدول التي يبلغ حيازتها لأكثر من 32 مليار دولار".
وأضافت: إنّ "حيازة العراق من هذه السندات بلغت 36.9 مليار دولار لشهر أيلول/سبتمبر، مرتفعة بنسبة 3.65%عن شهر آب/أغسطس من عام 2022، ومرتفعة بنسبة 105% عن نفس الشهر من العام الماضي 2021".
وأشارت إلى أن "العراق جاء رابع أكبر دولة عربية بعد السعودية والكويت والإمارات، فيما جاءت اليابان على رأس الدول الأكبر حيازة لهذه السندات، تليها الصين ثانيًا والمملكة المتحدة ثالثًا"، مبينًا أنّ "مجموع السندات لدول العالم بلغت 7 ترليونات و296 مليار دولار".
ويقوم العراق بشراء هذه السندات نتيجة تحقق فائض مالي شهري لديه مقارنة بين مصروفاته وإيراداته. وبالحديث عن الفائض المالي المتحقق في العام المنصرم 2022، فإنّ حيازة العراق للسندات الأمريكية في آخر شهر من العام الماضي كانون الأول/ ديسمبر كانت تبلغ 22.5 مليار دولار.
وخلال 9 أشهر من العام الماضي حتى أيلول/سبتمبر بلغت حيازة العراق من السندات الأمريكية 36.9 مليار دولار، ما يعني أنّ العراق اشترى خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي سندات أمريكية بقيمة 14.4 مليار دولار.
وبينما اشترى العراق سندات أمريكية بقرابة نصف ما حققه من فائض مالي، فإنّ النصف الآخر يتوزع بين شراء الذهب الذي بلغ منذ مطلع العام الماضي قرابة 34 طن ذهب اشتراها العراق، ليرتفع احتياطيه إلى أكثر من 130 طنًا بعد أن كان لا يتجاوز الـ96 طنًا مطلع العام الماضي 2022.
ويبلغ متوسط سعر طن الذهب عالميًا خلال العام الماضي قرابة 50 مليون دولار، ما يعني أنّ العراق اشترى ذهبًا بـ 1.7 مليار دولار، فضلًا عن سندات بـ14.4 مليار دولار، أي إنه اشترى سندات وذهب بأكثر من 16 مليار دولار، وبهذا، فإنه حوّل أكثر من 50% من فائضه المالي المتحقق حتى الآن إلى ذهب وسندات أمريكية.
*مقترح اقتصادي
وتعليقاً على ارتفاع مستويات الاحتياطي النقدي شراء الذهب، اقترح الخبير الاقتصادي داود الحلفي، "إنشاء صندوق خاص للفائض من العملة الصعبة يتمثل بـ(صندوق استثماري للأجيال) مع إشراف ومتابعة من قبل لجنة تتصف بالنزاهة والحسّ الوطني، تقوم باستثمار هذه الأموال في بناء المشاريع الخدمية، أو السياحية، أو استصلاح الأراضي زراعية بهدف زيادة المنتوج المحلي وتصدير الفائض".
ويضيف، أن "إنشاء صندوق الأجيال مهم جداً خلال المرحلة المقبلة نتيجة زيادة أعداد السكان مع زيادة أزماته واحتياجاته"، مؤكداً أن "الصندوق سيعطي نتائج مثمرة بعد 10 سنوات مقبلة ومن ثم ننطلق نحو اقتصاد حر وموسع دون الاعتماد على الاقتصاد الرَّيعي".
وتابع، أن "بعض الدول تنمّي صناديقها الاستثمارية خلال 15 أو 20 عاماً"، مبيناً، أن "ارتفاع الاحتياطي النقدي العراقي فرصة ذهبية لإعادة عجلة الاستثمارات إلى العراق".