البنك المركزي يصرّ على مديونية العراق رغم التسديد والإعفاء الدولي.. ماذا عن قرار مجلس الأمن واتفاقية نادي باريس؟
انفوبلس/ تقارير
بعد تقلبات كثيرة في أحوال الدينار وسوق الدولار طوال الفترة الماضية، تطالب أوساط نيابية وفعاليات اجتماعية بفك ارتباط نفط العراق بالدولار الأميركي وسحب الأموال من البنك الفيدرالي في واشنطن، لكن البنك المركزي له رأي آخر حيث كرر يوم أمس الكذبة مجددا عندما قدم شرحا مفصلا لأسباب حصر عائدات النفط في البنك الفيدرالي الأميركي مبرراً ذلك بالخشية من الدائنين. فمَن هؤلاء؟ ألم يُنهِ العراق كافة الديون المترتبة عليه تجاه القطاع الخاص بموجب اتفاقية نادي باريس، وصدّر عام 2009 سنداً أوروبياً باسم “Iraq 2028″، وقيمته 2.7 مليون دولار، تعويضاً لمطالبات القطاع الخاص؟ ماذا عن قرار مجلس الأمن في شباط ٢٠٢٢ والذي كان ينص على أن العراق بمنأى عن أي غرامات والذي جاء بعد تسديد العراق ديونه نهاية عام ٢٠٢١.
*البنك المركزي يكرر الكذبة
يوم أمس، كشف البنك المركزي العراقي، عن السند القانوني لإيداع إيرادات النفط في الفيدرالي الأمريكي.
وبحسب وثائق صادرة من البنك واطلعت عليها شبكة انفو بلس، فإن “السند القانوني لإيداع إيرادات النفط في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في حساب IRAQ2 البديل عن حساب DFI هو انتهاء تمديد الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس الأمريكي المرقم 13303 الصادر في شهر آذار/ مارس عام 2003، والذي منح بموجبه الحصانة على الأموال العراقية المودعة في حساب تنمية العراق DFI آنذاك، وانتهاء حماية الأمم المتحدة على أموال العراق التي كانت ممنوحة له بموجب قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1483 لسنة 2003 بعد صدور القرار الأممي 1956 في نهاية 2010"، وفق زعم المركز.
وتابع البنك في وثائقه التي عُدَّت مغلوطة، "عليه تم فتح حساب IRAQ2 الذي يُستخدم لإيداع أموال صادرات النفط الخام العراقي ويتم تحويلها الى حساب البنك المركزي العراقي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي خلال مدة 24 ساعة من استلام هذه المبالغ لضمان عدم تعرضها لمطالبات الدائنين كونها أموال تعود للحكومة العراقية متأتية من تصدير النفط الخام وقد تم تنظيم هذه الآلية من خلال (مذكرة تفاهم) تم توقيعها بين وزارة المالية العراقية والبنك المركزي العراقي في 2014/6/2 لغرض تنظيم العمل بحساب IRAQ2 البديل لحساب صندوق تنمية العراق وأن هذه المذكرة تُعد الأساس القانوني لإنشاء الحساب المذكور".
وأكمل، أن "الحصانة الممنوحة وفقاً لهاتين الوثيقتين تشمل الأموال السيادية فقط ولا تشمل الأموال المستخدمة لأغراض تجارية".
وأوضحت الوثائق، "فيما يخص إجابة الفقرة الثالثة فقد يتم إيداع الاحتياطيات الأجنبية لدى عدة جهات خارجية بنوك مركزية ومؤسسات مالية ولم ترتكز فقط في البنك الاحتياطي الفيدرالي، وأن أسعار الفائدة تختلف حسب الشريحة الاستثمارية ومدة الاستثمار والمؤسسة التي يتم الاستثمار معها، فضلاً عن أن الشركة الناقلة هي شركة اورينت المتعاقد معها هذا البنك لنقل شحنات الدولار من البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى مطار بغداد الدولي وبمبلغ تأمين قدره (414,000) دولار أمريكي (أربعمائة وأربعة عشر ألف دولار أمريكي للشحنة الواحدة، وأجور نقل بمقدار (216,310) دولار أمريكي (مائتان وستة عشر ألفاً وثلاثمائة وعشرة دولارات أمريكية دائرة الشؤون النيابية قسم الرقابة النيابية".
واستكملت، أنه "لا يمكن نقل إيرادات بيع النفط الى الداخل لاستحالة تنفيذ العمليات المالية للعراق في حال كانت الأموال في الداخل، كما أن غلق حسابنا لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يعرض العراق لخطر المطالبات الدولية، بالإضافة إلى عدم القدرة على تسوية مدفوعاتنا بالدولار الأمريكي دون وجود حساب في بنك الاحتياطي الفيدرالي أو مصرف تجاري أمريكي آخر".
*لماذا يضع العراق إيراداته في الفيدرالي الأميركي؟
في آذار الماضي، قال مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، إن وضع إيرادات النفط بالدولار في الفيدرالي، يأتي بناءً على قرار مجلس الأمن رقم (1483) الذي نص على وضع أموال العراق في حساب عالمي، وهو ليس قراراً من الولايات المتحدة.
وأضاف صالح، إن البنك المركزي العراقي بدأ بتنويع احتياطياته وأصبح لديه يوان صيني، يورو، ودرهم إماراتي لتنويع المحفظة الاستثمارية، ولكن سوق النفط عالمياً سوق “دولارية” وكل العالم منخرط بهذه التجارة وفقاً لذلك.
وتابع، "لا توجد نية لإخراج الأموال حالياً لأن العراق مرتبط مع الولايات اقتصادياً وفق اتفاقية الإطار الستراتيجي. وطالما أن الدولار عملة الولايات المتحدة فلن تسمح لعملتها أن تعمل ضد أمنها القومي أو سياستها الخارجية، وكل من يتعامل بالدولار سواء حكومات أو أفراداً سيخضع لمراقبتها، والعراق ضمن منطقة الدولار".
*مظهر محمد صالح: العراق أنهى كافة الديون المترتبة عليه
وأشار المستشار المالي لرئيس الوزراء إلى أن العراق أنهى كافة الديون المترتبة عليه تجاه القطاع الخاص بموجب اتفاقية نادي باريس، وصدّر عام 2009 سنداً أوروبياً باسم “Iraq 2028″، وقيمته 2.7 مليون دولار، تعويضاً لمطالبات القطاع الخاص.
وأكد صالح، أن هذا السند يُتداول في السوق الأوروبية ويحمل فائدة، ويُسدد في عام 2028، كما أنه أطفأ كل الديون المتعلقة بالقطاع الخاص، تقريباً.
*قرار مجلس الأمن
مجلس الأمن أصدر في شباط 2022 -بعد أن سدد العراق ديونه نهاية 2021- قراراً مفاده؛ أن العراق بمنأى عن أي غرامات.
ويقول صالح بهذا الشأن، "معرفة هل خرج العراق من دائرة المديونية بعد القرار، وهل الأخير ما يزال نافذاً أم لا، يحتاج جهداً ديبلوماسياً دولياً".
وأضاف، "أعتقد هناك مخاوف مبالغاً بها حول دعاوى التعويضات، ولا توجد صورة واضحة لماهية هذه الدعاوي".
وتابع، "العراق حريص على مصلحته وأمواله وتحديداً إيرادات النفط، طالما كانت محمية من الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن".
ولفت صالح الى، أن "العراق قادر على المضي في أي قرار لكنه يتخذ موقفاً سلمياً وحيادياً من قضايا العالم، في الوقت عينه لا يقبل أن تضيع حقوقه".
*ماذا يقول خبراء الاقتصاد؟
من جانبهم، علَّق الخبراء بهذا الشأن وكان رأي غالبيتهم مخالفة للبنك المركزي حيث قال الخبير المالي محمود داغر ما نصه، "من قال إننا لا نستطيع سحب عوائد النفط من أمريكا؟ العراق يبيع يومياً نحو 250 مليون دولار، نقداً وحوالات".
وأضاف، "هناك بعض القضايا القانونية ضد العراق، ولغاية الآن لم تحل في الدوائر القانونية، وهذا يجعل من الصعوبة وضع أموال العراق في أي مصرف، سيما أوروبا ففي حال إصدار قرار من أي محكمة أوروبية بحجز أموال سينفذ بشكل مباشر، وهذا ما حدث عام 2016 إذ أصدرت محكمة إيطالية، حكماً لصالح شركة إيطالية بتعويض قدره 30 مليون دولار، وسُحب المبلغ من العراق".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إن "العراق منذ 2003 يضع احتياطياته في البنك الفيدرالي خوفاً من مطالبات الدائنين (والمطالبين بتعويضات من حروب سابقة طوال 4 عقود)، وبغداد تستثمر اليوم نحو 34 مليار دولار في سندات الخزانة الأميركية".
وتابع، "يفترض بالسلطة النقدية في العراق والمتمثلة بالبنك المركزي ووزارة المالية توضيح ماهية وحجم الديون المترتبة على العراق، وهل يمكن تسديدها أو جدولتها؟ وهل تستحق وضع القرار العراقي تحت رحمة الفيدرالي الأميركي؟".
*دين حكومي للحكومة!
أما عن الديون التي صدَّع البنك المركزي رؤوس الجميع بها، فقد أوضحها الاقتصادي والأستاذ في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني بالتفصيل بل وقلل من أهمية الدين الداخلي للعراق، مشيراً إلى أن "الدين الداخلي ليس هو العنصر الخطير في دول العالم وأنما الدين الخارجي لأن الداخلي تشترك به مؤسسات كثيرة لذلك مسألة تأثيره ضعيف بالرغم من اعتباره ديناً يترتب على الحكومة تجاه مؤسسات مالية وأفراد، لكن ليس بخطورة الدين الخارجي الذي يصل إلى حد التدخل السافر".
وقال المشهداني في حديث له تابعته انفوبلس، إن "الدين الداخلي البالغ 72 تريليون دينار يعود لمؤسسات حكومية منها مصارف الرافدين والرشيد والعراقي للتجارة والبنك المركزي، وبالتالي فإنه دين حكومي للحكومة وتستطيع أن تلغي فائدته المصرفية أو تشطب هذه الديون".
واستدرك المشهداني "الموازنة فيها 10 تريليونات دينار فوائد وأقساط للدين الداخلي وتعتبر إيرادات للمصارف الحكومية فليس بهذا الخطر وليس بهذه الضخامة، فالحكومة تمتلك موارد ومن السهل تحويل هذا الدين إلى سندات ممكن تسديدها مثل باقي الدول لأن لدينا احتياطيات نقدية وموارد نفطية".
*المشهداني: صندوق النقد الدولي أخرج العراق تماماً من الدول المدينة
وأشار المشهداني إلى أن "الدين الخارجي يبلغ 22 مليار دولار أي بحدود 29 تريليون دينار وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، وأغلب هذه الديون طويلة الأجل وتنتهي في العام 2045 وهي للحكومة اليابانية ومنظمات حكومية، وقسم منها تنتهي في العام 2043 وفوائدها منخفضة".
وبين، أن "صندوق النقد الدولي أخرج العراق تماماً من الدول المدينة لأن دين العراق الخارجي هو 22 مليار دولار، والحكومة العراقية قادرة على تسديده في سنة أو سنتين".