انفوبلس تجري تقييما لأداء حكومة السوداني الاقتصادي: 9 قرارات فضحت الوعود "الكاذبة"
انفوبلس/ تقرير
في خضم التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها العراق، برزت خلال فترة حكومة محمد شياع السوداني جملة من القرارات الاقتصادية التي تركت بصمات واضحة – وأحيانًا ثقيلة – على واقع الاقتصاد الوطني. فبينما كانت الآمال معلّقة على تحقيق إصلاحات تعزز الاستقرار والنمو، جاءت بعض السياسات لتفرض مسارًا مغايرًا، انعكس سلبًا على المؤشرات المالية الأساسية وأداء القطاعات الحيوية.
ويستعرض تقرير شبكة "انفوبلس"، أبرز هذه القرارات وتأثيراتها المباشرة على الاقتصاد، بدءًا من تخفيض سعر صرف الدينار والارتفاع المفرط في النفقات، وصولاً إلى تصاعد الدين الداخلي وتراجع الناتج المحلي الإجمالي واحتياطيات البنك المركزي، مما يؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة للنهج الاقتصادي المتبع لضمان تحقيق نمو مستدام.
وفيما يلي أبرز هذه القرارات وتأثيراتها:
1. تخفيض سعر صرف الدينار العراقي
يُعد قرار خفض سعر صرف الدينار من 1450 إلى 1310 دينار للدولار أحد أكثر القرارات الاقتصادية سلبية خلال الفترة الماضية. هذا التخفيض أثّر بشكل مباشر على ميزان المدفوعات وأدى إلى تفاقم العجز المالي، حيث باع العراق خلال أعوام 2022 و2023 و2024 أكثر من 3.6 مليار برميل نفط بسعر وسطي يقارب 80 دولارًا للبرميل، محققًا إيرادات تقارب 300 مليار دولار.
غير أن تخفيض سعر الصرف أسفر عن زيادة نفقات الدولة بما يقارب 40 تريليون دينار، مما أثقل كاهل المالية العامة. وعلى الرغم من تبرير القرار بأنه لمصلحة المواطن، إلا أن آثاره على المديَيْنِ القصير والبعيد كانت أكثر ضررًا على بنية الاقتصاد العراقي.
2. الارتفاع المفرط في النفقات الجارية
شهدت النفقات الجارية للدولة قفزة كبيرة، حيث ارتفعت من 104 تريليونات دينار في نهاية 2022 إلى 125 تريليون دينار في عام 2024، بزيادة تجاوزت 20 تريليون دينار.
أما فاتورة الرواتب، فقد ارتفعت من 43 تريليون دينار إلى 60 تريليون دينار خلال عامين فقط. هذه الزيادات أدت إلى تحويل فوائض الموازنات في عامي 2019 و2022 إلى عجز مالي كبير في 2023 و2024، مع استمرار العجز خلال عام 2025.
3. تصاعد الدين الداخلي
ارتفع حجم الدين الداخلي من 69 تريليون دينار في نهاية 2022 إلى أكثر من 85 تريليون دينار منتصف 2025، معتمدًا بشكل رئيسي على السيولة المتاحة لدى المصارف العامة والخاصة.
هذا الأمر تَسبّب في استنزاف السيولة البنكية، وأثّر على النشاط الاقتصادي العام، ورفع نسبة الدين الداخلي لتشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر مالي مقلق.
4. تراجع الناتج المحلي الإجمالي
رغم التوسع في النفقات الجارية والاستثمارية وارتفاع الدين، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (بالأسعار الثابتة) تراجع من 214 تريليون دينار إلى 211 تريليون دينار بنهاية عام 2024، ما يدل على ضعف كفاءة الإنفاق وعدم فاعلية السياسات التحفيزية للنمو.
5. ضعف مساهمة القطاعات الحيوية
لم تحقق قطاعات رئيسية مثل القطاع المالي، التأمين، الخدمات، الزراعة، والثروة الحيوانية مساهمة ملموسة في الناتج المحلي، رغم النمو السكاني الذي تجاوز 2.6% سنويًا.
هذا التراجع يشير إلى تحديات هيكلية في تنويع مصادر النمو الاقتصادي، ويزيد الضغط على سوق العمل.
6. تراجع احتياطيات البنك المركزي
انخفضت احتياطيات البنك المركزي من 144 تريليون دينار في نهاية 2022 إلى 125 تريليون دينار منتصف 2025، ما يعكس وجود عجز مستمر في ميزان المدفوعات، وعدم نجاح الحكومة في معالجة الاختلالات الهيكلية التي تؤدي إلى استنزاف الاحتياطي الأجنبي.
7. الارتفاع الكبير في التحويلات المالية الخارجية
رغم التوجه الحكومي لتقنين الاستيرادات، شهد عام 2024 تسجيل أعلى قيمة تحويلات مالية إلى الخارج بلغت أكثر من 80 مليار دولار، مقارنة بـ 35 مليار دولار في عام 2021.
وبالرغم من التراجع النسبي في 2025، إلا أن التوقعات تشير إلى أن التحويلات ستظل أعلى من 70 مليار دولار، ما يعكس استمرار ضعف السيطرة على التجارة الخارجية.
8. تراجع ترتيب العراق في مؤشرات سهولة الأعمال
لا يزال العراق يحتل مراكز متأخرة ضمن مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2024، مما يعكس ضعف البيئة التنظيمية والتشريعية التي تُعيق الاستثمار المحلي والأجنبي.
9. مركز متأخر في تقرير التنمية المستدامة
احتل العراق المرتبة 113 من أصل 163 دولة في تقرير أهداف التنمية المستدامة الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة (UNSDSN)، مما يؤكد ضعف التقدم في ملفات التعليم، البيئة، الصحة، والحوكمة.
انتقادات اقتصادية
ومنذ تسلم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة، توالت القرارات الاقتصادية التي وُصفت من قبل خبراء ومراقبين بأنها مثقلة بالأعباء، وافتقرت إلى الرؤية الاستراتيجية الكفيلة بتحقيق الاستقرار والنمو المستدام.
كما انعكست هذه السياسات على شكل تراجع في المؤشرات المالية الأساسية، وزيادة الضغوط على القطاعات الإنتاجية، وتفاقم الاعتماد على الإيرادات النفطية بشكل مفرط. ومع غياب حلول جذرية للأزمات الهيكلية، بدا واضحًا أن إدارة الملف الاقتصادي انحرفت نحو المعالجات الوقتية التي لا تعالج جوهر المشكلات، بل تؤجل انفجارها.
ويرى خبراء الاقتصاد أن حكومة محمد شياع السوداني أخفقت في واحد من أهم الملفات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وهو ملف الموازنة العامة، معتبرين أن أي حديث عن "النجاح" يفقد معناه في ظل هذا الإخفاق.
فالموازنة، التي يفترض أن تكون أداة لضبط الإنفاق وتحقيق التنمية، تحولت – بحسب هؤلاء – إلى عبء إضافي على الاقتصاد، مع تضخم النفقات التشغيلية وتراجع فرص الاستثمار، ما انعكس سلبًا على الخدمات وفرص العمل، وأضعف قدرة الدولة على مواجهة الأزمات المالية المقبلة.
الى ذلك، فقد انتقد الخبير الاقتصادي عبد السلام حسن أداء الحكومة، حيث أشار إلى أن السوداني ركز على المشاريع البنيوية مثل الجسور وتعبيد الطرق، لكنه لم يهتم بتحسين قطاعات الزراعة والاقتصاد بشكل عام، وأوضح حسن أن العراق لا يزال يعاني من خلافات مائية مع تركيا، حيث لم تتمكن الحكومة من تقديم حلول فعالة لهذه الأزمات.
كما أشار حسن إلى التحديات الاقتصادية الأخرى، مثل الفشل في تفعيل صادرات العراق الزراعية، وبيّن أن الإنتاج المحلي العراقي لا يستطيع أن يصل إلى الأسواق الخليجية بسبب السياسات الاقتصادية غير المدروسة.
ويشار الى ان التقلبات الاقتصادية والتراجع المعيشي باتا السمة الأبرز خلال الفترة الأخيرة، ما دفع الكثير من المواطنين للتشكيك بجدوى الخطط الحكومية، لا سيما مع استمرار اعتماد الدولة على قطاع النفط، دون إحداث تغيير فعلي في بنية الاقتصاد.
مواطن من بغداد قال: "منذ استلام السوداني للحكومة، لم نشهد إنجازًا اقتصاديًا حقيقيًا. فقط مشاريع للجسور والبنى التحتية، لكن هذا ليس اقتصادًا، بل مجرد ممرات للمركبات. الاقتصاد الحقيقي يكون عندما نُنتج ونقلل الاعتماد على النفط".
مواطن آخر أضاف: "هناك فشل حكومي واضح، فلم يتمكنوا من إصلاح الاقتصاد بشكل شامل، وهذا واضح جدًا من واقع الحال اليوم. المواطن يعيش حالة من الإحباط بسبب غياب الحلول الحقيقية".
وفي ظل هذه الظروف، تبقى مطالب الشارع العراقي مستمرة، لا سيما ما يتعلق بتأمين فرص العمل، وكبح جماح التضخم، وتفعيل قطاعات الصناعة والزراعة للخروج من دائرة الاعتماد شبه الكامل على النفط.
والخلاصة، فإن السياسات الاقتصادية لحكومة السوداني اتسمت بعدد من القرارات التي أثّرت سلبًا على المؤشرات المالية والاقتصادية الأساسية للدولة، وهو ما يستدعي مراجعة جدية للنهج الاقتصادي المتّبع، وتعزيز الشفافية والحوكمة وتحقيق التوازن بين الاستقرار النقدي والنمو الحقيقي المستدام.


