تحذيرات من الاستنزاف وتحركات نيابية لسن قانون جديد.. كم يمتلك العراق من المياه الجوفية؟
انفوبلس/ تقرير
مع تصاعد نسب الجفاف وشح المياه جراء غياب الحلول الداخلية أو الاتفاقات الخارجية مع دول المنبع لحماية حصة البلاد من "الابتزاز"، يتجدد طرح ملف المياه الجوفية في العراق، وسط مقترحات نيابية لدراسة سنِّ قانون للمياه الجوفية، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على خزين العراق والمخاطر التي قد تحصل مع بدء استخدامه منذ سنين بسبب الجفاف.
الجدير بالذكر أن العراق يمتلك خمسة ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة، أي التي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلا عن الخزين الاستراتيجي غير المعلوم الكمية، إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.
*تحركات نيابية
كشفت لجنة الزراعة والأهوار النيابية، عن إرسال مقترحات إلى الدوائر البحثية لدراسة سنِّ قانون للمياه الجوفية. وقال رئيس اللجنة فالح الخزعلي، إن "اللجنة تعمل على سنِّ قانون المياه الجوفية لأهميته القصوى للبلاد استناداً للمادة 60 ثانياً من الدستور، مشيراً إلى أنَّ تلك المياه تعتبر مياه الأجيال في العراق ولهذا يجب أن تكون لها قيمة ويتم تسعيرها".
وأوضح، أنَّ "الهيئة العامة للمياه الجوفية في وزارة الموارد المائية أوردت مسوَّدة القانون إلى اللجنة وقد رفعنا هذه المقترحات إلى الدوائر البحثية كافة وإلى كل الجهات القطاعية من أجل أن نخرج بقانون ناضج".
ولم يُفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع وأبرزها تركيا، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات. ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
وكانت عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية ابتسام الهلالي أكدت، في وقت سابق، أن تركيا لم تلتزم بجميع الاتفاقات وكذلك المعاهدات التي وقعت بشأن إعطاء حصة العراق العادلة من المياه، داعية الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة مع الجانب التركي لاستحصال حقوق العراق المائية.
من جانبه، رأى الأكاديمي وخبير الهايدروجيولوجيا ونظم المعلومات الجغرافية، سعد السام، أن "المياه الجوفية في العراق كنز لا يقل أهمية عن النفط والذهب ويجب التعامل معها بعلمية كبيرة واستخدامات معينة للحفاظ عليها".
وأكد السام، على أنه "يجب منع تربية الأسماك في أحواض ترابية مكشوفة تتغذى من المياه الجوفية لأنها ستساهم في تبخرها وتحولها إلى أملاح مضرة بالأرض"، مبينا أن "الجهات المعنية بملف المياه عليها منع الري السيحي، مع إمكانية السماح بحفر الآبار لمن يتعهد باستعمالها بطرق الري بالتنقيط فقط، ويجب عدم السماح باستخدام المياه الجوفية لغير زراعة النخيل والأشجار والشجيرات لأنها تؤدي إلى استنزافها".
ولفت إلى أن "ترك الآبار مفتوحة وإيصال المياه منها إلى المزارع بقنوات مكشوفة يسبب أضرارا كبيرة أيضا ولذلك يجب تغيير هذه الطريقة بنظام القنوات المغلقة، كما أن حفر آلاف الآبار بدون إشراف مختصين جيولوجيين بالمياه الجوفية يستدعي إعادة النظر بكل ما تم حفره من أجل إغلاق كل بئر تم خلط طبقتين أو أكثر فيه وتعويضه صاحبه بواحد آخر".
واعتبر الخبير المختص، أن "عمليات الحفر غير الصحيحة للآبار عبر خلط طبقاتها يمثل خسارة وتخريبا متعمدا يطال الاحتياطي من المياه الجوفية لأن ذلك يؤدي إلى عرقلة أي عملية حسابية للاحتياطي الاستثماري للمياه".
وشدد أنه "على سبيل المثال يعد سبب جفاف بحيرة ساوة في محافظة المثنى هو حفر الآبار الارتوازية على امتداد نهر الفرات وأيضا في محافظتي كربلاء والنجف حيث تم ترك الآبار تجري ولم يتم إغلاقها كي تدعم الأرض بالملوحة لأن نسبة الملوحة بمياه الآبار لا تناسب الأغراض الزراعية المتوجهة لها".
وحذر من "مصير مشابه وأكثر قسوة في نهر ديالى كما حصل في بحيرة ساوة فيما لو لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة، لأن سوء استثمار المياه الجوفية تسبب في ارتفاع عمقها فوق العمق الحرج وهو ما جعل وزارة الموارد المائية تلجأ إلى حفر العديد من المبازل الجديدة".
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ووفقا لتوقعات "مؤشر الإجهاد المائي" فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
*حديث السوداني
وفي آذار مارس الماضي، قال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تصريحات صحفية، إن "سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمئة من حصة العراق المائية"، وبالإضافة لذلك فقد أسفرت هذه الأزمة عن حلول العراق بين أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم.
يشار إلى أن العراق منذ سنتين وهو يقوم باستخدام المياه الجوفية بسبب الجفاف وهو أمر يحدث لأول مرة تاريخيا، كما أن الفضاء الخزني الخالي من المياه يقدر بنحو 140 مليار متر مكعب، أما السدود الثلاثة الرئيسية وهي الموصل ودوكان والثرثار فهي تعاني مع مرور الوقت وهذا ينذر بكارثة بيئية جديدة تضاف للبلاد، بحسب مختصين.
كما ان غالبية مناطق الأهوار حالياً شبه خالية من السكان، بينما كانت الحياة فيها قبل سنوات قليلة مزدهرة، سواء القطاع السياحي، أو صيد الأسماك والطيور، أو تربية المواشي، حيث تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى أراض قاحلة.
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضاً إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهراً داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.
ومع حلول كل فصل صيف تضرب الأهوار والأراضي الزراعية أزمة مائية تؤدي إلى انحسار مساحات كبيرة في الأهوار وتقليص الخطط الزراعية بسبب شح المياه الواصلة إلى البلاد من دول المنبع، وأحيانا تبلغ الأزمة ذروتها في بعض المحافظات وتؤثر سلبا على تغذية محطات مياه الشرب بالكميات الكافية لانخفاض مناسيب الأنهار المغذية لها وتحولها إلى ضحلة يعصب تنقيتها.
وتعد المياه الجوفية، واحدة من أبرز المشاكل التي رافقت مسألة استثمار السعودية لبادية العراق، الممتدة من محافظة الأنبار إلى المثنى، حيث أكد متخصصون في حينها أن ما ستزرعه السعودية من أعلاف سيكون سببا باستنزاف المياه الجوفية في العراق.
ويذكر أن وزارة الزراعة اضطرت وبشكل إجباري على اعتماد المياه الجوفية وبشكل رئيسي في الخطة الزراعية للعام الماضي 2023، وسط تحديات مقبلة من المتوقع مواجهتها في الخطة الزراعية المقبلة إذ من المؤمل اعتمادها على زراعة 5.5 ملايين دونم فقط، سيتم سقي مليون ونصف المليون دونم من المياه السطحية لنهري دجلة والفرات، بينما سيتم سقي نحو أربعة ملايين دونم من المياه الجوفية، وفقا لبيانات وتصريحات وزارة الزراعة بالاتفاق مع وزارة الموارد المائية.