تطور الزراعة العراقية خلال 20 عاماً رغم المعوقات.. تعرّف على الفروقات بين اليوم وما قبل 2003
انفوبلس/ تقرير
لم يكن القطاع الزراعي بعيداً كل البعد عمّا جرى في العراق خلال العقدين الماضيين، حيث شهد هذا القطاع ــ في بلاد الرافدين التي تتميز بوجود نهرين رئيسين هما دجلة والفرات يمران عبر غالبية المحافظات العراقية انطلاقاً من شماله إلى أقصى جنوبه ويلتقيان بمنطقة الكرمة القريبة من محافظة البصرة (جنوب البلاد)، كذلك يملك العراق العديد من الروافد التي تغذّي المناطق الزراعية بالمياه ــ شهد تطوراً ملحوظاً بعد الغزو الأمريكي عام 2003 رغم المشاكل الكثيرة التي تواجهه وأبرزها الجفاف.
*الواقع الزراعي قبل 2003
وبحسب معهد "كارنيجي" الأمريكي للأبحاث فإن "الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) أبعدت آلاف المزارعين عن حقولهم الزراعية إلى جبهات القتال، ما شكل الضربة الأولى للزراعة العراقية.
وأضاف، أن "قيام صدام حسين بخصخصة الصناعات المملوكة للدولة، بما في ذلك المصانع الزراعية المنتجة للقمح وأرز الشعير والتمور والقطن، كانت محاولة لإحياء هذا القطاع، لكن هذه العملية منحت ملكية مصانع إنتاج الغذاء لعدد محدود من العائلات".
وعدّ التقرير الأمريكي، بنية المحسوبية التي أُقيمت في العراق لصالح النخبة "أتاحت لها الانخراط في أنشطة أعمال تبتغي الربح السريع على حساب استدامة الغذاء على المدى الطويل". مشيرا إلى، أنه "مع بدايات التسعينيات من القرن الماضي، أدت مشاريع الرّي سيئة التخطيط في العراق إلى استنزاف هائل لمصادر المياه".
وتابع التقرير، أن "العراق كان ينتج نحو مليون طن من التمور، وهو ما يمثل 75% من الاستهلاك العالمي قبل العام 1980، لكن إهمال صدام حسين للزراعة والتدمير الواسع للأشجار قلّص إنتاج التمور إلى النصف مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية في العام 1988".
وبعد غزو نظام صدام حسين للكويت في 1990، تدهور الإنتاج الزراعي أيضاً، وصارت البلاد تعاني من التبعية للخارج فيما يتعلق بالمنتوجات الزراعية، وخاصة الحبوب، ومن 600 مزرعة لتربية الدواجن، انخفض العدد ليصل عام 1998 إلى 23 مزرعة فقط، ومن 15.7 مليون رأس من المواشي والأغنام، هبط العدد إلى 9.4 مليون، نصفها مصاب بالأمراض.
*الواقع الزراعي بعد 2003
وعلى الرغم من النكسات المتتالية فقد شهد الواقع الزراعي بعد 2003 تقدما ملحوظا في عموم العراق، ولا تزال الزراعة ثاني أكبر قطاع في الاقتصاد بعد صناعة النفط وتوظف ما يقرب من 20 بالمئة من القوى العاملة الوطنية. على هذه الخلفية، ظهرت في السنوات الأخيرة بوادر تبعث على الأمل بالتعافي بين المزارعين، وتجلّت هذه النهضة في مدينة كربلاء الجنوبية فخلقت فرص عمل تشتد الحاجة إليها وأَحيَتْ نمط الحياة القديم.
وفي جنوب العراق، ساعدت الاستثمارات في أنظمة الرّي الحديثة على تعزيز الإنتاجية. وشهدت ضواحي كربلاء تطور آلاف المزارع التي تزرع خضروات متنوعة، ويستخدم المزارعون المحليون في المنطقة ما يقرب من 1000 نظام ريّ لاستخراج المياه وتوزيعها على محاصيلهم. والجدير بالذكر أن تقنية الرّي المُستخدمة أكثر استدامة وتعتمد على أنظمة الرش الحديثة.
ومن أبرز المشاريع الزراعية التي أُنشِئت في كربلاء مؤخرًا مشروع فدك للنخيل، الذي يتضمن زراعة 26 ألف نخيلة. ويقول القائمون على المشروع، إنهم" بصدد تحقيق عدة أهداف من ورائه، كإنتاج كميات كبيرة من التمور تسدّ حاجة المستهلك المحلي" وتزيد "المساحات الخضراء في الصحراء".
*العراق يخطط لرفع قدرة تخزين القمح إلى 3.5 مليون طن
قالت وكالة "بلومبيرغ"، إنّ العراق يخطط لبناء صوامع جديدة لخزن القمح، بهدف رفع قدرته لتخزين الحبوب. ونقلت الوكالة عن مدير عام مجلس الحبوب حيدر نوري، أنّ "العراق يخطط لبناء صوامع قمح جديدة في محافظة واسط".
وأكّد نوري، أنّ المجلس وافق على خطة لبناء صومعة حبوب بحجم 100 ألف طن في الوقت الذي يستعد فيه "لحصاد محصول القمح الوفير".
موقع التخزين الجديد سيُضاف إلى صومعتين صغيرتين موجودتين في المحافظة، حيث يخطط مجلس الحبوب لتعزيز الطاقة التخزينية الإجمالية في العراق، والتي تُقدر بنحو 3 ملايين إلى 3.5 مليون طن، بحسب للوكالة.
ويرجح أن ينتج العراق ما بين 5 ملايين إلى 6 ملايين طن من القمح هذا العام، أو ما يكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بعد هطول أمطار غزيرة وفي الوقت المناسب، كما تؤكد وزارة الزراعة.
*الزراعة تعلن تحقيق الاكتفاء الذاتي لـ15 محصولًا من الخضروات
أعلنت وزارة الزراعة، العام الماضي، تحقيق الاكتفاء الذاتي لـ15 محصولًا في العراق.
وقال المتحدث باسم وزير الزراعة هادي الياسري، إنّ "تحقيق الاكتفاء الذاتي من الناتج المحلي بالنسبة للمنتجات الزراعية يقترن بمتطلبات ومستلزمات يجب توفرها". مبينًا، إنّ "من هذه المتطلبات هي الوفرة المالية والتخصيص المالي السنوي الذي يندرج ضمن تخصيصات دعم المزارعين لتوفير اللقاحات والأدوية البيطرية والمُبيدات".
وأضاف، إنه "من ضمن المتطلبات أيضًا توفير المدخلات السليمة للإنتاج الزراعي وفي مقدمتها الوفرة المائية اللازمة لتنفيذ الخطط الزراعية وزراعة المساحات الكافية لتحقيق إنتاجية تلبّي الاكتفاء الذاتي المحلي من المنتجات". موضحًا، إنّ "جميع هذه الأمور تقف عائقًا أمام الاكتفاء الذاتي من المحاصيل".
وتابع، إنه "رغم التحديات الكبيرة فإن العراق حقق اكتفاءً ذاتيًا لـ15 محصولاً بالنسبة للخضراوات، واقترب من الاكتفاء الذاتي بالنسبة للمنتجات الحيوانية في مقدمتها الدواجن بنسبة كبيرة". مشيرًا إلى، أنّ "هناك انخفاضًا بسبب الأزمات التي يتعرض لها العراق بصورة خاصة وفي مقدمتها التغيير المناخي وشح المياه إضافة إلى أزمة كورونا وغيرها".
*مشروع إعلان واسط عاصمة العراق الزراعية
أعلن محافظ واسط محمد المياحي، أنّ المحافظة بصدد عرض مشروع إعلان واسط عاصمة العراق الزراعية على رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني.
وقال المياحي، إنّ "إدارة المحافظة تعمل بشكل جاد على تهيئة الظروف اللوجستية والأمنية والإدارية لتكون واسط عاصمة العراق الزراعية". مبينًا، إن "هذا المشروع هو مشروع وطني متكامل سيعزز الاقتصاد الوطني، ويتطلب برنامجًا حكوميًا متكاملاً لدعم الفلاحين بالأراضي الزراعية الكبيرة".
وكشف المياحي عن "وجود أكثر من 6 ملايين دونم في محافظة واسط". لافتًا إلى، أنّ "مشروع واسط عاصمة العراق الزراعية يلقى اهتمامًا ودعمًا من رئيس الجمهورية".
وأشار إلى، أنّ "المحافظة بصدد عرض المشروع على رئيس مجلس الوزراء ليحظى بدعمه، لأن الزراعة اقتصاد دائم". مشددًا على، ضرورة "دعم الفلاحين والمناطق الزراعية في محافظة واسط ومنحها خصوصية تامة كونها تُعد المحافظة الأولى في مجال زراعة الحبوب، فضلاً عن توفر الثروة الحيوانية فيها".
ووفقًا للبنك الدولي، يمكن أن يؤدي تعافي الصناعة الزراعية في العراق إلى إنشاء ما يقرب من 24 ألف مؤسسة صغيرة وخلق 120 ألف فرصة عمل جديدة بحلول العام 2030. لكن دون هذه الأحلام الكبيرة تحديات تعترض تحقيقها، ومع ذلك، بالنسبة للسكان الذين دمّرتهم عقود من الحرب وعدم الاستقرار، فإن تعافي القطاع الزراعي يوفر بصيص أمل يعد بمستقبل أفضل.
يُعدُّ القطاع الزراعي أحد أهم النشاطات الاقتصادية التي تُسهم في الاقتصاد الوطني، ويرتبط الأمن الغذائي بالأمن الوطني، إذ إنَّ تحقيق الأمن الغذائي معتمد بالدرجة الأساس على توفير الغذاء من الإنتاج الزراعي المحلي، فضلاً عن إسهام القطاع الزراعي بتنويع الاقتصاد، وتخفيف وطأة الفقر، وتحسين الميزان التجاري، وتحقيق حركة لمعظم القطاعات المرتبطة به، كما يُسهم تطور القطاع الزراعي في مكافحة البطالة، وتقليص حجم الاستيراد، وتطور المجتمع ونهوضه، وتعزيز الاقتصاد الوطني، كما أنَّ المنتج الوطني الأكثر أماناً واطمئناناً على السلامة الصحية للمستهلك مقارنة بالمستورد، لأنَّ معظم الأمراض مرتبطة بالغذاء، والاستهلاك الغذائي، فضلاً عن تطور القطاع الاقتصادي الزراعي الذي ينعكس انعكاساً إيجابياً على تحسين الواقع البيئي.