حقوق تفجر مفاجأة صادمة: نسخة موازنة 2024 التي خرجت من البرلمان لم تكن نفسها التي ذهبت لرئاسة الجمهورية.. ماذا يجري؟
انفوبلس/..
أسبوعان كاملان مرّا على مصادقة رئاسة الجمهورية على جداول موازنة 2024، لكن الحديث على مخالفاتها لا يزال مستمراً، إذ تم الكشف مؤخراً عن وجود تلاعب في تلك الجداول، وأن النسخة التي خرجت من مجلس النواب لم تكن نفسها التي ذهبت إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليها.
*تفاصيل الموضوع
كشف رئيس كتلة حقوق النيابية سعود الساعدي، عن حديث متداول في الأروقة السياسية يشير بوجود "تلاعب" في جداول موازنة 2024، مبيناً أنه يدور حول تغييرات أُجريت بعد تصويت البرلمان على الجداول التي صادقت رئاسة الجمهورية عليها مؤخراً.
وقال الساعدي في تصريح متلفز، إن "هناك حديثاً لم يتم التأكد منه حتى الآن لكنه متوقع، عن حدوث تلاعب بجداول الموازنة"، معتبراً أن "هذا الموضوع ليس جديداً وقد حدث بالموازنة السابقة".
وأضاف الساعدي، إن "النسخة التي خرجت من مجلس النواب لم تكن نفسها التي ذهبت إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليها".
وأكد الساعدي "ضرورة تقوية دور النائب ودعم العمل المؤسساتي في البرلمان لكي لا نشجع على ثقافة التلاعب والاحتيال والالتفاف على القوانين".
وأشار الى، أن "الموازنة الثلاثية التي أُقرت العام الماضي شهدت تلاعباً هي الأخرى".
*تأكيد
في هذا السياق، وفي خضم المعلومات التي تطرق إليها النائب الساعدي، أكد عضو مجلس النواب بهاء النوري، هذا التلاعب.
وقال النوري في حديث متلفز، إن "هناك تغييرات أُجريت على الموازنة بعد التصويت عليها".
*المصادقة
وصادق رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد في 27 حزيران 2024، على عدد من القوانين بينها جداول موازنة 2024.
وقالت الدائرة الإعلامية لرئاسة الجمهورية في بيان، إن "رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، صادق على عدد من مشاريع القوانين، وهي جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2024، والتعديل الأول لقانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي، وقانون تمديد عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وقانون التعديل الأول لقانون تنظيم إيجار الأراضي الزراعية وتمليك حق التصرف فيها للخريجين الزراعيين والبيطريين".
وأضاف البيان، إنه "تم إرسال القوانين بعد المصادقة عليها من قبل رئيس الجمهورية للنشر في جريدة الوقائع العراقية لتدخل حيز التنفيذ".
وأكدت رئاسة الجمهورية- بحسب البيان- إنها "ماضية قُدماً في دعم التشريعات والقوانين التي تصب في مصلحة البلد والمواطنين، عبر المصادقة على القوانين التي يقرها مجلس النواب، وكذلك من خلال تقديم مشاريع القوانين من قبل رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب لغرض مناقشتها وإقرارها".
*التصويت
وفي 3 حزيران الماضي، عقد مجلس النواب جلسته السابعة والعشرين بحضور 199 نائبا.
وصوت المجلس في الجلسة، على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (13) لسنة 2024 المعدلة ومرفقاته جداول (ا، ب، ج، د، ه، و)، استنادا الى أحكام المادة (59) ثانيا من الدستور والمادة (77) ثانيا من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (13) لسنة 2023 للسنوات 2023 و2024 و2025 ، والمادة (4) ثانيا من قانون الإدارة المالية المعدل رقم (6) لسنة 2019، والموافقة على تقديرات جداول الموازنة العامة لسنة 2024 ومرفقاته وجداول تمويل العجز، ومنح مجلس الوزراء صلاحية مناقلة مبلغ (2) تريليون دينار من تخصيصات الموازنة الاستثمارية للوزارات وإضافتها الى تخصيصات تنمية الأقاليم للمحافظات غير المنتظمة بإقليم وتوزع حسب النسب السكانية ونسب الفقر في كل محافظة.
*ثلاثية
وكانت الموازنة الثلاثية التي تشمل أعوام 2023 و2024 و2025، وهي الأكبر في تاريخ العراق، قد أُقرّت في يونيو/ حزيران الماضي بتصويت مجلس النواب عليها بعد مخاض عسير على مدار أشهر شهدت سلسلة جلسات برلمانيّة لمناقشتها.
وبلغت قيمة تلك الموازنة نحو 153 مليار دولار لكل عام، وتتوقع عجزا ماليّا كبيرا يُقدّر بنحو 48 مليار دولار سنويا، يُعدّ الأعلى من نوعه ويزيد بأكثر من ضعفي العجز المُسجّل في موازنة عام 2021 السابقة على هذه الموازنة.
*موازنة لم تأتِ بجديدة
واحتاجت العراق 6 أشهر لإقرار جداول موازنة 2024، لذا يرى الباحث في الشأن المالي مصطفى أكرم حنتوش أنّ الموازنة الثلاثية "لم تأتِ بجديد على الوضع المالي والاقتصادي".
وقال حنتوش: "الموازنة الثلاثية لا يُمكن العمل بها بعد انتهاء السنة الماليّة إلا بعد إرسال جداولها إلى البرلمان والتصويت عليها؛ وهذا يعني أنّ الموازنة هي لسنة واحدة فقط، خاصة وأنّ جداول كل موازنة تختلف عن الأخرى".
أضاف: "الحكومة أخذت كل هذا الوقت لإرسال جداول موازنة 2024 بسبب ما تعانيه من نقص في السيولة وارتفاع نسبة الإنفاق مع تضخم العجز؛ لذا، فقد حاولت تقليل ذلك عبر اجتماعات متكرّرة لها طيلة الأشهر الماضية، وعملت على خفض جزء من الإنفاق والعجز؛ لكن هذا لا يعني أنّ الموازنة سوف تبقى على حالها بعد إرسالها للبرلمان".
وتابع حنتوش: "العراق يفتقر إلى التخطيط في السياسة الماليّة؛ وهذا التخطيط يجب أن يكون معمولا به في كلّ الأشهر وليس في نهاية السنة فقط، لأنه هو الذي يُسهّل عمليّة إعداد الموازنة السنويّة دون أيّ معرقلات؛ فكلّ الأرقام تكون جاهزة وفق أي متغيّرات تحصل".
ويعزو الباحث الاقتصادي أحمد التميمي العجز في الموازنة إلى "الديون الخارجيّة والداخليّة، مع ارتفاع النفقات التشغيليّة أكثر من الاستثماريّة بسبب التعيينات التي وصلت إلى أرقام كبيرة جدا دون تخطيط حقيقي وأصبحت عبئا حقيقيا على الدولة".
وقال التميمي، إنّ "أيّ انخفاض في أسعار النفط، وهذا أمر محتمل، سيجعل الحكومة العراقيّة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين؛ لذا، تُحاول الحكومة تغيير نهج الاقتصاد ورفع وتيرة تنشيط القطاع الخاص لامتصاص المزيد من الأيدي العاملة وخفض الإقبال على الوظيفة الحكومية".
وكانت وزارة المالية العراقية، قد كشفت نهاية العام الماضي عن أنّ حجم الإيرادات العراقيّة في الموازنة الاتحادية خلال 10 أشهر تجاوزت 106 تريليونات دينار (حوالي 80.9 مليار دولار أميركي)، مشيرة إلى ارتفاع مساهمة النفط في الموازنة إلى 95%.
ووفقا للجداول الماليّة، فإن إيرادات العراق من النفط بلغت 101 تريليون و940 مليارا ومليونا و380 ألف دينار، في حين بلغت الإيرادات غير النفطية خمسة تريليونات و477 مليارا و559 مليونا و979 ألف دينار عراقيّ.
*تأثير محقق
ويتوقع التميمي أن العجز المالي في الموازنة "سيؤثّر بالتأكيد على كلّ مفاصل الدولة العراقيّة ويقلل من مستوى الخطط الاستثمارية والمشاريع المهمة؛ فالأموال يجب أن تُدفع لتسديد الديون الخارجيّة أو الداخليّة بدلا من تخصيصها للمشاريع؛ لذا، فإنّ الوضع الماليّ العراقي غير مستقر دائما".
غير أنّ صفوان قصي، المتخصّص في الشأن الاقتصادي والمالي، يرى بدوره أنّ الوضع الماليّ للعراق "لا يزال بأفضل حالاته لغاية الآن؛ فهناك أكثر من 112 مليار دولار لدى البنك المركزي، وتدفقات النفط مستمرة، وسعر البرميل اليوم أعلى مما هو مقرر في موازنة 2023، حيث أُقرت بسعر برميل محدد بــ70 دولارا بينما سعر البرميل حاليا عند 90 دولارا".
وقال قصي: "العجز في الموازنة يُمكن تغطيته؛ كما أنّه ليس بالرقم المرعب كما يروّج البعض لذلك، خاصة أن إيقاف المشتقّات النفطيّة وترشيد الاستهلاك في مستوى الوقود قد يقلّلا العجز".
وأضاف قصي: "نافذة الاستثمار في وزارة الصناعة... يُمكنها أن تُحرّك جزءا من المصانع المتوقّفة، خاصة أنّ هذا العجز افتراضي في الموازنة، وليس في دخل الموازنة نفسها؛ أمّا زيادة الإنفاق فهي أمر طبيعي في ظلّ وجود حركة عمرانيّة كبيرة في المحافظات العراقيّة".