ضربة موجعة لـ"بيت طبرة" بعد عقود من الفساد.. البنك المركزي يصفّي شركة "النبال العربية"
انفوبلس/ تقرير
قرر البنك المركزي العراقي، سحب إجازة شركة "النبال العربية" للتحويل المالي، وفق وثيقة رسمية نُشِرت اليوم السبت 15 أبريل/ نيسان 2023، الأمر الذي يشكل نكسة كبيرة لـ "بيت طبرة" المتهم بالفساد والتهريب منذ عقود.
وجاء في كتاب رسمي موقع من نائب محافظ البنك المركزي وكالة فيصل الهيمص أنه "تقرر إلغاء قرار مجلس الإدارة الذي تم بموجبه تغيير نشاط شركة النبال العربية للتحويل المالي من شركة تحويل مالي إلى شركة صرافة فئة A، وتخفيض رأس مالها بما يتناسب مع وضعها الجديد وتغيير المساهمين الحاليين بمساهمين جدد بعد حصول موافقة هذا البنك".
وقرر الهيمص، سحب إجازة ممارسة العمل لشركة النبال العربية للتحويل المالي/ شركة النبال للصرافة تحت الترخيص ومصادرة خطاب الضمان.
وتعمل شركة النبال العربية في مجال تحويل الأموال و"صيرفتها" ويديرها أبناء عمومة رجل الأعمال العراقي المتهم بالفساد "وهب طبرة" وتتعامل مع مئات الملايين من الدولارات كل عام.
*تاريخ بيت طبرة
بدأ عمل رجل الأعمال العراقي والمحتجز حاليا "وهب طبرة" في مجال تجارة التبغ المحظور في التسعينيات من القرن الماضي بمساعدة صديق للعائلة: عدي حسين، الابن الأكبر للطاغية صدام حسين.
بموجب عقوبات الأمم المتحدة، التي فُرِضت بعد غزو العراق للكويت، تم حظر معظم الواردات إلى البلد. وللالتفاف على الحظر، شحنت شركات التبغ الكبرى مليارات السجائر الزائدة عن حاجة السوق إلى كردستان العراق، والتي تم نقلها بعد ذلك إلى العراق وإيران وأماكن أخرى في المنطقة.
استولى عدي على نسبة من التجارة وأرباحها فيما كان أيضاً يزيّف السجائر. كان أصيل طبره، ــ ابن عم وهب طبرة ــ واحداً من "المساعدين الماليين الرئيسيين" لعدي.
بدأ وهب طبرة العمل كواحد من "سُعاة" عدي، إذ سافر حول العالم لشراء السيارات والبنادق والملابس المصممة في دور الأزياء العالمية لعدي، ابن الديكتاتور. دخل مجال التبغ عام 2001، باستخدام شركة تجارية مسجلة في دبي، هذه الشركة التي غيرت اسمها مرات عدة خلال العقد اللاحق، تحولت إلى مركز رئيسي لعملياته.
تظهر الوثائق التي جمعتها Japan Tobacco، وأوراق من جزر العذراء البريطانية ومراسلات داخلية للشركة، أن طبرة أصبح ضمن شبكة مترابطة حول العالم من المورِّدين والمصنّعين والتجار في العراق والإمارات العربية المتحدة وبلدان بعيدة مثل الهند وفيتنام.
عمل "طبرة" مع رجل الأعمال الأردني - العراقي طارق الحسن، وهو اليوم وكيل شركة إمبريال توباكو Imperial Tobacco في العراق، ونزار حنا نصري، وهو تاجر عراقي آشوري معروف باسم "أبو مهرّبي السجائر العراقيين".
من خلال محاميه، رفض نصري أي اتهامات حول التورط في التهريب والتزوير أو قيامه بأي ممارسة غير قانونية، ورفض الحسن التعليق على التُهم الموجهة إليه.
بعد الغزو الأميركي، بدأ طبرة في العمل بشكل أوثق مع نصري، إذ قام بتزويد مصانع نصري لتقليد السجائر بمواد مثل التبغ، والعبوات المزيّفة، والطوابع الضريبية المزورة.
للقيام بذلك، تقول الوثائق المسرَّبة ومصادر في مجال صناعة السجائر، إنه أدار شبكة من الشركات في الملاذات الضريبية الآمنة (الأوف شور) وقام بتقليد علامات تجارية مسجلة، وغيرها من الأنشطة التي كان الكثير منها محمياً من ديبلوماسيين رفيعي المستوى وسياسيين وموظفي شركات حكومية في العراق والخارج.
في كردستان العراق، استأجر طبرة مصانع من أفراد عائلة بارزاني الحاكمة ومن منافسها القديم، الرئيس العراقي السابق جلال طالباني. وشغل طبرة منصب المدير التنفيذي لمجموعة إيجل Eagle Group، وهي شركة قابضة يسيطر عليها أحد أفراد عائلة بارزاني، وفقاً لمراسلات الشركة، وأدار لفترة وجيزة المنطقة الحرة في زاخو بين العراق وتركيا.
وعمل طبرة مع شركة الخليج للتحويل Gulf Conversion Company، ومقرها في المنطقة الحرة في إمارة عجمان في الإمارات العربية المتحدة يديرها ديبلوماسي عماني ومستشار لحكومة سلطنة عمان. قامت الشركة هذه بتصنيع سجائر لطبرة وغيره من العملاء لتهريبها إلى دول عديدة، وفقاً لسجلات الشحن وسجلات شركة التبغ اليابانية.
وقال مارك هيل، مدير سابق في شركة الخليج للتحويل، "إن الشركة أنتجت حصراً السلع التي كان لها أو للعميل علامة تجارية مسجلة في كل من الإمارات العربية المتحدة وسوق التوزيع المقصود".
وتظهر وثائق الشركات المسربة أيضاً أن أنشطة طبرة جعلته على اتصال مع سياسيين ورجال أعمال أقوياء في بلغاريا وفيتنام.
*تجاوز الحدود
أظهرت وثائق من تسريبات شركة التبغ اليابانية كيف استخدم طبرة شركات الواجهات وانتحال صفة المنافسين للمطالبة بالاستحواذ على العلامات التجارية الكبرى.
استخدم شركات تجارية أُنشِأت على ما يبدو في جزر العذراء البريطانية للتقدم بطلب للحصول على علامات تجارية عراقية لـ"فيليب موريس إنترناشيونال Philip Morris International" و"I.R.I.T.C."، وهي الأحرف الأولى من اسم شركة التبغ الإيرانية. ويقول مسؤولون في جزر العذراء البريطانية إنهم لا يملكون سجلاً للشركة التي استخدمها للتقدم بطلب للحصول على العلامة التجارية "فيليب موريس"، ومع ذلك تمكّن طبرة من استخدام الطلب غير المعتمد كدليل على ملكيته للعلامة التجارية عند شراء الشريط الخاص بعلامة "فيليب موريس" عام 2005.
عام 2004، تقدَّم طبرة بطلب لتسجيل شركة في دبي تحت اسم شركة التبغ Gallaher Ltd، ومقرها المملكة المتحدة (اشترتها لاحقاً Japan Tobacco) ومن ثم ادعى ملكية العلامة التجارية لهذا الصنف في العراق. وقالت غرفة تجارة دبي إنها لم تسجل قط شركة جالاهير المحدودة ذ.م.م. Gakkaher Ltd LLC. لكن رسالة عام 2005 تشير إلى أن طبرة زوّر ترويسة جالاهير Gallaher، لإقناع جمارك دبي بالإفراج عن سجائر علامة Sovereigns المزيفة - وهي علامة تجارية لجالاهير- التي تم ضبطها عام 2005.
قال أحد الموظفين السابقين إن مثل هذه الممارسات كانت شائعة، وفي بعض الأحيان تكون قانونية من الناحية الفنية بحسب الولاية القضائية، كان تجار السجائر يسجلون علامة تجارية في منطقة صغيرة لديها سلطتها القضائية المستقلة دون موافقة المالك، ثم يستخدمونها في مناطق أخرى لتصنيع المنتجات - وهو أمر يُعرف في الصناعة باسم "المنتجات المقلَّدة القانونية".
لكن طبرة استخدم هذه الطريقة أكثر من غيره بكثير.
وقال الموظف السابق: "كان يُمعن في تجاوز حدود القانون، وهو ما كان يمثل مشكلة". وتابع: "كان يتحول من السجائر المزيفة القانونية إلى السجائر المزيفة بشكل كامل".
في آذار/ مارس من عام 2021، ألقي القبض على طبرة بطريقة درامية في أسطنبول، بناءً على مذكرة اعتقال أصدرتها بحقه السلطات العراقية عبر الإنتربول. وعَزَت وسائل إعلام محلية الاعتقال إلى اتهامات بأن طبرة هرّب 120 مليون دولار نقداً إلى خارج العراق. وقال كونجون، المستشار السابق للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إن طبرة اعتُقِل بالفعل لأنه كان يُفترض أن يغسل الأموال لكبار المسؤولين العراقيين، لكنه سرقها بدلاً من ذلك.
شكّل احتجاز طبرة تطوراً كبيراً، لأنه ظل لسنوات يتهرب من العدالة داخل العراق، وكان مطلوباً للاعتقال منذ عام 2007، بسبب انتهاك قانون العقوبات المتعلق بعمله لمصلحة عدي صدام حسين، وفقاً لمذكرة توقيف.
قال قاضٍ عراقي، إن علاقات طبرة سهّلت له الإفلات من الملاحقة القضائية في ذلك الوقت. وقال القاضي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب نفوذ الشخصيات المتداخلة في شبكة طبرة، إن ثغرة في النظام القانوني العراقي تتعلق في أن معظم الأدلة المتعلقة بمعاملات تتم خارج العراق ينتهي بها الأمر إلى عدم قبولها في المحاكم العراقية.
كما يخضع طبرة للتحقيق من قبل هيئة النزاهة العامة العراقية منذ عام 2016 للاشتباه في تهريب العملة وغسيل الأموال، وفقاً للمصادر قضائية. وتمت إحالة ملف اللجنة المكون من 300 صفحة حول طبرة إلى المحكمة الجنائية العراقية عام 2018، وتم تناقل الملف عبر وسائل الإعلام العراقية على نطاق واسع، ولكن مرة أخرى، يبدو أن تحالفات طبرة السياسية رفيعة المستوى منعت من أن تؤدي هذه التهم إلى اعتقاله قبل سنوات من توقيفه لاحقاَ وفقاَ لما قاله كونجون والمصادر.
وقالوا، إن هذه العلاقات نفسها عملت بمصلحته مرة أخرى بعد اعتقاله في نهاية المطاف في تركيا. ومنذ تسليمه إلى العراق، يقيم طبرة في مركز شرطة في المنطقة الخضراء في انتظار تُهم بغسيل الأموال وأخرى غيرها، وهو يستقبل أصدقاء وزواراً يصفون مكان احتجازه بفندق 5 نجوم.
*شبهات تمويل الإرهاب
اتخذ البنك المركزي العراقي في السابق بعض الإجراءات ضد مصالح طبرة: فعام 2015، أدرج البنك المركزي شركة "النبال" على القائمة السوداء بسبب الاشتباه في تمويل تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث إن شركة النبال تعمل في مجال تحويل الأموال و"صيرفتها" ويديرها أبناء عمومة "طبرة " وتتعامل مع مئات الملايين من الدولارات كل عام.
وقال كونجون وكميل حساني ــ وهو محامٍ عراقي وناشط ضد الفساد ــ إن "قرار وضع النبال على القائمة السوداء ارتبط أيضاً بمخاوف أخرى تتعلق بجرائم مالية. وقالوا إن النبال وشركات صيرفة أخرى يشتبه في ضلوعها في عملية احتيال مستمر في البنك المركزي العراقي، الذي أفادت التقارير بأنه كلف البلاد 240 مليار دولار".
كما قال تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2020 إن طبرة وشريكه منذ زمن طويل اسمه حميد النجار، وهو رجل أعمال عراقي أردني، كانا "يجريان معاملات مالية نيابة عن "داعش" في العراق والدول المجاورة من خلال علاقات تجارية سريّة".
في نيسان/ أبريل 2021، اتهمت محكمة في بغداد، شركة النبال باختلاس 400 ألف دولار كان يفترض أن تحولها لعميل في كندا. وأدانت المحكمة شركة النبال وطلبت منها دفع المبلغ والفوائد للزبون المدّعي. يدير أبناء عمومة طبرة شركة النبال، لكن فرعها في كندا مسجَّل باسم طبرة.
لا تتوقف الادعاءات ضد طبرة عند حدّ تهريب التبغ وتمويل الإرهاب والجرائم المالية، فقد دخل في شجار مع رئيس البرلمان العراقي وقتها سليم الجبوري في مقصورة الدرجة الأولى على متن طائرة الملكية الأردنية أثناء سفره من بغداد إلى عمان في عام 2015، وفقاً لكونجون، لكن سبب الشجار لم يكن واضحاً.
لقد أزعجت أنشطة طبرة الشركات الكبيرة، فعام 2008، اتهمته شركة التبغ الرئيسية في كوريا الجنوبية KT & G، بتزوير إحدى علاماتها التجارية وهددت باتخاذ إجراء قانوني.
دفعت شركة التبغ اليابانية Japan Tobacco أموالاً للمُخبِرين لسنوات لجمع المعلومات عنه وأعماله. وتظهر برقية ديبلوماسية أميركية مسرّبة أنه عام 2006 اشتكى موظفو حماية العلامة التجارية لشركة "فيليب موريس" في دبي إلى المسؤولين الأميركيين من "التقاعس الملحوظ" ضد عمليات التزوير التي يقوم بها طبرة.
ورغم الجدل، لا تزال اثنتان من الشركات الرئيسية لطبرة- "مارجن للتجارة العامة Margin General Trading" و"فاست لاين للوساطة التجارية Fast Line Commercial Brokerage" – نشطتين في سجل دبي مع أن اسم شركة Margin تغير إلى King's Rood.
عام 2019، أكدت أجهزة استخبارات تابعة لإحدى شركات التبغ الكبرى أن مصنعين اثنين على الأقل من المصانع التي استأجرها طبرة من نصري في كردستان العراق كانا لا تزالان يصنعان السجائر.
كما قام طبرة وشريكه حميد النجار بترخيص مشروع تبغ جديد يسمى "الماسية" في المنطقة الصناعية في بغداد عام 2017، وفقاً لما أظهرته وثائق حكومية، الموقع هو المكان ذاته الذي أدار فيه طبرة شركة عام 2008 مع رجل الأعمال الأردني عوني مطيع، الذي حُكِم عليه بالسجن في عمان لمدة 20 عاماً، بتهمة إنتاج وتهريب السجائر من المناطق المُعفاة من الضرائب في الأردن في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي.
أكد نجار أنه كان شريكاً في "الماسية" ما بين عامي 2017 و2019، لكنه قال "إن الشركة لم تقُم بأي أعمال تجارية".
في غضون ذلك، وسّع طبرة وعائلته العمل في مجالات أخرى، إضافة إلى اهتماماته في شركة "النبال" للعملات، يشغل طبرة منصب مدير متجر مجوهرات راقٍ في لندن، ودار صرافة في تورونتو، وشركات سياحية وتجارية في الأردن. كما يمتلك أسهماً في شركة نفط مقرّها في كردستان العراق.
قبل اعتقاله في تركيا، كان طبرة يقسّم وقته بين العراق ولبنان والأردن والمملكة المتحدة.