لإنعاش الموازنة.. العراق يتحرك لاستبدال الاقتصاد الريعي
انفوبلس/..
تعتمد استراتيجية المال على مجموعة عوامل لدعم الدخل القومي وانعاشه، لكنها في العراق سلكت طريقاً سهلاً بالاعتماد على ريع النفط، الأمر الذي اغلق منافذ عديدة أصبحت على الهامش، وفيما تتجّه الحكومة لتنويع مصادر الدخل تقفز الى المقدمة تساؤلات عدة عن إمكانية العمل الجاد لاستثمار موارد البلاد الأخرى، في مقدمتها تنشيط الصناعة الوطنية والسيطرة على مردودات المنافذ والموانئ، كحل يساعد في تنويع مصادر دعم موازنة البلاد العامة سنوياً.
وقريبا من ذلك، دعا مراقبون للوضع الاقتصادي، الحكومة الى ضرورة الاتجاه لإعادة الحياة للمرافق الاقتصادية الداخلية، لتنشيط حركة السوق في خطوة عملية لإنهاء الاعتماد الكلي على واردات النفط واستخدمها للمشاريع الاستراتيجية الكبرى في العراق، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من هزات مالية مستمرة كثيراً ما تخضع لتأثيرات أسعار النفط المتقلبة.
وفي أول مبادرة لتنشيط منافذ الموارد المالية، شددت وزيرة المالية طيف سامي باول اجتماع بعد توليها مهام الوزارة على ضرورة مواصلة التنسيق المشترك بين الهيآت والدوائر واستثمار الوقت وتعبئة الطاقات، وصولاً الى تعزيز فرص انجاح إدارة الموارد المالية وتحسين استراتيجيات الموازنات الاتحادية، فضلا عن تعظيم جانب الايرادات العامة للدولة، واستكمال مشاريع أتمتة النظام الكمركي والضريبي وحساب الخزينة الموحد.
وأشارت الى أن “الوزارة تعمل بحسب الانظمة والقوانين التي ترسم أداء مهامها على وفق معايير النزاهة ومتطلبات تحقيق العدالة”، مضيفةْ ان “المرحلة المقبلة تتطلب منا مضاعفة الجهود وإعداد البرامج باتجاه تمتين ركائز الاقتصاد الوطني المتوازن والمستدام، الداعم للقطاعات الحيوية والإنتاجية”.
وبرغم الصعود الكبير في أسعار النفط عالميا نتيجة استمرار الحرب “الروسية الأوكرانية”، إلا ان الهزات المالية المستمرة كثيراً ما تطارد العراقيين الذين يدفعون ضرائب الانتكاسات الاقتصادية من دون نتائج حقيقية تتبعها الحكومات المتوالية في إيجاد حل جذري لدعم خزينة الدولة التي ترتكز على ما يدرّه النفط كحل وحيد للمعالجات.
وتقول خبيرة المال سهى جبار، ان التوجّه الفعلي نحو تدعيم الاقتصاد الوطني والسيطرة على مخرجات التمويل الأخرى، ستحقق طفرات نوعية في السوق ويعيد نشاط الحركة التجارية الداخلية في البلاد.
وأكدت جبار، ان استراتيجية الدولة في تقليل الاعتماد على النفط سيجعلها أمام تحدٍ كبير في مواجهة آلة الفساد التي التهمت الأموال التي تدرّها المنافذ الحدودية والموانئ والضرائب، فضلا عن القطاع الخاص المُغيّب الذي يحتاج الى ثورة لإعادة الروح المفتقدة في مفاصله.
وبرغم التخصيصات المالية التي رُصدت الى الزراعة والصناعة لتطوير القطاعين الحيويين طيلة السنوات الماضية، لكن تلك الأموال غالبا ما تنتهي الى جيوب الفاسدين مع بقاء هذه القطاعات تعاني الإهمال والتغييب حتى تحولت أغلب الأراضي الى صحارٍ جرداء تشاركها في الخراب مصانع ومعامل مُعطّلة عن العمل.
وفي السياق نفسه، يرى الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، ان عوامل عدة تدعو الى الاتجاه نحو الاقتصاد المستدام وتقليل الاعتماد على ريع النفط في دعم الموازنة العامة للبلاد.
ودعا المحسن، الحكومة الى ضرورة التوجّه نحو تفعيل القطاعات الاقتصادية لتحقيق تنمية مستدامة تدفع باتجاه تقليل الاعتماد على النفط الذي كثيراً ما يتعرّض لتقلبات أسعار السوق العالمية، مشيراً الى ضرورة الاتجاه نحو إعادة الحياة الى قطاع الزراعة وتهيئة الأجواء المناسبة ليكون احد أبرز المنافذ في استحصال المال”.
وذكر المحسن، ان تفعيل القطاع الزراعي سيوفر للدولة مبالغ وخدمات هائلة في صدارتها امتصاص البطالة التي تجاوزت نسبتها أرقاماً عالية، فضلا عن توفيرها السلة الغذائية وتقليل الاعتماد على الاستيراد والذي سيحافظ بدوره على بقاء العملة في الداخل، منوها الى ان الزراعة ستكون محركاً للقوى العاملة وستقلل في المستقبل الحركة نحو الوظائف.
واستطرد بالقول، ان الاتجاه نحو تفعيل القطاعات الاقتصادية بجميع مفاصلها سيدعم الدخل القومي ويقلل فرص اعتماد الموازنة على النفط كلياً ويحقق اقتصاداً رصيناً بعيداً عن الهزات التي تخلفها أسعار النفط.
ويسعى العراق الى تطوير منافذه المالية لدعم الموازنة العامة للبلاد، بعيداً عن تقلبات أسعار النفط، لكنه وبرغم التحركات نحو تنشيط القطاعات الأخرى المُدرّة للدخل لا يزال يراوح في دائرة مفرغة بسبب تغوّل الفساد وسيطرته على أغلب المفاصل.