مبالغ "طائلة" بذمة بيروت ولا سلع مقابل النفط.. انفوبلس تفصّل خفايا اتفاقية العراق ولبنان لتبادل الطاقة
انفوبلس/ تقرير
تكشّفت أسرار وخفايا جديدة عن الاتفاقية التي وُقِّعت بين العراق ولبنان في العاصمة بغداد في زمن حكومة مصطفى الكاظمي لتبادل الطاقة قبل نحو ثلاث سنوات، والتي منحت بيروت بموجبها مادة زيت الوقود الثقيل، مقابل "خدمات وسلع"، حيث وصفت تقارير اقتصادية الاتفاقية بأنها تتضمن "خللاً" في وضوح بنودها بما في ذلك بنود الخدمات الصحية التي يُفترض أن يوفرها لبنان للمرضى العراقيين.
وقّع العراق ولبنان، 24 يوليو (تموز) 2021 في بغداد، اتفاقاً لتبادل الطاقة، يمنح العراق بموجبه لبنان، الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مادة زيت الوقود الثقيل، مقابل "خدمات وسلع"، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الوزراء العراقية آنذاك.
تقول صحيفة "The National" الصادرة من الإمارات في تقرير ترجمته شبكة "انفوبلس"، إن لبنان سيعتمد على إجراءات معقدة لاستيراد الوقود العراقي لتلبية احتياجاته من الكهرباء، رغم عدم وجود خطة سداد متفق عليها بين الحكومة اللبنانية ونظيرتها العراقية، مشيرة الى أن خطة استيراد الوقود العراقي المعقدة سيتم تمديدها حتى العام 2028.
ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم إن: الصفقة الحافلة بالمشاكل، يمكن أن تقيد لبنان في إطار ترتيب غير مستقر وتأخير انتقاله الى مصادر الطاقة المتجددة أو بأسعار معقولة، مُذكِّرةً بأن لبنان الذي لا يمتلك سوى القليل من الموارد الطبيعية ويعاني من ازمة اقتصادية، يستورد زيت الوقود الثقيل من العراق بموجب صفقة مبادلة موقعة في العام 2021.
وتضيف الصحيفة، إن الوقود الثقيل الذي يقدمه العراق لا يلبّي مواصفات الوقود المطلوبة في محطات الكهرباء اللبنانية، لذلك فإن الصفقة تتيح لبيروت مقايضته في السوق الدولية بأنواع أخرى من النفط مناسبة لمحطاتها، عبر تجار يحققون أرباحاً من خلال ذلك.
*بيروت لم تدفع لغاية الآن ثمن النفط
بعد مرور ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق، لم يدفع لبنان بعد للعراق ثمن النفط الذي حصل عليه، وذلك لأسباب من بينها أن هناك بعض الشروط غير الواضحة في الاتفاقية، فالعقد المبرم بين الطرفين ينص على أن يودع لبنان أموالاً في حسابه بالدولار ويمكن للعراق سحبه بالليرة اللبنانية لإنفاقه (داخل السوق اللبنانية) على "السلع والخدمات"، مثل الخدمات الطبية، وفقاً للصحيفة التي أوضحت إن أسعار الصرف التي سيحصل بها العراق على الأموال بالليرة، وأيضاً طبيعة الخدمات التي سيحصل عليها، ليست واضحة.
وتوضح الصحيفة، إن العراق لم يتمكن حتى الآن من الوصول الى ما قيمته 550 مليون دولار من السلع أو الخدمات، وهي قيمة واردات العام الأول، المودعة في البنك المركزي اللبناني، لافتة الى ان الصفقة تجعل لبنان معتمداً على النفط الخام إذ يقوم باستبدال النفط العراقي الثقيل بزيت الغاز وزيت الوقود منخفض الكبريت، بدلاً من البدائل الأرخص مثل الغاز الطبيعي، أو مصادر الطاقة المتجددة النظيفة.
وعلى الرغم من هذه القضايا، تشير الوثائق الجديدة إلى أن لبنان يخطط للاعتماد على تجديد صفقة الوقود العراقية لإمداداته من الطاقة حتى عام 2028 على الأقل، بحسب الصحيفة.
وبحسب وثائق خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء في لبنان، والتي أعدتها وزارة الطاقة، وشركة "كهرباء لبنان" الحكومية، فإن الشركة تعتزم زيادة حجم الصفقة مع العراق الى 772 مليون دولار سنويا، لتعزيز الطاقة الانتاجية من 4 ساعات يوميا الى 8 ساعات يوميا بحلول العام 2028.
هذه التقديرات تظهر أن الفاتورة المستحقة للعراق سترتفع إلى 5.45 مليارات دولار بحلول العام 2028، وهذا الوضع سيجعل لبنان معتمداً بشكل أساسي على الوقود الأحفوري، وسيبقى في الوقت نفسه عاجزاً عن توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة للمواطنين.
واعتبرت الصحيفة أن ذلك يأتي برغم من عدم التزام الحكومة العراقية بتمديد العقد لغاية الان. ونقل الصحيفة عن اخصائي لبناني بمجال الطاقة قوله إن : "صفقة الوقود العراقية قنبلة موقوتة في ظل عدم وجود مصدر بديل للوقود"، مضيفا أنه "من المقرر أن ينتهي العقد في تشرين الاول/اكتوبر والعراقيون سيرغبون بمعرفة سبب عدم حصولهم على أي شيء في المقابل".
وحتى لو كان لبنان قادرًا على الدفع وتأمين تمديد الاتفاق، فقد أعرب الخبراء عن قلقهم بشأن عدم وجود تخطيط لتأمين مصادر وقود بديلة أرخص وأكثر مراعاة للبيئة، وفقاً للصحيفة.
لا تزال الأسر اللبنانية، على الرغم من وعودها بإمدادات موثوقة بالكهرباء لأكثر من عقد من الزمن، تواجه انقطاعات يومية في التيار الكهربائي وتضطر إلى دفع اشتراكات باهظة الثمن وملوثة لمولدات الديزل.
وقد صورت السلطات اللبنانية في البداية اتفاق بيروت - بغداد الموقع في عام 2021 على أنه هدية من العراق وهي علامة على التضامن تجاه دولة عربية شقيقة تتصارع مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
قبل صفقة العراق، هزت لبنان فضيحة الوقود الملوث ضمن اتفاقية مع الجزائر لاستيراد الوقود، نهاية عام 2020. إن ما صورته السلطات اللبنانية على أنه عقد لاستيراد الوقود من دولة إلى أخرى مع الجزائر، اتضح أنه يشمل شركات خارجية سرية تتقاضى أسعاراً باهظة مقابل الوقود منخفض الجودة.
هذه الفضيحة أظهرت وجود شبكة من الفساد في لبنان تتضمن شحنات وقود ملوثة وفحوصاً مختبرية مزورة ورشوة منتشرة بين مسؤولي الدولة.
وبعد ظهور هذه الفضيحة لم يتم تجديد عقد توريد الوقود هذا، ما جعل لبنان بلا عقد توريد للوقود لأول مرة منذ العام 2005، ولهذا ومن أجل البحث عن مصدر بديل، وقع لبنان الاتفاق العراقي في تموز 2021 ثم جرى تمديده في العام 2023 لمدة عام إضافي لمليوني طن.
ولفتت الصحيفة إلى أنه بشكل عام، فان لبنان يتلقى حوالي نصف زيت الوقود الأصلي الذي يصدره العراقيون، بحسب وثائق رسمية من وزارة الطاقة والمياه.
وبموجب شروط العقد، فإن أمام لبنان سنة واحدة لدفع ثمن كل شحنة وقود، إلا أنه بعد مرور 3 سنوات على توقيع الصفقة، لم يتلق العراق أي شيء.
إن لبنان يدين بالفعل للعراق بنحو 1.59 مليار دولار مقابل ملايين الأطنان من الوقود الذي استورده منذ العام 2021، وفقا لأرقام وزارة الطاقة والمياه، حيث يحتوي الحساب البنكي المخصص للعراقيين في مصرف لبنان على 550 مليون دولار، تمثل قيمة واردات السنة الأولى، لكن لم تتمكن الحكومة العراقية حتى الآن من الوصول إلى الأموال المقومة بالدولار، وفقا للصحيفة.
وفيما يتعلق بـ "السلع والخدمات" التي من المفترض أن يحصل عليها العراقيون في لبنان بهذه الأموال، فإنه لم يتم تحديدها بعدُ، ولم يحصل العراق على أي منها إلى الآن، على الرغم من التقارير الإعلامية عن تقديم الخدمات الطبية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الصحة العراقية قوله إن: الخدمات الطبية على الورق فقط ولم يحدث شيء في هذا المجال.
وبينما قالت الصحيفة إن الخبراء أعربوا عن قلقهم ازاء اثار الصفقة العراقية على مستقبل امن الطاقة في لبنان، نقلت الصحيفة عن الباحث في معهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت مارك أيوب قوله محذرا من الاكتفاء بالاعتماد على الوقود العراقي، مضيفا "ربما تقرر الحكومة العراقية يوما ما وقف العقد، ما البديل الذي لدينا؟".
وخلصت الصحيفة إلى أن الحكومة اللبنانية تراهن على ما يبدو على حسن علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بما يمكنها من تخطي أي خلافات مالية محتملة، حيث تعتمد خطة الطوارئ المطروحة حالياً، على فرضية أن العقد العراقي سيتم تجديده.