نفط الوسط.. تغييب لثروة محافظات فقيرة وتراكم لديون البترودولار
انفوبلس - تقرير
كيف يمكن لمواطنين في بلد يعتبر ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك، أن يعانوا كل هذا الفقر ويغرقوا في البطالة؟ سؤال تسهل الإجابة عنه، حين معرفة حجم الفساد الذي امتصّ دماء الاقتصاد العراقي لسنوات متواصلة.
تغيب عن بيوت العراقيين المياه الصالحة للشرب، وكذلك الكهرباء، وتتضاءل جودة الخدمات العامة إلى درجة عدم ثقة المواطنين بالخروج من المستشفيات أحياء، وسط تدنٍّ كبير في مستويات التعليم. أما الطرقات المتهالكة والبنى التحتية ووسائل النقل، فهي غالباً لا توحي بأن هذا البلد يتلقّى مليارات الدولارات شهرياً من المبيعات النفطية.
*نفط العراق
تحتوي أرض العراق ثروة نفطية كبيرة، وهو يحتل المركز الخامس عالمياً باحتياطي النفط، كما أنه يعد المحرك الأساس للاقتصاد العراقي، مع بنية تحتية كبيرة من آبار ومصافٍ وخطوط نقل.
يحتلّ العراق المركز الخامس عالمياً باحتياطي نفط يبلغ 148 ملياراً و800 ألف برميل، وهو ثاني أكبر بلد منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بعد السعودية، بمتوسط إنتاج يبلغ 4.6 ملايين برميل يومياً في الظروف الطبيعية، وهو يعتمد على إيراداته لتمويل ما يصل إلى 95% من نفقات الدولة، ويخطط للوصول إلى إنتاج 8 ملايين برميل يومياً خلال العقدين المقبلين.
حقول النفط العراقية
تتركّز حقول النفط المنتجة في محافظتي البصرة وكركوك. وتأتي بعدها في الأهمية حقول محافظات ميسان وبغداد وصلاح الدين وديالى ونينوى.
أبرز حقول الجنوب العراقي
- حقل الرميلة الشمالي
هو عملاق الحقول العراقية. يمتد من غرب مدينة البصرة متجهاً جنوباً حتى يدخل الجزء الجنوبي منه في دولة الكويت، وهو تاسع أعظم حقل نفطي عالمي، ويعدّ بطبقاته أجود أنواع النفط. يعود تاريخ استغلاله إلى تشرين الثاني/نوفمبر 1970، ويتم استخراج النفط من حقول الرميلة تحت إشراف شركة نفط الجنوب في البصرة.
- حقل مجنون
هو حقل عملاق في محافظة البصرة، ينتج حوالى 100 ألف برميل يومياً، رغم أن طاقته الإنتاجية قد تبلغ 600 ألف برميل يومياً في حال تم تطويره.
- حقل نهر عمر
يقع في محافظة البصرة أيضاً، وله مكامن عديدة غير مطورة، وما زال إنتاجه متواضعاً، إذ يبلغ حوالى ألف برميل يومياً. وقد تصل طاقته بعد التطوير إلى حدود 500 ألف برميل يومياً.
- حقل غرب القرنة
من أكبر حقول النفط العراقية في محافظة البصرة. يمثل هذا الحقل الامتداد الشمالي لحقل الرميلة الشمالي. وقد بدأ الإنتاج فيه في العام 1973، وهو ينتج 300 ألف برميل يومياً، ويمكن أن يصل إلى حوالى 700 ألف برميل يومياً في حال تم تطويره.
أبرز حقول النفط الوسطى والشمالية
- حقل كركوك
يعدّ حقل كركوك خامس أكبر حقل في العالم من حيث السعة، وهو عبارة عن هضبة يقطعها نهر الزاب الصغير. يتراوح عمق آباره بين 450 متراً و900 متر، ويبلغ معدل إنتاج البئر الواحدة 35 ألف برميل يومياً. ويقدر الاحتياطي النفطي الموجود في كركوك بحوالى 13 مليار برميل، أي أنه يشكل حوالى 12% من إجمالي الاحتياطي العراقي من النفط.
- حقل باي حسن
يقع غرب حقل كركوك بشكل موازٍ له في الاتجاه. وتعدّ آبار حقل باي حسن أعمق من آبار حقل كركوك. بدأ الإنتاج فيه منذ حزيران/يونيو 1959.
- حقل جمبور
يقع شمال شرق مدينة كركوك، وهو موازٍ لحقلي كركوك وباي حسن. وقد بدأ الإنتاج فيه منذ آب/أغسطس 1959.
- حقل شرق بغداد
له امتدادات شمالية في محافظة صلاح الدين، وإمدادات جنوبية في محافظة واسط، ويبلغ إنتاجه حوالى 20 ألف برميل يومياً، بينما يقدر إنتاجه الكلي، في حال تم تطويره، حوالى 120 ألف برميل يومياً.
ومن حقول النفط الشمالية: حقل خبار في محافظة التأميم، وحقل عين زالة الناضب في محافظة نينوى، وحقل بطمة الواقع في منطقة جبلية في نينوى، وحقل صفية المتاخم للحدود السورية، وحقل القيارة في نينوى أيضاً.
ومن حقول الشمال حقل تكريت وحقل عجيل وحقل بلد، والتي تقع كلها في محافظة صلاح الدين. كما يقع حقل نفطخانة في محافظة ديالى في وسط البلاد.
صادرات النفط العراقية
خلال النصف الأول من العام 2021، شهد العراق ارتفاعاً في إيرادات الصادرات النفطية على أساس سنوي، بنسبة 61.95% خلال النصف الأول من العام 2021، بزيادة قيمتها 12.69 مليار دولار مقارنة مع إيرادات الفترة المماثلة من العام الماضي. وبلغت قيمة صادرات النفط الخام العراقي 33.18 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، مقابل 20.49 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام 2020.
وارتفعت الصادرات خلال شهر نيسان/أبريل بأعلى وتيرة في النصف الأول من العام 2021، بزيادة بلغت 267.5% على أساس سنوي، وبما يعادل أكثر من 4 مليارات دولار. وسجل شهر حزيران/يونيو أعلى مستوى للصادرات خلال النصف الأول من العام 2021، بواقع 6.14 مليار دولار، محققاً زيادة سنوية بنسبة 113.95%.
*أين تذهب أموال النفط؟
ويذهب رئيس مركز التفكير السياسي في العراق إحسان الشمري بعيداً في تشخيص ظاهرة هدر أموال الدولة وضياعها، ويرى أن السبب الرئيس يتمثل في صراع العراق حول المغانم، "فهناك من ينظر إلى الدولة بكل مؤسساتها وهيئاتها على أنها جزء من احتكارات سياسية، وبالتالي ينظرون إلى ما يحصلون عليه من مناصب في الدولة من خلال ما يحصلون عليه من التوافقية السياسية والمحاصصة على مؤسسة من مؤسسات الدولة أي كان عنوانها، وزارة أو هيئة أو غيرها من تسميات، لأنه استمرار لعملية التمويل لأحزابهم وزعاماتهم، بل وتمويل الدول والجيوش والجهات الخارجية التي تدعمهم، ولذلك فإن السلطة التنفيذية توظف للنفوذ والشريان المالي لهذه القوى".
ويضيف، "المحاصصة والمغانم من القوى والأحزاب هي سبب تبديد ثروات العراق منذ العام 2003 وحتى الآن، وأيضاً هناك سيطرة دول وجهات خارجية على عائدات العراق سواء كانت عائدات نفطية أم استثمارية ومشاريع اقتصادية، فهناك دول مسؤولة عن عملية الهدر الجاري منذ 18 سنة وحتى اليوم، وتحولت بعض الزعامات إلى أدوات لهذه المشاريع الخارجية، فظاهرة الفساد في العراق أكبر من أنها فعل داخلي، لأنها في حقيقتها خارجية بالتحديد لتثبيت الفساد واستمراره بهذه الكثافة، وهناك مغذياته ومن يقدم الحصانة والحماية للفاسدين، وتتمثل في دول وجهات خارجية بل حتى شركات، والأمر لا يرتبط كلياً بالأحزاب، فهناك أصحاب رؤوس أموال باقون في الداخل ومتورطون بشكل كبير في قضايا الهدر والفساد، وهؤلاء محميون بالأساس من دول خارجية إضافة إلى غطاء سياسي من قبل هذه الأحزاب".
ولم يشهد العراق ظواهر كهذه منذ تأسيسه العام 1921، ولم يشهد النظامان الملكي (1921-1958) أو العهد الجمهوري (1958-2003) هذه الثروة التي هبطت جراء زيادة أسعار النفط وفتح مدى الإنتاج له حتى فاق التريليون ونصف التريليون دولار، لكنه في الوقت نفسه لم يشهد أيضاً هدراً وسرقات للمال العام بهذه الطريقة التي جعلت العراق فقيراً يعاني خيبات أمل متوالدة".
*تغييب ثروة المحافظات الجنوبية.. البصرة نموذجاً
تعاني مدرسة الأكرمين بقضاء أبو الخصيب في البصرة من تهدم واكتظاظ فصولها، بسبب تعدد الفترات الدراسية في اليوم الواحد. وما يمنع تطوير المدرسة التي تبعد كيلومترات قليلة عن حقل السيبة الغازي في المحافظة المتخمة بالنفط، هو ببساطة "عدم وجود أموال".
ويقول مدير المدرسة، إنه طلب من مديرية التعليم تمويل مشروع تجديد مبنى المدرسة التي أنشئت عام 1972، لكن جاء الرد: "ليس هناك أموال".
وأضاف أنه يعتمد على أولياء الأمور والمتطوعين لشراء أثاث، والحفاظ على نظافة المدرسة حتى يتمكن الطلاب من الدراسة في أجواء مناسبة.
وفي مكان قريب، توجد مدرسة أخرى مهجورة، بعدما نقل طلابها إلى مدرسة أخرى. وقالت فتاة صغيرة إن المدرسة "قديمة، وقد تنهار في أي لحظة".
وبينما ترتفع المشاعل النارية من حقول النفط والغاز في العراق، يعاني العراقيون من نظام تعليمي متدهور وبنية تحتية مهترأة، فيما أشعلت البطالة والفساد الشارع في انتفاضة غير مسبوقة ضد الطبقة الحاكمة.
مفوضية حقوق الانسان، أكدت ارتفاع معدل الفقر في محافظة البصرة، مركز صناعة النفط، إلى 40 بالمئة جراء الأوضاع الاقتصادية السيئة للسكان.
والبصرة تعد مركز صناعة النفط في العراق، وتنتج نحو 3.4 ملايين برميل يومياً، كما أنها المنفذ البحري الوحيد بالعراق والمطل على الخليج العربي.
وذكرت المفوضية، أن ثروات المحافظة لا تجلب على سكانها سوى "المزيد من الآثار القاتلة من الأمراض والبطالة ونقص في الحرث والنسل".
وطالبت المفوضية الحكومتين الاتحادية والمحلية، بتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل وتوزيع عادل للثروات في البلاد؛ ودعت إلى تشريع قانون للنفط والغاز لإنصاف المحافظات المنتجة للخام.
*موارد كبيرة رغم الفقر
البترول
يملك العراق خامس احتياطي للنفط في العالم، بواقع 143 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة، واعتبارًا من عام 2012 ينتج العراق 3.4 ملايين برميل من النفط يوميًّا من 2000 بئر نفط تمَّ حفرها بالفعل.
في سبعينيات القرن الماضي، أنتجَ العراق براميل أكثر قليلًا في اليوم، لكن العقوبات التي فُرضت على البلاد عام 1990 بعد غزوها للكويت أثّرت بشكل كبير على قطاع النفط، حيث مُنعت من تصدير النفط حتى عام 1996، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 85%.
رغم رفع العقوبات في عام 2003، إلا أن الصراعات المستمرة أعاقت تنمية الموارد النفطية في العراق، وأدت عقود من الحرب والاضطرابات إلى حالة من عدم اليقين بشأن احتياطيات النفط في البلاد، حيث تقدِّر وزارة الطاقة الأمريكية أن العراق لديه 112 مليار برميل، بينما تقدِّر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية 78 مليار برميل.
غاز طبيعي
يقدَّر الاحتياطي الطبيعي من الغاز العراقي بـ 132 تريليون قدم مكعب -حسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)-، أُحرق 700 مليار قدم مكعب منه نتيجة ضعف القدرة على استغلاله، مع بلوغ إنتاجه اليومي من الغاز الطبيعي المصاحب 2.7 مليار قدم مكعبة، ويستهدف وصوله إلى 3.1 مليارات قدم مكعبة، ويقدَّر بنسبة 1.5% من الاحتياطي العالمي من أوبك، و1.8% للاحتياطي العالمي، ويحتل المرتبة 11 عالميًّا بالنسبة إلى الترتيب الدولي.
ومع ذلك، يعتقد العديد من الباحثين أن آفاق احتياطيات الغاز الطبيعي في العراق قد تصل إلى ضعف التقديرات الحالية، حيث توجد احتياطيات الغاز الطبيعي في العراق بشكل رئيسي في مناطق قريبة من احتياطيات النفط.
فوسفات
الشرق الأوسط منطقة فوسفاتية معروفة، ومع ذلك لا تحظى احتياطيات الفوسفات في العراق بشعبية مثل الاحتياطيات الأخرى في المنطقة نفسها.
تُعتبر رواسب الفوسفات في البلاد جزءًا من حزام تيثيان الفوسفاتي، وتستضيفها الصخور الرسوبية الأيوسينية والباليوسينية وأواخر العصر الطباشيري التي تحيط بالجعارة، حيث أبلغ العراق عن وجود 22 حقلًا من الفوسفات، مع وجود جميع الاحتياطيات في المنطقة الغربية من البلاد.
كبريت
بحسب وزارة الصناعة العراقية، يملك العراق أكثر من نصف احتياطيات العالم من الكبريت في الشمال، وتقول الوزارة إنه بينما يُقدَّر الاحتياطي العالمي بـ 600 مليون طن، تقدَّر حصة العراق منها بقرابة 360 مليون طن.
وعن مساحة الحقول وأعدادها، تقول الوزارة إن كبريت المشراق شمال العراق يتكوّن من 3 حقول، حيث يقدَّر احتياطي الحقل الأول بـ 65 مليون طن، فيما يبلغ احتياطي الحقل الثاني 66 مليون طن، أما الثالث (الأكبر) فتبلغ احتياطاته 224 مليون طن.
الأراضي زراعية
يتمتّع العراق بوجود أجود أنواع التربة وأكثرها خصوبة على مستوى العالم، ومثّلت الزراعة 18% من الناتج الاقتصادي المحلي عام 1995، إلا أنه وبعد 30 عامًا من الحروب والنزاعات تدهور هذا القطاع بشدة، إلى أن أصبح بالكاد يمثل 2% من الناتج الاقتصادي عام 2019.
رغم أن العراق جافّ بشكل رئيسي على مدار العام، إلا أن الزراعة لا تزال تلعب دورًا رئيسيًّا في تنمية الاقتصاد، واعتبارًا من عام 2014 يعمل ما يقارب 12% من إجمالي مساحة الأراضي بالزراعة، حيث تعتبر السهول الرسوبية الخصبة على طول ضفاف نهرَي دجلة والفرات مناطق زراعية مهمة وتخضع للزراعة المكثفة.
ومع ذلك، يستخدم المزارعون في مناطق أخرى نظام الريّ لمواجهة المناخ الجاف الشبيه بالصحراء، وتشمل المنتجات الزراعية الأولية في العراق الأرز والقمح والشعير، بالإضافة إلى ذلك تنتج الدولة أيضًا نسبة كبيرة من تمور العالم.
خط الفقر يحصد المزيد
رغم الموارد الكبيرة التي يتمتّع بها البلد، إلا أن خط الفقر آخذٌ بالازدياد بصورة متصاعدة، خاصة مع تأثر العراق بالأزمات الداخلية والخارجية، فما أبرز أسباب الفقر في العراق؟
1. الفساد
الفساد منتشر على جميع مستويات الحكومة في العراق، ففي عام 2021 قال الرئيس برهم صالح إن 150 مليار دولار من أموال النفط تمَّ تهريبها من العراق في صفقات فاسدة منذ الغزو عام 2003.
منذ عام 2013 إلى عام 2021، أظهر مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية تصورًا بأن القطاع العام العراقي فاسد بشكل خطير، فعلى مقياس من 0 إلى 100، ظلت أرقام العراق منخفضة وتراوحت ما بين 16 -23 نقطة، وهي درجات منخفضة جدًا تدل على انعدام الشفافية. فمثلًا في عام 2021 كانت أدنى وأعلى الدرجات في المؤشر حول العالم هي 11 و88، وعندما تمَّ تصنيف 180 دولة في مؤشر عام 2021 حصل العراق على 23 درجة في المرتبة 157 من أصل 180.
إن الفساد في العراق ليس ظاهرة فردية، بل تحول إلى قانون بُنيت عليه الدولة برمّتها، خير مثال على ذلك عدم قيام مجلس النواب بالتحقيق مع أي وزير منذ بداية الفترة التشريعية السابقة وحتى انتهاء عملها بحلول الانتخابات، رغم وجود عدد من الطلبات للتحقيق في عدة وزراء قدموا إلى رئاسة المجلس، حيث يلجأ بعض الممثلين إلى التلويح بورقة التحقيق الخاصة بوزير أو آخر لتحقيق مكاسب ذاتية.
فوفقًا لتقرير عام 2021 الصادر عن هيئة النزاهة، تمَّ إصدار مذكرات استدعاء لـ 52 وزيرًا أو من في حكمهم، كما تمَّ إصدار حوالي 491 استدعاء ضد 329 من كبار المسؤولين من ذوي الدرجات الخاصة، كما ذكر تقرير المفوضية لعام 2018 أن أكثر من 3000 متّهم أُحيلوا للقضاء، بينهم 11 وزيرًا و157 فردًا من ذوي الدرجات الخاصة.
بصورة عامة، تساعد المعاملات الفاسدة والمنافسة بين الكتل السياسية في دفع الفساد داخل الحكومة، وفي كثير من الأحيان تضغط الكتل السياسية العراقية على بعضها لقبول صفقات المصلحة الذاتية أو تقديم تنازلات، والتي تعود بالفائدة على تلك الكتل أكثر ممّا تعود بالفائدة على الدولة العراقية وشعبها.
هذا الاستبداد في المنافسة بين الأحزاب والكتل السياسية له عواقب سلبية بطبيعة الحال على تحسين وصيانة خدمات الدولة، وبالتالي على الظروف المعيشية للشعب العراقي، ما يؤثر على الوصول إلى المرافق الأساسية والتعليم والرعاية الصحية، وما يفضي في النهاية إلى إنفاق كبير -دون نتيجة- على البنية التحتية، وانعدام إمكانية افتتاح مشاريع تساعد على رفع المستوى المعيشي للمواطنين.
تعدّ أزمة الكهرباء واحدة من أبرز حالات الفساد في عراق ما بعد عام 2003، ففي عام 2016 أعلنت إدارة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي عن بناء محطة كهرباء في البصرة بقدرة 400 مليون دولار بطاقة 500 ميغاواط، لكن المحطة الجديدة كانت تعمل بالغاز بدلًا من النفط، رغم كون العراق دولة منتجة للنفط، ما يكلف العراق ملايين الدولارات سنويًّا من واردات الغاز.
في مثل هذه الصفقات، المافيات هي المسيطرة على الوزارات وصنّاع القرار الحكوميين الذين يستفيدون من مثل هذه الصفقات الفاسدة التي أضعفت الدولة وأفلست الخزينة، وقادت البلاد إلى معدل مرتفع من الاقتراض الخارجي أدى إلى زيادة الديون الكبيرة بالفعل.
وبالرغم من أن مليارات الدولارات جرى إنفاقها في السنوات الماضية على قطاع الكهرباء، وكانت كافية لبناء شبكات كهربائية حديثة، لكن الفساد والهدر المالي وسوء الإدارة حالت دون حل هذه المشكلة، إذ بقي المواطنون يعانون من حرارة الصيف دون كهرباء، وهي نتيجة طبيعية لحجم الفساد في وزارة الكهرباء والذي وصل إلى قرابة 41 مليار دولار منذ عام 2003.
وبالمثل، يشلّ الفساد في العراق المؤسسات الصحية في البلاد، والتي أصبحت هشاشتها وعيوبها واضحتَين خلال جائحة كوفيد-19، حيث لا يزال المواطنون العراقيون يفتقرون إلى إمكانية الحصول على العلاج والرعاية الصحية الملائمَين في المستشفيات الحكومية.
في عام 2019، خلال فترة الأمن والاستقرار المقارن، كانت ميزانية العراق 106.5 مليارات دولار، لكن الحكومة العراقية في ذلك الوقت خصصت 2.5% فقط من الميزانية لوزارة الصحة، بينما أعطت 18% للأمن و 13.5% للوزارة.
وفقًا لتقرير وكالة "رويترز" للأنباء، الذي أشار إلى بيانات منظمة الصحة العالمية، أنفقت الحكومة العراقية على الرعاية الصحية للفرد مبلغًا أقل بكثير من الدول الأكثر فقرًا خلال السنوات العشر الماضية، وبلغ نصيب الفرد العراقي من هذا الإنفاق ما يقارب 161 دولارًا في المتوسط، مقابل 304 دولارات في الأردن و649 دولارًا في لبنان.
كما أثّر الفساد على المؤسسات التعليمية، بعد ريادتها للمنطقة في مجال التعليم خلال السبعينيات، حيث أهمل العراق منذ ذلك الحين نظامه التعليمي، وغابت البلاد عن مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2015-2016.
ونتيجةً للفساد والإهمال اللذين أدّيا إلى انخفاض مستوى التعليم وانعدام فرص العمل لخريجي الجامعات العراقية، غالبًا ما يختار الخريجون العمل في مجالات أخرى مختلفة عمّا درسوه في الجامعة أو المعهد.
يُضاف إلى ذلك، ظاهرة ترك الدراسة للالتحاق بالعمل، إذ تتوفر العديد من فرص العمل بالوظائف الحكومية بفضل نظام المحاصصة الطائفي الذي يسمح لكثير من غير المؤهلين من الالتحاق بالمكاتب الحكومية بناءً على الانتماء الطائفي أو الحزبي، بينما يفتقد الآخرون هذه الميزة، حتى لو كانوا من المؤهلين.
لذلك، شهد الشباب العراقي ارتفاع معدلات البطالة في بلادهم في ظل الحكم الفاسد، ففي عام 2018 بلغ معدل الفقر في العراق نحو 20%، لكنه ارتفع في العام الحالي إلى 31.7%، بحسب بيان إعلامي لوزير التخطيط العراقي خالد بتال النجم.
يتزايد معدل الفقر بشكل ملحوظ في المحافظات الجنوبية الفقيرة أصلًا، ففي محافظة المثنى بلغ معدل الفقر 52%، وارتفع معدل البطالة من 22.6% عام 2018 إلى 40% هذا العام.
ومن عواقب الفساد الأخرى في العراق عدم الاستقرار الأمني وخوف الشركات العالمية من دخول العراق للاستثمار، بعد تعرض العديد منها للابتزاز وإجبارها على القيام بصفقات وهمية، ما يعقّد عملية تنمية البلاد، لا سيما في المناطق التي دمّرها النزاع المسلح الأخير، حيث لا تزال المدن في حالة خراب، وعملية إعادة بنائها متعثّرة.
مع هذه النكسات المؤسسية، من المرجّح أن يستمرَّ تأثير الفساد في دفع العراقيين إلى الشوارع في حركة مستمرة بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حيث رغم ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا، يواصل المتظاهرون حركتهم الشعبية من أجل تسريع تحقيق مطالب عجزت الحكومات السابقة عن تحقيقها.
وأبرز هذه المطالب القضاء على الفساد وإتاحة فرص العمل، في وقت تعاني فيه مؤسسات الدولة من وجود عمّال عاطلين عن العمل، تمَّ تعيينهم حسب المحاصصة الحزبية والمحسوبية أو الانتماء الديني والطائفي.
2. السياسات الاقتصادية والحكومية
تقدِّر وزارة المالية أن 7 ملايين عراقي (من حوالي 40 مليون مواطن)، يتلقون رواتب حكومية أو معاشات تقاعدية، وتواجه الحكومة عادة مشكلة في دفع الرواتب مع حصول أزمات اقتصادية، تمامًا كما حصل وقت الجائحة، حين انخفضت عائدات النفط بشكل كبير، إذ كانت الحكومة تدفع رواتبها ومعاشاتها بشكل متقطع أو لا تدفع على الإطلاق، ويقول الاقتصاديون إن هذه السياسات هي أحد أهم أسباب ارتفاع معدل الفقر بشكل متواصل في العراق.
على مدى العقدَين الماضيَين، خلق الفساد مشكلة ذات رأسَين للعراق، حيث عنى وجود الحكومات الضعيفة والشمولية أن كل حزب سياسي كبير يمكنه إدارة وزارة واحدة أو أكثر، كما أنهم لا يديرون هذه البيروقراطيات لصالح البلاد، إنما كشبكات محسوبية ضخمة.
إنهم عبارة عن آلات فساد تمتصّ عائدات النفط من الخزانة وتمررها إلى جمهورها في شكل وظائف وعقود وامتيازات أخرى، وقد أدّى انتشار الكسب غير المشروع إلى خنق ما كان يمتلكه القطاع الخاص الصغير في العراق من قبل، ما يعني أنه لا يوجد الكثير من البدائل لوظائف القطاع العام.
نتيجة لذلك، أصبحت الحكومة الآن أكبر وكالة توظيف في البلد، حيث تعتمد نسبة كبيرة من السكان على الدولة لكسب عيشها، إمّا بشكل مباشر من خلال الرواتب والمعاشات التقاعدية، وإمّا بشكل غير مباشر من خلال العقود أو توفير السلع والخدمات لمن هم في كشوف المرتّبات الحكومية.
حتى الشركات الصغيرة في العراق تعتمد في النهاية على الحكومة، لأن الكثير من عملائها -خاصة في المدن الكبرى- يتلقّون رواتبهم من الحكومة بطريقة أو بأخرى، علاوة على ذلك لا تزال الحكومة العراقية تقدم "سلة غذاء" شهرية عبر نظام التوزيع العام، وتظل عنصرًا مهمًّا في الحياة اليومية للطبقة العاملة والفقراء العراقيين.
لذلك ليس من المستغرب أن تكون هناك زيادة بمقدار 3 أضعاف في عدد العاملين بالقطاع العام منذ عام 2004، وتدفع الحكومة رواتب تزيد بنسبة 400% عمّا كانت عليه قبل 15 عامًا، وهكذا أصبحت الحكومة وعائداتها النفطية المحركَين الرئيسيَّين للاقتصاد العراقي والمزوّد للشعب العراقي.
وقد تسبّبت هذه السياسة في مركزية شديدة في إدارة الاقتصاد وربط المستوى المعيشي بأداء الحكومة مباشرة، وهو ما أدّى إلى أمرَين:
- وجدت الحكومة نفسها مطالبة بزيادة عدد الموظفين في كل عام، في ظل انحسار القطاع الخاص الناتج عن سياساتها الاقتصادية.
- مطالب مستمرة بزيادة الموازنة العامة، وهو ما جعل الاقتراض بندًا ثابتًا منذ العام 2010، وصلت معه قسمة الديون إلى 114 مليار دولار.
طوال تلك السنين، بدأت الفجوة تتسع شيئًا فشيئًا، فكانت الطبقة السياسية في العراق تحاول تأخير اتّساعها من خلال الاقتراض لا أكثر، ومع إضافة الخسائر المهولة نتيجة الفساد في "عدد الموظفين، مزاد العملة، المنافذ الحدودية، المنافذ الداخلية التي تقيمها الميليشيات، دخول "داعش"، الفساد في المشاريع الخدمية"، وصلت الدولة إلى الحد الذي أصبحت فيه خزانتها التشغيلية خاوية، وكان أول ما فعلته هو الاقتراض من الاحتياطي الوطني، ثم تخفيض سعر الصرف لتقليل الفجوة بين العجز والمصاريف.
يقول الخبير الاقتصادي زياد داوود لوكالة "بلومبيرغ": "كان التخفيض في قيمة العملة حتميًّا نظرًا إلى انخفاض أسعار النفط وضغوط الميزانية التي يواجهها العراق. تقول الحكومة إن هذا حدث لمرة واحدة ولن يتكرر، لكننا سنرى ما إذا كان الأمر كذلك. من المهم أيضًا مشاهدة الاستجابة الشعبية والزيادة الناتجة في تكاليف المعيشة وبرنامج التقشف الحكومي".
هذه الخطوة ليست إلا إبرة تخدير تحول دون الوصول إلى مرحلة ستضطر فيها الحكومة يومًا ما إلى إنفاق آخر دولار في الاحتياطي النقدي الذي يغطي العملة.
*صندوق البترودولار
كان المتفق عليه في برنامج البترودولار للمحافظات المنتجة للنفط والغاز والمنتجات النفطية من المصافي هو تخصيص دولار لكل برميل منتج للمحافظة واستخدامه في تطوير المحافظة، بحسب خبير الطاقة بلال الخليفة.
ويؤكد الخلية أنه "ولأول مرة تم اقتراح هذا الموضوع هو في موازنة عام 2010، حيث إن مادة قانونية "تم تضمينها في الموازنة عام 2010 تلتزم بموجبها وزارة المالية منح المحافظات المنتجة للنفط 5 دولارات خفضت لاحقا إلى دولارين، عن كل برميل نفط ينتج في تلك المحافظات، وهو إجراء كان معمولا به في العراق حتى 2015".
ويتابع، "في موازنة عام 2014، تم زيادة المبلغ من واحد دولار للبرميل المنتج إلى دولارين، أما في موازنة عام 2016، ونص القانون على أن يعتمد مبلغ يعادل 2 دولار عن كل برميل نفط خام منتج في المحافظة و2 دولار للبرميل نفط خام مكرر في مصافي المحافظة و2 دولار عن كل 150 مترا مكعبا من الغاز الطبيعي في المحافظة".
وينص القانون أيضا على أن "يخصص مبلغ 1 تريليون و752 مليارا و238 مليون دينار كمشاريع إلى المحافظات والأقاليم المنتجة من أصل التخصيصات المشار اليها في المادة 2 من القانون وللمحافظ بعد مصادقة مجلس المحافظة حق التصرف واستخدام ما بما لا يزيد عن 50 بالمية من التخصصات المذكورة لغرض استيراد الطاقة الكهربائية أو تقديم الخدمات للمحافظة وتنظيفها والنفقات الجارية وحسب احتياجات المحافظة، بحسب الخليفة".
ويكمل الخليفة، "بعد ذلك قرر مجلس الوزراء بزيادة الرقم إلى خمسة دولار للمحافظة المنتجة للنفط في مقابل كل برميل مصدر، في زمن وزير المالية الصافي وفي الموازنة التي لم تقر وذلك لان الموازنة أصلا تعاني من عجز فكيف تستقطع مبالغ إضافية منها".
ويؤكد، أن "الموازنة العامة الاتحادية لعام 2017 اشارت في الفقرة هـ من المادة الأولى الخاصة بالعائدات النفطية للمحافظات المنتجة للنفط (البترودولار)، والتي كانت موجودة أصلا في مسودة موازنة العام 2017.
ويلفت الخليفة إلى أنه "في الأخير وفي موازنة عام 2021، وفي مسودة الموازنة، تم كتابة تخصيص 5% من المبالغ التي يتم استحصالها من إنتاج النفط والغاز، ولكن أيضا تم الطعن بالقرار من قبل المحكمة الاتحادية رقم القرار 35/اتحادية/2021 ولم ينفذ والسبب هو عدم مقدرة سد العجز بالموازنة".
ويتابع، "حيث تم تقديم الطعن من قبل الحكومة أمام المحكمة الاتحادية العليا بخصوص قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 23 لسنة 2021 بصدد الطعن في نص المادة (2-أولا -8) التي تتضمن تأسيس صندوق البترودولار في جميع المحافظات المنتجة للنفط الخام أو المكرر أو الغاز يُدار من قبل المحافظ المعني ويجري تمويله شهرياً من زيادة فرق السعر الحاصل في أسعار بيع النفط الخام على السعر المُثبت في قانون الموازنة".
وفي حسابات بسيطة ولنأخذ النفط المنتج فقط دون المنتجات والغاز وغيرها، فسيكون كالاتي:
4 مليون دولار هو النفط المنتج اليومي *365 يوم في السنة، سيكون الناتج هو 1460 مليون دولار سنوي اما حصة البصرة فقط فسيكون حوالي مليار دولار سنويا ومثلما قلت من النفط فقط، ومجموع الأموال فسيكون بحدود 12 مليار للبصرة فقط وبعض السياسيين يقول ان المجموع الكلي هو 25 مليار دولار مع الإيرادات الأخرى.
*خلاصة خبير الطاقة
- إن قانون البترودولار، تم تشريعه بقوانين الموازنات العامة الاتحادية عدا الموازنة الأخيرة لان المحكمة الاتحادية رفضت ذلك ووضحنا ذلك في أعلاه. وان المعترضين عليه هم نواب المحافظات غير المنتجة للنفط.
- أن الحل لهذه المسالة يكون تفعيل المشروع في حال وجود وفرة مالية ولمدة محدودة لعدة سنوات لان المحافظات المنتجة للبترول تعاني من التلوث والأمراض نتيجة الانبعاثات الكربونية التي يقدر حجمها من الغاز المحترق فقط هو بحدود 34 مليون طن من الكاربون سنويا.
- اما حلول آنية وانفعالية لتقليل معاناة المواطن بتخصيص مبالغ لكل فرد من النفط المنتج، هي غير صحيحة والمفروض الذهاب مع المطالبين بتأسيس صناديق سيادية يودع فيها نسيبة من الإنتاج وليكن بمقدار دولار لكل برميل ينتج او ما يكافئه، ويكون له صلاحية استثمار هذا المبلغ بغرض زيادته وان يتم ذلك في مختلف الصور مثل تمويل الأعمال الاستثمارية الرابحة أو الدخول كشريك ممول للمشاريع.
- إعطاء تخصيصات إضافية للمحافظات المنتجة لغرض تحسين الواقع المعيشي وتقليل مخاطر الامراض نتيجة الملوثات الناتجة عن العمليات النفطية.
- لو اردنا تحويل المبلغ لعام واحد الى مدارس، وفرضنا ان كلفة انشاء المدرسة هو مليار دينار، لكان عدد المدارس المنفذة بالمبلغ ولعام واحد هو 1500 مدرسة، ويعني ان العراق من الممكن ان يحل مشاكلة بعام او عامين.