هل سعر الدولار في السوق الموازي يهم المواطن أم تجار العملة؟.. حديث عن فرض عقوبات على البنك المركزي
انفوبلس/ تقرير
تسبب قرار وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات جديدة على 14 مصرفا عراقيا بعد أشهر من فرض عقوبات مماثلة على 4 بنوك مهمة بسبب تعاملات مالية يقال عنها مخالفة وأخرى مرتبطة بعمليات غسل أموال، بردّ فعل سريع داخل العراق، حيث أدى إلى تراجع قيمة الدينار أمام الدولار، وظهور حديث عن إمكانية فرض عقوبات على البنك المركزي العراقي.
تستمر أسعار صرف الدولار في العراق بالارتفاع، حتى تجاوز حاجز 155 ألف دينار مقابل كل 100 دولار.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخراً، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة منعت 14 بنكا عراقيا من إجراء معاملات بالدولار. وجاء في تقرير الصحيفة أن الحظر، الذي فرضته وزارة الخزانة وبنك الاحتياط الفيدرالي، يأتي في إطار "حملة شاملة على تحويل العملة الأميركية إلى إيران".
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة كشفت معلومات تفيد بأن البنوك العراقية شاركت في غسل أموال ومعاملات احتيالية، ربما شارك في بعضها أفراد مشمولون بالعقوبات، وأثارت مخاوف من أن إيران قد تستفيد من هذه المعاملات.
ويقول مسؤول في البنك المركزي العراقي، إن "إدارة البنك تلقت بشكل رسمي فرض العقوبات الأميركية على عدد من المصارف، والتي شملت كلا من مصرف المستشار الإسلامي للاستثمار والتمويل، مصرف القرطاس الإسلامي للاستثمار والتمويل، شركة طيف العراق، مصرف إيلاف، مصرف أربيل للاستثمار والتمويل، البنك الإسلامي الدولي، مصرف عبر العراق، مصرف الموصل للتنمية والاستثمار، مصرف الراجح، مصرف سومر التجاري، مصرف الثقة الدولي الإسلامي، مصرف أور الإسلامي، مصرف العالم الإسلامي للاستثمار والتمويل، مصرف زين العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل".
وتابع المصدر: "عملت إدارة البنك المركزي على إيقاف كل التعاملات بالدولار مع تلك المصارف ومنعها من دخول مزاد العملة".
وبين المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن العقوبات موضعية لافتاً إلى أن الأخيرة "لن توقف كل أعمال المصارف هذه، لكن سيتم فقط منعها من التعامل بالدولار، فيما العمليات المصرفية الأخرى لن تتأثر بالعقوبات المفروضة، خصوصاً أن تلك المصارف لديها حسابات مصرفية لمواطنين بمليارات الدنانير، كذلك لدى تلك المصارف الكثير من رواتب الموظفين المُوطّنة فيها، فهذه الأعمال ستبقى مستمرة بشكل طبيعي".
وأضاف، أن "فرض العقوبات الأميركية على 14 مصرفاً عراقيا، سيكون له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي والمالي العراقي، وهذه العقوبات سيكون لها تداعيات على رفع سعر صرف الدولار في السوق المحلي، فمنع تعامل هذه المصارف بالدولار سوف يسبب شحة جديدة في العملة الأميركية، وسيكون هناك لجوء من جديد لشراء الدولار وسحبه من السوق مما يرفع قيمته".
وختم المصدر المسؤول في البنك المركزي العراقي أنه "بحسب المعلومات الواردة من وزارة الخزانة الأميركية، هناك مجموعة مصارف عراقية أخرى، قد تطالها العقوبات خلال الفترة المقبلة، بسبب رصد أنشطة لها غير شرعية في إرسال العملة إلى إيران، خصوصاً أن الحوالات المالية بالدولار كلها مراقبة بشكل دقيق من قبل الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي الأميركي".
ويذكر بيان المركزي الذي صدر مؤخرا أن "منع مصارف عراقية من التعامل بالدولار جاء على خلفية تدقيق حوالات المصارف للسنة الماضية (2022)، وقبل تطبيق المنصة الإلكترونية، وقبل تشكيل الحكومة الحالية أيضًا"، مبينًا أن "المصارف المحرومة من التعامل بالدولار الأمريكي، تتمتّع بكامل الحرية في التعامل بالدينار العراقي بمختلف الخدمات ضمن النظام المصرفي العراقي، فضلًا عن حقّها في التعامل الدولي بالعملات الأُخرى غير الدولار الأمريكي".
المصارف الممنوعة من الدولار لا تشكّل طلباتها سوى 8% من مجموع التحويلات الخارجية.
وسجل الدينار العراقي اليوم الخميس 27 تموز/ يوليو 2023، في بورصتي بغداد وأربيل تراجعا حادا بواقع 1570 ديناراً للدولار الواحد، بعدما كان يتراوح بين 1450 و1460 ديناراً الأسبوع الماضي.
واعتبر الخبير الاقتصادي، نبيل العلي، ارتفاع سعر صرف الدولار المفاجئ موضوع غير مبرر إطلاقًا، متوقعًا "استمرار الارتفاع الحالي فوق 155 ألف دينار".
ويقول العلي، إنّ "صعود سعر الصرف غير مرتبط بسبب معين حتى مع العقوبات الأمريكية على المصارف العراقية الـ 14"، مبينا أنّ "السبب الوحيد الذي ممكن رمي الأزمة عليه هو تولّد مخاوف لدى التجار من عودة أزمة الصعود السابقة قبل أشهر وهذا ما جعل المتداولين يخزّنون الدولار، والمضاربون بالتأكيد يستفيدون من هذا الأمر".
خبراء الاقتصاد ومستشاري الحكومة، طرحوا جملة من الحلول، الا أن أغلبها، لم تصل لدرجة حل مشكلة أصبحت تهدد الاقتصاد العراقي بين الحين والأخر، إلا أن ما طرحه الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، قد يُعد "حلاً مجنوناً".
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في تدوينة، إن "الحل الوحيد المتاح حاليا لمعالجة أزمة سعر الصرف الحالية يتمثل بإعادة سعر صرف الدولار الى مستوى ما قبل جائحة كورونا أي إلى مستوى ١١٨٠ دينار لكل دولار".
ويضيف، إن "هذا الحل يُعد مجنونا اقتصاديا وبكلفة مالية واقتصادية مرتفعة"، لافتا الى أنه "حل مؤقت لن يعالج جوهر المشكلة ولكنه سيوقف النزيف المستمر للدينار العراقي ويعطي للسلطات النقدية فرصة للبحث عن حلول جدية لأصل الأزمة بدلا من الوعود غير القابلة للتنفيذ". ويؤكد الخبير الاقتصادي، أن "هذه الفكرة سيرفضها الاقتصاديون بعنف وسينفذها السياسيون ولو بعد حين، لأن المعركة الحالية تتعدى سعر الصرف إلى كسر العظام".
هل سعر الدولار في السوق الموازي يهم المواطن أم تجار العملة؟
يرى الباحث في الشأن الاقتصادي محمد الحمداني أن تذبذب سعر الصرف أثّر بصورة مباشرة على المواطنين، إذ إن أكثر من 95% من السلع المبيعة في الأسواق مستوردة، وأن كثيرا من التجار لا يزالون يعتمدون الطرق القديمة في الحوالات المالية التي تعتمد على سعر الصرف الموازي، وهو ما أدى لارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بصورة كبيرة.
ويبين الحمداني أن السلع الأكثر تأثرا بسعر صرف الدولار الموازي هي السلع الغذائية والاستهلاكية، لاسيما المستوردة من دول تخضع لعقوبات أميركية، لا يستطيع البنك المركزي العراقي تحويل الأموال إليها، مثل إيران وسوريا ولبنان التي يستورد العراق منها مواد غذائية وفواكه وخضراوات وملابس، فضلا عن المواد البلاستيكية وغيرها، وهو ما أثر بصورة مباشرة على المواطنين والتجار على حد سواء.
أما الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم فتقول، إن ما يتم بيعه في مزاد بيع الدولار في البنك المركزي لا يذهب للمواطنين العراقيين، بما يؤدي لفجوة كبيرة بين مبيعات المركزي العراقي والطلب الحقيقي الذي يؤدي بالمحصلة إلى فرق كبير بين سعر الصرف الرسمي والموازي، وهو ما ينعكس على أسعار السلع في الأسواق.
ويشير المواطن عمر صائب إلى أنه يضطر لشراء الدولار بسعر السوق الموازي والذي يصل أحيانا إلى 1570 دينارا للدولار الواحد بهدف شراء البضاعة في محله الكائن بمنطقة المنصور لأن التجار يرفضون بيعه بالدينار العراقي.
أما تجار العملة، فيقول "علي ع ف" صاحب شركة صرافة في منطقة الكفاح، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "هنالك أشخاصاً يجوبون بورصات بغداد لشراء أية كميات متاحة للدولار ويدفعون أعلى سعر ونحن نبيع لهم بسبب هامش الربح العالي وهم حقيقة السبب الرئيسي وراء استمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي لأنهم يشترون بأي سعر".
ويقول صاحب صيرفة في بغداد أيضا، إن "سعر صرف الدولار يتأثر بالشائعات بشكل كبير وخاصة بعد أن عاقب الفدرالي الأمريكي 14 مصرفا".
ويضيف، إن "المبيعات النقدية التي يقوم البنك بتمويلها للسوق الموازي عبر المصارف قد انخفضت بمقدار 35 إلى 40 مليون دولار ما أثّر على العرض النقدي للدولار في السوق الموازي".
ويكشف مسؤولون عراقيون، أن الشهور الأخيرة شهدت تقديم تجار العملة طلبات لاستخراج عشرات البطاقات المصرفية وإعطائها إلى المسافرين الذين يسافرون إلى بلاد قريبة لسحب الدولارات.
*حديث عن فرض عقوبات على البنك المركزي
ويوضح نائب رئيس مجلس النواب العراقي السابق بشير حداد أن وزارة الخزانة الامريكية قد تفرض عقوبات على البنك المركزي العراقي، إذا فشل في حل قضية تهريب الدولار من العراق وغسيل الأموال.
ويتابع الحداد، "أن البنك المركزي العراقي لم يتمكن من حل قضية تهريب الدولار إلى الخارج وغسيل الأموال، لذا فإن وزارة الخزانة الامريكية لن تقف مكتوفة الأيدي وتراقب الحكومة العراقية والبنك العراقي لترى ماذا سيفعلون". وأضاف، "إذا لم يتمكن البنك المركزي من حل المشاكل فإن وزارة الخزانة الأمريكية قد تفرض عقوبات عليها هذه المرة".
كما يقول الخبير الاقتصادي صفوان قصي: "إذا شعر الفيدرالي الامريكي بأن البنك المركزي متواطئ بتهريب العملات ستفرض عقوبات عليه".
بينما ينفي الخبير الاقتصادي كوران جبار أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على البنك المركزي العراقي، مؤكداً أنها "عارية عن الصحة كون البنك يتعامل مع واردات النفط العراقي وفي حال حَظْر البنك المركزي فهذا يعني أن العراق لن يصدّر الخام، ما يؤثر على الاقتصاد العالمي بسبب حجم الصادرات النفطية العراقية الكبيرة يومياً".
كما استبعد أن يكون فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً وراء ارتفاع سعر الدولار، مبيناً أن "حظر هذه المصارف ليس له تأثير كبير إذ إن حجم تعاملاتها بالدولار لا يتجاوز 1.29% واستحواذهم على الدولار لا يتخطى 8%".
ويضيف، أن "السبب الحقيقي هو تصريحات بعض المسؤولين الذين صرّحوا بأنه من المتوقع أن يتم فرض عقوبات على البنك المركزي العراقي في شهر تشرين الثاني المقبل، وهذا أثار مخاوف المواطنين ما جعلهم يحولون مدخراتهم المالية إلى الدولار، وبالتالي أدى ذلك إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية خلال الأيام الماضية".
وفي وقت سابق، طالب عضو لجنة النزاهة النيابية، هادي السلامي، بإقالة محافظ البنك المركزي، علي العلاق، بسبب عدم السيطرة على ارتفاع سعر الدولار.
كما استضافت اللجنة المالية في البرلمان العراقي، يوم الاثنين الماضي، محافظ البنك المركزي علي العلاق، وللبحث أيضاً في إجراءات البنك لاستقرار أسعار العملة.
وعلى الرغم من إقرار الحكومة العراقية حزمة إجراءات مالية كان أبرزها تثبيت سعر صرف الدينار العراقي عند 1320 ديناراً مقابل الدولار الواحد، إلا أنه ورغم مضي عدة أشهر على هذا القرار، ما زال الفارق كبيرا بين سعر الصرف الرسمي المعتمد لدى البنك المركزي العراقي وبين السوق الموازية.
وأطلق البنك المركزي العراقي منذ بداية العام الحالي تقريباً آلية عمل في منصة إلكترونية ونظام التحويل المالي الدولي "سويفت" (SWIFT)، لكن ذلك لم يسعف أسعار صرف الدولار بالاستقرار في العراق، رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي السيطرة على سعر الصرف في الأسواق الموازية (السوداء).
وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مرارا أن سعر الصرف سيتراجع فور إقرار الموازنة العامة للبلاد، وهو ما أكده عديد من المسؤولين الحكوميين طيلة الأشهر الماضية، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن.