آلية شاملة لمعالجة "اقتصاد الظل" في العراق.. خطوة لإصلاح المنظومة الاقتصادية وفوائد تنتظر التطبيق

انفوبلس/ تقارير
بعد أن استفحل وبات يمثل تحدياً كبيراً على مختلف الأصعدة، أقرَّ مجلس الوزراء مؤخراً استراتيجية وطنية شاملة لمعالجة "اقتصاد الظل" فيما شرح المختصون آلية تطبيقها. انفوبلس أعدَّت تقريرا مفصّلاً عن تلك الآلية فضلاً عن أبرز مخاطر وإشكالات هذا الاقتصاد تقرأونه عبر الرابط أدناه.
ما هو؟
يتكون اقتصاد الظل من الأنشطة التي قد تعتبر منتجة بالمعنى الاقتصادي وقانونية أيضًا (بشرط توفر معايير الالتزام بنظم معينة) ولكنها مخفية عن عمد عن السلطات العامة (من أجل تفادي دفع الضرائب مثلاً أو دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي أو الالتفاف حول معايير أو متطلبات معينة).
وهذا يعني، أن يمثل اقتصاد الظل، أو ما يُعرف بالاقتصاد غير الرسمي، يمثل تحدياً كبيراً يواجه معظم الدول النامية، ومن بينها العراق، نظراً لتأثيره السلبي في بنية الاقتصاد الوطني. وتكمن خطورته في اتساع الأنشطة غير المنظمة التي لا تخضع للرقابة أو التنظيم الحكومي، ما يعقد جهود التخطيط الاقتصادي، ويضعف قدرة الدولة على تعظيم الإيرادات غير النفطية وتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية للعاملين.
خطة إصلاحيَّة شاملة للمعالجة
في خطوة على طريق الإصلاح، أقرَّ مجلس الوزراء في السادس من أيار الجاري استراتيجية وطنية شاملة لمعالجة الاقتصاد غير المنظم، في إطار مساعٍ حكومية جدية لضبط السوق، وتحسين البيئة الاستثمارية، وتعزيز الشفافية المالية، إلى جانب دعم جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويعوَّل على هذه الاستراتيجية في دمج الأنشطة غير الرسمية ضمن النظام الاقتصادي الوطني، بما يحقق العدالة الاقتصادية ويوفر فرص عمل أكثر استقراراً وتنظيماً للمواطنين.
آلية التطبيق
بعد الخطة آنفة الذكر، فصّل أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، استراتيجيَّة معالجة "اقتصاد الظلّ" التي قرّرت الحكومة العراقية تطبيقها، وما ستستهدف من أنشطة اقتصادية، وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي.
وقال السعدي في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، إن "اعتماد الحكومة العراقية لاستراتيجية معالجة اقتصاد الظلّ يمثل خطوة محورية نحو إصلاح المنظومة الاقتصادية، ومحاولة جادة لاحتواء أحد أكبر التحديات البنيوية التي تعاني منها البلاد منذ عقود، فاقتصاد الظلّ، الذي يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة وغير الخاضعة للرقابة الحكومية، يشكّل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العراقي، وهو في كثير من الأحيان يفوق الاقتصاد الرسمي من حيث الحجم، مما يجعل من الصعب على الدولة ضبط حركة الأموال، ويفقدها مصادر مهمة للتمويل العام كالإيرادات الضريبية".
وأوضح، أن "هذا القرار لا يأتي فقط ضمن جهود تنظيم الاقتصاد المحلي، بل يرتبط مباشرة باستحقاقات دولية وإقليمية تتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث يُنظر إلى الاقتصاد غير المنظم كأرضية خصبة لمثل هذه الممارسات بسبب ضعف الرقابة عليه، وغياب الشفافية في التعاملات المالية، ومن هنا فإن معالجة هذا النوع من الاقتصاد لا تعني فقط تنظيم الأسواق، بل أيضاً حماية الأمن المالي والاقتصادي للعراق".
وأضاف السعدي، أن "فوائد هذه الاستراتيجية ستكون متعددة في حال تم تنفيذها بفعالية؛ إذ ستسهم في توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين كفاءة تخصيص الموارد، ورفع مستوى الشفافية، ما سيؤدي لاحقاً إلى تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، كما أنها ستعزز من دمج فئات واسعة من المجتمع، خاصة العاملين في القطاع غير الرسمي، ضمن شبكة الحماية الاجتماعية والتأمينات، وهو ما يعني تقليل الفقر وعدم المساواة على المدى الطويل".
وأكد أستاذ الاقتصاد الدولي، أن "نجاح هذه الاستراتيجية لا يمكن أن يتحقق من خلال قرار حكومي فقط، بل يتطلب توفّر إرادة سياسية قوية، وإجراءات إصلاحية شاملة على مستويات متعددة، تبدأ من تحسين البيئة القانونية والمؤسساتية، وتطوير النظام المصرفي، وتوسيع الشمول المالي، وتسهيل تسجيل الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وصولاً إلى حملات توعوية واسعة لتعريف المواطنين بمزايا الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي، والعراق يملك الإمكانات، لكنه بحاجة إلى رؤية تنفيذية واضحة، ومتابعة دقيقة، وشفافية في تقييم الأداء حتى تتحول هذه الاستراتيجية من قرار إلى واقع ملموس".
نبذة عن مخاطر وإشكالات اقتصاد الظل
يؤكد الخبير المالي الدكتور صفوان قصي أن اقتصاد الظل يشمل أكثر من مليونين و800 ألف عامل غير مسجل، إضافة إلى أعمال فردية وجماعية لا تخضع لأي ضوابط مهنية أو نظام ضريبي أو رقابة جمركية، وهو ما يخلق خللاً كبيراً في بنية الاقتصاد الوطني.
ويرى قصي، في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أن هذا الوضع يؤدي إلى ضعف القدرة على جذب الاستثمار، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على توفر بيانات حقيقية ودقيقة عن حاجات السوق ونوعية النشاطات الاقتصادية الفاعلة.
ولمعالجة هذا الخلل، يشدد قصي على أهمية تطوير شهادات ممارسة المهن لتصبح تخصصية، داعياً وزارة التجارة ودائرة تسجيل الشركات إلى القيام بدور رقابي فاعل، بالتعاون مع النقابات المهنية والوزارات الاتحادية، بهدف تنظيم السوق بشكل يسمح بتحديد دقيق لحاجاته، وتعزيز قدرة الاقتصاد المحلي على تلبيتها. كما دعا إلى إشراف مهني على النشاطات الاقتصادية لتطوير أدوات العمل وتحسين نوعية الخدمات والمنتجات.
وأضاف، أنه من الضروري أيضاً تطوير أدوات رصد الأنشطة الاقتصادية، من خلال إلزام الوحدات الاقتصادية – مهما كان حجمها – بفتح حسابات مصرفية والعمل بنظام السجلات المحاسبية، ما يُسهم في تتبع الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بدقة، ويعزز من شفافية السوق، ويطور من صورة الاقتصاد العراقي على المستوى الخارجي.
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي دريد العنزي أن ارتفاع الضرائب والرسوم، وما يترتب عليها من خسائر للمنتجين، يدفع بالبعض إلى إنشاء معامل ومصانع صغيرة أو متوسطة خارج النظام الرسمي.
وأضاف العنزي في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، أن "تلك الصناعات رغم كونها تعمل في الظل، إلا أنها تمثل إنتاجاً جيداً وتحظى بطلب مرتفع في الأسواق، وهي تُعرف قديماً بـ(المكوس)، وتُعدُّ ردة فعل على ارتفاع نسب الضرائب والمراقبة على المنتج المحلي". ويؤكد العنزي أن من المفترض دعم هذه المشاريع بدلاً من فرض الضرائب عليها، كونها نشأت في بيئة اقتصادية غير مستقرة، وربما تمثل نسبة كبيرة من الإنتاج المحلي.
وأشار إلى ضرورة تغيير السياسة الضريبية تدريجياً تجاه هذه الصناعات، بهدف سحبها نحو العلن ودمجها في الاقتصاد الرسمي، لما لها من قدرة على دعم التصدير وجذب العملة الصعبة وإنعاش قطاعات متعددة، لافتاً إلى أن بعض المنتجات المحلية تُغيّر هويتها لتبدو كأنها مستوردة من الصين أو اليابان أو الهند، رغم أنها صناعة محلية عالية الجودة، لكنها تبقى في الظل هرباً من الضرائب، وإذا تم احتضانها رسمياً فقد تمثل رمزاً اقتصادياً وطنياً.
من جهته، يشير مدير علاقات وإعلام وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية، العميد أحمد محمد عبيد، إلى أن الاقتصاد غير المنظم يمثل تحدياً أساسياً للاقتصاد الوطني، كونه يضم أنشطة لا تخضع للرقابة الحكومية ولا تسهم في دفع المستحقات المالية للدولة.
وقال عبيد: "ينتج عن هذا الاقتصاد مشكلات عديدة، منها التضخم، وعدم الاستقرار في الأسعار، وتضليل الحسابات القومية"، مشدداً على أن مديرية مكافحة الجريمة المنظمة، كإحدى تشكيلات الوكالة، تعمل على الحدِّ من هذه الأنشطة التي تُدرُّ متحصِّلات مالية غير مشروعة وتدخل ضمن القنوات الاقتصادية، كتهريب العملة، والاتجار بالبشر، والمخدرات، والآثار، والتهرب الضريبي والجمركي، بالإضافة إلى الأنشطة التجارية غير المجازة مثل المصانع والمعامل غير المرخصة، وحتى التداول بالعملات الرقمية والأسهم في البورصات العالمية خارج الإطار القانوني.
وأكد، أن المديرية تُعد من الركائز الأساسية في المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعمل على إعداد تقارير بالشبهات المالية تُرفع إلى مجلس مكافحة غسل الأموال، بالتنسيق مع ممثلي الوزارات المعنية، ومنها وزارة الداخلية.
وأضاف أن المجلس، وفي جلسته الرابعة لعام 2023، قرر تشكيل لجنة لمعالجة الاقتصاد غير النظامي، بهدف وضع استراتيجية واضحة تتضمن تحديث القوانين والتعليمات، وإنشاء قواعد بيانات موثقة لحجم هذا النشاط، بما يُمكّن من استخدام هذه البيانات في التحقيقات المالية المرتبطة بجرائم غسل الأموال والجرائم الاقتصادية الأخرى، ووضع مقترحات تساهم في تقليص حجم اقتصاد الظل وتأثيره السلبي في منظومة المخاطر العامة في العراق.
ويعاقب قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1983 المعدل على أفعال الغش والاحتيال، كونها تُصيب الإيرادات المالية للدولة حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد عن سنتين من يثبت عليه أمام المحاكم المختصة أنه قام بالغشِّ أو الاحتيال، للتخلص من الضريبة المفروضة عليه.