الحكومات السابقة والشركات الأجنبية وراء تعطيل استثمار الغاز الحُر.. تعرّف على أسرار هذا الملف
انفوبلس/ تقرير
يعتزم العراق استثمار الغاز الطبيعي الحُر والمصاحب في حقوله، بعد تعطيل استمر لسنوات طويلة، في وقت تؤكد فيه لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية، عن وجود مساع جادة لاستثمار الغاز الحُر وإنهاء احتراق الغاز المصاحب.
ويُقسم الغاز الطبيعي Natural Gas إلى قسمين: الأول هو الغاز المصاحب associated gas والثاني هو الغاز الحُر dry gas، أما الفرق بين المصاحب والحُر فهو أن الأول يوجد ذائبا في الزيت (oil) في المكمن والغاز الحُر يوجد حُرا بين مسامات الصخور في المكمن. وإن وجد معه زيت فنسبته عادةً ضئيلة.
يمتلك العراق ثروة "هائلة" من الغاز المصاحب لإنتاج النفط الخام والغاز الحُر، إذ يأتي العراق في المرتبة العاشرة عالمياً باحتياطي يُقدر بـ137 تريليون قدم مكعب، إضافة إلى أن المساحة التي لم تُستكشف من أراضيه قُدِّرت بحدود 80 في المئة، على الرغم من حاجته إلى الغاز في الوقت الحالي، بحسب مختصين في المجال الاقتصادي.
وبلغ إنتاج العراق في عام 2022 من الغاز الطبيعي نحو 2.7 مليار قدم مكعب.
ووفق تقديرات سابقة، يمتلك العراق مخزوناً قدره 132 تريليون قدم مكعب من الغاز، جرى إحراق 700 مليار قدم مكعب منها، نتيجة ضعف القدرة على استغلاله.
*وجود مساعٍ لاستثماره
أكدت لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية، وجود مساعٍ جادة لاستثمار الغاز الحر وإنهاء احتراق الغاز المصاحب. وقال رئيس اللجنة هيبت الحلبوسي، إن "اللجنة ووزارة النفط تسعى لعقد استثمارات للغاز الحر وإنهاء احتراق الغاز المصاحب، من أجل منع أو تقليل استيراد الغاز لتشغيل المحطات الكهربائية"، مؤكداً "وجود مساع جادة للإسراع في هذا الموضوع". وأشار إلى أنه "سيتم إعلان جولة التراخيص السادسة الخاصة للغاز لمناطق غرب العراق".
*تفاصيل جولة التراخيص السادسة
وقال وزير النفط حيان عبد الغني، اليوم الأحد، إن "العراق يحرق كميات كبيرة من الغاز ومعظم ما يتم استثماره هو 56 بالمئة من المنتج"، مشيرا إلى أن "معظم الغاز المنتَج حاليا هو مصاحب مع النفط الخام، لذلك فمع زيادة إنتاج النفط الغاز يمكن زيادة بالغاز ولكن يجب أن تكون لدينا منشأة كفيلة باستثمار الغاز للاستفادة منه وخاصة بتجهيز محطات الكهرباء".
وذكر، إن "العراق يستورد كميات غاز كبيرة من إيران باعتبارها الأقرب الى العراق"، لافتا إلى أن "الغاز المستثمر لا يتجاوز الـ 1500 مليون قدم مكعب ولدينا إمكانية لزيادته إلى معدلات أعلى".
وكشف عن "خطة طموحة لاستثمار الغاز وخاصة في الحقول الجنوبية والذي يُحرق الآن"، لافتا إلى أن "شركة غاز البصرة المشتركة مع شركة غاز الجنوب وشركة شيل، تستثمر الغاز بنسبة تصل في اليوم ألف مليون متر مكعب".
وذكر، أن "هناك منشأة قيد النصب وصلت الى مراحل متقدمة ومن المؤمّل إنجاز نصبها خلال الشهر السادس والتي سوف تزيد الغاز المستثمر"، موضحا أن "هناك وحدات أخرى سيتم نصبها وتشغيلها خلال العام القادم".
وبيّن، أن "شركة نفط البصرة ممكن أن تصل إلى استثمار الغاز بنسبة 1400 مليون متر مكعب"، مشيرا إلى أنه "ضمن خطة الوزارة خلال الخمس سنوات المقبلة، سيكون هناك استثمار كبير للغاز والذي سيؤدي الى توقف استيراد الغاز من إيران".
وبشأن عقود جولة التراخيص، أكد أن " عقود جولة التراخيص الخامسة شملت الحقول الحدودية للجانب الشرقي العراقي، حيث وقعنا ستة عقود لستة رُقع استكشافية"، موضحا أن "هذه الحقول سوف توفّر ما لا يقل عن 750 مليون متر مكعب من الغاز وهي كمية واعدة".
*حقل المنصورية سيُطرح للمنافسة في وقت قريب
وتابع، أن "حقل المنصورية سيطرح للمنافسة في وقت قريب، ولكن ليس وحده وإنما ضمن جولة التراخيص الخامسة التكميلية التي فيها أربعة حقول حدودية للجانب الشرقي للعراق إضافة إلى حقل المنصورية والذي سيتم خلال أقل من شهر"، موضحا، أن "خطة الوزارة تشمل إعلان جولة أخرى من ترخيص العقود للجانب الغربي الذي يمتد من الحدود السورية- والأردنية والسعودية وصولا إلى محافظة السماوة".
وأشار إلى أن "هناك أكثر من 10 رقع استكشافية واعده ومعظمها غازية"، موضحا أن "الوزارة بصدد إعداد وتحضير حقيبة المعلومات لهذه الحقول والذي لا يتجاوز الشهر السابع من هذه السنة للإعلان عنها".
وبين، أن "العراق يفترض أن يكون مكتفيا من إنتاج المنتجات البيضاء الثلاث البنزين والغاز وزيت الغاز، وهو الآن يستورد أكثر من نصف حاجة البلد من البنزين"، لافتا إلى أن "هناك خطة واعدة بهذا المجال ونحن على أبواب تشغيل مصفى كربلاء بطاقة 140,000 برميل يوميا والذي سيوفر أكثر من 50 بالمئة من البنزين المستورد إضافة إلى زيت الغاز والكازويل".
*اهتمام حكومي بالغاز الحر
أكدت وزارة النفط بداية الشهر الحالي، وجود اهتمام حكومي باستثمار الغاز (الحُر) بحقلي عكاز والمنصورية اللذين تضررا بفعل عصابات داعش الإرهابية بموازاة إقامة مشاريع لاستثمار الغاز المصاحب وإنتاج الطاقة النظيفة.
وقال المتحدث باسم الوزارة عاصم جهاد، إن "العراق عازم على استثمار الغاز وإيقاف حرقه في عموم البلاد وهنالك اهتمام حكومي بالحقول التي تحتوي على الغاز الحُر في باطن الأرض كحقلي عكاز والمنصورية اللذين تضررا بفعل عصابات داعش". وأضاف، أن "وزارة النفط نجحت في الاتفاق مع إحدى الشركات الصينية وشركات أخرى لتطوير حقل عكاز الغازي في محافظة الأنبار".
وأضاف، إن "العراق أسس شركة غاز البصرة مع شركتي شل وميتسوبيشي لاستثمار الغاز من 4 حقول نفطية بخطط تستهدف ألفي مليون م3 قياسي يومياً ووصلت حالياً إلى القدرة على استثمار 50% من هذه الكمية والتي تساوي بحدود ألف مليون م3 وهو تطور مهم جدا".
وتابع، إن "هنالك اتفاقاً ثانياً مع شركة (بتروتشاينا) الصينية لاستثمار الغاز المصاحب بحقل الحلفاية في ميسان وهذا سيوفر بحدود 300 مليون م3 قياسي يومياً وكذلك اتفقنا مع شركة بيكرهيوز الأميركية لاستثمار 200 مليون م3 قياسي من حقلي الغراف والناصرية في ذي قار وهذه الاستثمارات بمجموعها توفر كميات جيدة يضاف لها اتفاق سيتم المضي به قريباً مع شركة توتال الفرنسية قريباً".
*أزمات حقل المنصورية
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُثار فيها الحديث عن حقل المنصورية، إذ هاجمت وسائل إعلام وزارة النفط بسبب التلكؤ في تطوير المشروعات.
مخزون الغاز في حقل المنصورية يُقدر بنحو 4.5 تريليون قدم مكعبة قياسية، ويُعد ثاني أكبر حقل غازي بعد حقل عكّاز في محافظة الأنبار.
وعرضت وزارة النفط العراقية في بيان سابق لها مخططًا زمنيًا لتطورات أزمة حقل غاز المنصورية، موضحة أن الهدف من المشروع تأمين الاحتياجات المحلية من الغاز، بهدف تزويد محطات الطاقة الكهربائية العاملة بوقود الغاز، إضافة إلى تقليل الاستيراد من دول الجوار، وتعظيم الإيرادات المالية، وتوفير فرص العمل، وتنشيط الحركة الاقتصادية في المحافظة.
وأشارت إلى أن الحقل عُرِضَ ضمن جولة التراخيص الثالثة 2010، وفاز عام 2010 ائتلاف شركات "تباو التركية، كويت إنرجي، كوكاز الكورية"، وتعذَّر على الشركات المباشرة بعمليات التطوير، بسبب الأوضاع الأمنية التي شهدتها المحافظة عام 2014.
وأضافت وزارة النفط، أنه "لأهمية الحقل في الاستراتيجية الوطنية لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، وعلى وجه الخصوص، التوسّع في توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بوقود الغاز الطبيعي، طُرِحَ حقل المنصورية الغازي للتنافس استنادًا إلى قرار مجلس الوزراء المرقّم (270) لسنة 2019 لتطوير حقل غاز المنصورية بالجهد الوطني، وبمشاركة إحدى الشركات العالمية المؤهلة (51% شركة نفط الوسط و49% الشركة الأجنبية)، واعتماد العقد المعياري لجولة الحقول الحدودية (الجولة الخامسة) وفق مبدأ المشاركة بالربح".
وأوضحت، أنه بناءً على ذلك، شرعت وزارة النفط بتنظيم جولة للتنافس لتطوير حقل المنصورية الغازي، واتُّخِذَت الإجراءات الأصولية بهذا الخصوص، إذ تضمنت الخطوات اختيار عدد من الشركات العالمية المؤهلة ودعوتها للمشاركة بتطوير الحقل، وعددها 16 شركة، أبدت 9 منها رغبتها في المشاركة بتطوير الحقل، أبرزها "بتروفاك، سينوك، غازبروم، توتال، سينوبك، بي بي إل آسيا، جيرا إنرجي غروب.
وذكرت وزارة النفط العراقية، أنه بتاريخ 31 مارس/ آذار 2021، وبحسب وثيقة المناقصة النهائية، حُدِّد يوم 20 أبريل/ نيسان 2021 موعدًا لفعالية التنافس، والتي أسفرت عن إحالة المشروع على الشركة التي قدّمت العطاء الأقل، وهي شركة (سينوبك) الصينية، التي تتقاسمها شركة نفط الوسط بنسبة (51%) وشركة سينوبك بنسبة (49%)، وفق قرار مجلس الوزراء.
ووُقِّعَ العقد بالأحرف الأولى في يناير/كانون الثاني 2022 بين دائرة العقود والتراخيص النفطية التابعة لشركة النفط الوطنية العراقية وبين وشركة (سينوبك) الصينية، ويُعَدّ هذا عقدًا أوليًا، يتطلب الحصول على موافقة لجنة الطاقة الوزارية، ومجلس الوزراء الجديد، بعدها يجري التوقيع النهائي من قبل شركة نفط الوسط وشركة "سينوبك الصينية" من أجل تفعيل العقد، والشروع في عمليات التطوير.
*10 سنوات من التعطيل
وكانت وزارة النفط قد ألغت، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عقد حقل غاز المنصورية المبرم مع تحالف الشركات الثلاث المكوّن من شركة (تي بي أي أوه) التركية وكوكاز الكورية وكويت إنرجي الكويتية بعد التعاقد معه عام 2010.
وعن سبب إلغاء العقد، قال وزير النفط إحسان عبد الجبار في تصريح سابق، إنه "تم إلغاء عقد تطوير حقل المنصورية الغازي بعد تلكؤ وفشل الشركات الأجنبية من المباشرة في تطوير الحقل".
و"يمكن حل مشكلة الكهرباء في العراق عبر حقل المنصورية الغازي"، حسب مسؤولين محليين وخبراء وأعضاء في لجنة الطاقة النيابية، فالحقل كما أفادوا "بإمكانه تزويد محطات إنتاج الكهرباء في العراق بما يكفي لتعمل 100 سنة دون انقطاع".
* العراق بحاجة 40 مليون متر مكعب يوميا من الغاز المستورد
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي سابقاً، إن "حاجة العراق الحالية من الغاز المستورد 40 مليون متر مكعب يومياً، أي 1766 مقمق يومياً، كما أن مشاريع الغاز الحالية، مشروع استثمار غاز الناصرية بطاقة 200 مقمق يومياً، ومشروع استثمار حقل الحلفاية بطاقة 300 مقمق يومياً، ومشروع حقل أرطاوي في شركة غاز البصرة بطاقة 400 مقمق يومياً، وكذلك مشروع حقل أرطاوي في شركة غاز الجنوب بطاقة 300 مقمق يومياً".
وأشار المرسومي إلى أن "هذه المشاريع عندما تُنجز في السنوات القادمة من المؤمل أن يصل إنتاجها جميعاً إلى 1200 مقمق يومياً، مما سيؤدي إلى تحقيق نسبة 80 في المئة من الاكتفاء الذاتي من الغاز".
وأوضح "عندما يتم استثمار غاز المنصورية بطاقة 282 مقمق يومياً، واستثمار غاز عكاز بطاقة 388 مقمق يومياً، عندئذ سيكون هناك فائض للتصدير قدره 670 مقمق يومياً أو 19 مليون متر مكعب في اليوم، ويرتفع هذا الرقم عند استثمار حقلي خشن أحمر وأنجانا في ديالى، اللذين تمت إحالتهما إلى الاستثمار بموجب الجولة الخامسة، فضلاً عن إمكانية استثمار المزيد من الغاز المصاحب الذي يرتفع مع زيادة إنتاج العراق من النفط الخام".
*ثروة هائلة من الغاز
بدوره يرى الباحث الاقتصادي بسام رعد أن "العراق يمتلك ثروة هائلة من الغاز المصاحب لإنتاج النفط الخام والغاز الحر، حيث قال إن بعض الدراسات "أشارت إلى وجود مئات التراكيب ذات الاحتمالية العالية لوجود النفط والغاز غير المستكشفة، وتُقدر الاحتياطات المحتملة الغازية بحدود 332 تريليون قدم مكعب".
وأضاف رعد، "على المدى المتوسط بإمكان العراق تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز، حيث أُطلقت مشروعات لاستغلال الغاز المصاحب من ضمنها اتفاقية مبادئ مع شركة توتال الفرنسية لإنشاء مجمع لمعالجة الغاز المصاحب واستثماره بطاقة 600 مليون قدم مكعب قياسي، وكذلك تنفيذ مشروعات الاستكشاف في الصحراء الغربية لزيادة الاحتياطي من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى عقد تطوير حقل المنصورية الغازي من قبل شركة سينوبك الصينية ضمن جولة التراخيص السادسة".
وأشار إلى أنه "على المدى البعيد بإمكان العراق أن يكون من كبار موردي الغاز في العالم إذا ما تم تطوير البنية التحتية اللازمة لصناعة الغاز والاستغلال الأمثل للغاز المصاحب والحر وضخ المزيد من الاستثمارات في هذا المجال".
*إهمال الحكومات السابقة وراء تعطيل الاستثمار
وفي السياق ذاته، أكد الباحث الاقتصادي صالح لفتة، أن العراق يمتلك احتياطات غاز كبيرة، منها حقول الغاز الحر والغاز المصاحب، و"هناك فرصة لأن يصبح من المنتجين والمصدرين الكبار في العالم، لكن للأسف ما زال العراق يحرق مليارات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي سنوياً، حارماً موازنة العراق من المليارات التي هي بحاجة ماسة إليها لسد العجز السنوي فيها".
ورأى الباحث الاقتصادي أن "إهمال الحكومات المتعاقبة هو السبب في تأخير تطوير صناعة الغاز". محملاً إياها "المسؤولية عن الثروات الطبيعية التي تهدر، لأنها لم تولِ صناعة الغاز الاهتمام المطلوب وركزت على النفط لتضيع فرصة على العراق لأن يصبح من كبار مصدري الغاز في العالم، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير الوقود لتشغيل محطات الكهرباء، وعدم الاعتماد على دول الجوار".
* فرصة كبيرة للعراق
ومع ذلك هناك فرصة للعراق يجب اقتناصها لتأسيس صناعة غاز تكفي حاجة العراق والتصدير لدول أخرى، بحسب لفتة، الذي أشار إلى أنه بعد حل العقبات التي يتوجب معالجتها للوصول إلى ذروة الإنتاج التي تمكنه من الحصول على مورد كبير للموازنة، ومنها حل الفقرات الخلافية بقانون النفط والغاز، وخصوصاً المشاكل مع إقليم كردستان العراق، وتوسيع الاستثمارات في صناعة واستخراج الغاز، وتحديث البنية التحتية لهذه الصناعة وتنويع منافذ التصدير، وإبعاد التدخل والمحسوبية بعقود الاستثمار، وجلب الشركات الرصينة القادرة على تطوير صناعة الغاز العراقي سريعاً".