الطاقة الكهرومائية في العراق.. عقود من التعطّل والفشل.. كيف يمكن استثمارها؟
انفوبلس/ تقارير
تُعد محطات الطاقة الكهرومائية من أنظف أنواع محطات الطاقة وأكثرها كفاءة في إنتاج الطاقة الكهربائية مقارنة بمحطات البخار والغاز، حيث تتراوح الكفاءة من 80٪ إلى 90٪ حسب نوع التوربينات المستخدمة في المحطة، ورغم أن العراق يملك 10 محطات كهرومائية إلا إنه لا يعد من الدول المستثمرة لهذا القطاع، ولأسباب عديدة تفوق حُجج نقص الخزين المائي.
*الطاقة الكهرومائية في العراق
تم استثمار الطاقة الكهرومائية في العراق منذ عام 1971 ، وتعتبر محطة سامراء أول محطة كهرومائية يتم إنتاجها في عام 1972 ، حيث تساهم محطات الطاقة الكهرومائية بنسبة 6٪ من إجمالي إنتاج الكهرباء في العراق.
*عدد محطات العراق الكهرومائية
يمتلك العراق 10 محطات كهرومائية ، اثنتان منها في إقليم كردستان لما يتمتع به من إمكانات جغرافية مما أتاح له استثمار هذا المصدر المهم لاسيما امتلاكه نهرين يمتدان من الشمال إلى الجنوب، لكن هذه المحطات عانت باستمرار من تراجع معامل الانتفاع الاقتصادي إلى أقل من 50٪ ، والتي ترجع إلى عدد من الأسباب، أهمها خفض منسوب المياه وكذلك الأعطال الفنية وإهمال حكومة الإقليم لها.
*محطات غير مستثمرة
الحاجة للطاقة الكهربائية النظيفة والدعوات المستمرة لاستثمار الطاقة المتجددة تتطلب زيادة في عدد المحطات الكهرومائية المُقامة على السدود في العراق ، وكذلك مراعاة التوزيع الجغرافي عند إنشائها، واستثمار السدود حيث توجد إمكانية إنشاء محطات كهرومائية لم يتم استثمارها بعد مثل سد الكوت وسد العظيم وسد دبس على نهر دجلة وسد الرمادي على نهر الفرات.
*واقع المحطات الكهرومائية في العراق
ترتفع إمكانات توليد الطاقة الكهربائية في العراق بالاعتماد على المحطات الكهرومائية من خلال إنشاء العديد منها، وفي مناطق مختلفة منه، إذ ما يمتلكه من موارد مائية سطحية وفيرة والمتمثلة بنهري دجلة والفرات وروافدهما فضلاً عن تباين مظاهر السطح فيه ما بين السلاسل الجبلية والهضاب وما يتخلله من انحدارات ينتج عنها شلالات وأودية يمكن استثمارها لإنشاء محطات كهرومائية فضلاً عن إمكانية إقامة السدود في المناطق المنبسطة .
*التوزيع المكاني للمحطات الكهرومائية في العراق
يمتلك العراق عشرة محطات كهرومائية أُقيمت عند السدود المقامة على نهري دجلة والفرات وروافدهما موزّعة جغرافياً بين شماله ووسطه وهي:
- محطة سد الموصل الرئيسي
- محطة سد الموصل التنظيمي
ـ محطة سد الخزن بالضخ
ـ محطة سامراء الكهرومائية
ـ محطة حمرين الكهرومائية
ـ محطة حديثة الكهرومائية
- محطة الهندية الكهرومائية
ـ محطة الكوفة الكهرومائية
ـ محطة دوكان
ـ محطة دربندخان
*قطاع منسي
يعتبر قطاع الطاقة الكهرومائية من القطاعات المنسيّة في العراق، حيث يشهد تعطلات تامة ولأسباب تفوق نقص الخزين المائي، لعل أبرزها إهمال الحكومات المتعاقبة له وسياسة ليّ الأذرع التي تعتمدها تركيا في إغلاق السدود على العراق، فضلا عن عدم تخصيص الميزانيات اللازمة له في موازنة الحكومات المركزية.
*أمريكا ومنع العراق من استثمار هذا القطاع
وفق خبراء مائيين، فإن هيمنة أمريكا على الشركات المستثمرة تحول دون استفادة العراق من الطاقة الكهرومائية، حيث عمدت أمريكا على منع العراق من استثمار الطاقة الكهرومائية بُغية تمرير شركاتها له وبالتالي كسب ملايين الدولارات.
*فساد مالي
خبراء في مجال الطاقة أكدوا أن عدم نجاح مشاريع الطاقة المتجددة في العراق خلال الفترة السابقة ناجمة عن عدّة أسباب أبرزها العقود الوهمية التي أبرمتها الحكومة السابقة بهذا المجال ولعل العقد مع شركة "مصدر" الإماراتية أبرزها.
ويؤكد الخبراء، أنه إضافة إلى ذلك، فإن الفساد المالي والإداري الذي نهش الكهرباء والتي تعتبر عمود الاقتصاد العراقي لإنعاش مفاصله الأخرى كالصناعة والزراعة وغيرها من المفاصل الاقتصادية، حال دون المُضي بعيدا بهذا القطاع.
*تذبذب عبر التأريخ
يتصف إنتاج المحطات الكهرومائية بالتغير الشهري والسنوي المستمر فلا يوجد إنتاج متشابه تماماً بين سنة وأخرى وهذا يعود الى الظروف التي تحكم عملية توليد الطاقة وأهمها كميات التصريف التي تتصف بالتذبذب بسبب مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية وهذا أدى الى تغيّر معامل الانتفاع الاقتصادي الذي يمثل نسبة الطاقة المنتجة من الطاقة التصميمية.
شهد العراق تذبذباً في إنتاج الطاقة الكهرومائية للمدة من 1990 – 2019 ما بين ارتفاع وانخفاض نتيجة للظروف الطبيعية والاقتصادية والعسكرية التي مرّ بها البلد خلال هذه المدّة والتي أثرت على مفاصل الحياة في العراق كافة .
اتّسمت المدة 1990 – 1999 بارتفاع الإنتاج للمحطات الكهرومائية إذ بلغ الإنتاج عام 1990، 4650264 ميغاواط ساعة وبأهمية نسبية بلغت 16،4 % من إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق خلال المدة ذاتها، يُستثنى من ذلك عامي 1991 الذي شهد انخفاض كبير في إنتاج الطاقة الكهرومائية إذ انخفضت كمية الإنتاج إلى أدنى مستوى لها لتصل إلى 2145184 ميكاواط .ساعة، بسبب العمليات العسكرية التي استهدفت المحطات الكهربائية والسدود، إذ تعرضت محطات سد الموصل الرئيسي ومحطة سد الموصل التنظيمي ومحطة حديثة الكهرومائية للعمليات العسكرية مما أدى الى توقف عدد من الوحدات التوليدية.
وخلال عام 1999 انخفض الإنتاج أيضاً بشكل ملحوظ إذ بلغ 3559050 ميكاواط ساعة و بفارق 2638510 ميكاواط ساعة عن عام 1998 نتيجة انخفاض مناسيب المياه لنهري دجلة والفرات للعام 1999 بسبب ظروف الجفاف و قلّة الأمطار للعام ذاته، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستوى الماء في البحيرات أمام السد وبالتالي توقف عدد من الوحدات التوليدية عن العمل.
*استمرار الإهمال
-أما المدة من عام 2000 – 2009 فقد شهدت استمرار انخفاض إنتاج المحطات الكهرومائية عن المدة التي سبقتها نتيجة لتراجع مناسيب المياه لنهري دجلة والفرات بسبب انخفاض الإيرادات المائية واستمرار فترات الجفاف و قلّة االمطار.
وتُعد المشاكل الفنية والتصميمية للسدود واحدة من أهم المشاكل التي تسبب انخفاض إنتاج المحطات الكهرومائية، إذ يسبب انخفاض مناسيب المياه في سد الموصل الرئيسي بسبب مشكلة عدم استقرار صخور القاعدة الذي شُيّد السد عليها والتي تتكون من الجبس وطبقات من الطين الخفيف وهي صخور قابلة للذوبان مما نتج عنه رشح المياه أسفل السد وهذه المشكلة أدت إلى انخفاض مستوى بحيرة السد إلى 319 م فوق مستوى سطح البحر وانخفاض سعة الخزن، في حين أن المنسوب التشغيلي لسد الموصل الرئيسي يبلغ 330 م فوق مستوى سطح البحر.
*انخفاض مناسيب دجلة والفرات
أدى انخفاض مناسيب مياه نهر الفرات إلى تراجع إنتاج الطاقة الكهربائية في محطتي حديثة والكوفة إذ أدى انخفاض منسوب الماء في سد حديثة وسدة الكوفة الى توقف عدد من الوحدات التوليدية عن العمل، إذ بلغ إنتاج المحطات الكهرومائية 2830210 ميكا واط / ساعة والذي انعكس على الأهمية النسبية للمحطات الكهرومائية والتي انخفضت لتصل الى 7% عام 2009.
*داعش وخرابه للمحطات الكهرومائية
شهدت المدة 2010 – 2019 ارتفاعاً في كمية الطاقة الكهربائية المنتجة في المحطات الكهرومائية ليصل إلى 3615072 عام 2010 إلا إن هذا الارتفاع لم يستمر على نفس المنوال بسبب الوضع الأمني لاسيما بعد دخول عصابات داعش الإرهابي محافظة نينوى عام 2014 والتي عمدت إلى تدمير المحافظة فضلاً عن محاولاتهم تدمير سد الموصل وإحداث أضرار جسيمة فيه في محاولة لإغراق محافظة بغداد مما سبب خللاً كبير في مناسيب المياه والذي أثر على عمل المحطات الكهرومائية إذ تراجع إنتاج محطتي سد الموصل الرئيسي وسد الموصل التنظيمي وتوقف محطة الخزن بالضخ عن العمل نهائية، كما تراجع إنتاج محطة حديثة الكهرومائية نتيجة لدخول عصابات داعش الإرهابية وسيطرتها على محافظة الأنبار أيضاً.
استمر هذا الانخفاض لغاية عام 2018 إذ بلغ إنتاج المحطات الكهرومائية 1818632 ميكا واط/ ساعة، ثم عاد الإنتاج إلى الارتفاع إذ بلغ 5016956 ميكا واط / ساعة عام 2019 بعد تحرير المحافظات من سيطرة عصابات داعش وإعادة إعمار المحطات المتضررة وعودتها إلى العمل.
*ثروة دون استثمار
خبراء في مجال الطاقة يؤكدون أن العراق يمتلك مجموعة من الإمكانات الجغرافية المتاحة لاستثمار الطاقة الكهرومائية والمتمثلة بالسطح والمناخ والموارد المائية، لكنه لم يولِ أي أهمية لها بسبب سوء الإدارة والتخطيط.
ويرى الخبراء، أن هناك تباينا بين الطاقة المنتجة للمحطات الكهرومائية وبين طاقتها التصميمية مما نتج عنه انخفاض في معامل الانتفاع الاقتصادي والذي يصل إلى أقل من 50% مما يدل على انخفاض إنتاج المحطات الكهرومائية العاملة عن سعاتها التصميمية والذي يعود الى جملة من الأسباب لعل من أهمها تذبذب مناسيب المياه وحاجة السدود والبحيرات، فالطاقة الكهرومائية تسهم بنسبة 6% من إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق، لكن لو تم استثمارها بالطريقة الصحيحة فإن النسبة قابلة للزيادة.