القناة الجافة.. مشروع ربط الشرق بالغرب عبر العراق
انفوبلس..
يتردد ذكر مشروع "القناة الجافة" في الأوساط الحكومة منذ ما يزيد على العقدين، فهو أحد أضخم المشاريع التي من شأنها نقل العراق إلى مكانة تجارية أعلى تمكّنه من استثمار موقعه الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا.
والقناة الجافة ببساطة هي مشروع قيد الدراسة والتخطيط، لتطوير شبكة المواصلات العراقية، وإنشاء شبكة واسعة من خطوط سكك الحديد والطرق الحديثة السريعة، تنطلق من ميناء الفاو، وتربط العراق بأوروبا، عبر ممرين: الأول رئيسي عبر تركيا، والثاني ثانوي عبر سوريا وصولاً إلى الموانئ السورية على البحر المتوسط. سُمّيَت بـ"القناة الجافة Dry Canal" تيمُّناً بقناة السويس، إذ تُفيد الدراسات حول هذا المشروع بأن نقل الشحنات التجارية من آسيا إلى أوروبا عبر ميناء الفاو ثم القناة الجافة (ممر تركيا) سيختصر نحو 15 يوماً من وقت نقلها الحالي عبر قناة السويس، فيما يكلّف المشروع نحو 12 مليون دولار للكيلومتر الواحد.
من الواضح جدّاً أن الجهات الحكومية العراقية عندما تتناول مشروع القناة الجافة، تركّز على الممر الرئيسي عبر تركيا فقط، وتُهمل الحديث عن الممر السوري، وهذا منطقي جدّاً، لأن شبكة المواصلات والموانئ في سوريا ليست مؤهَّلة لدور كهذا في خطوط التجارة العالمية، مثل شبكة المواصلات والموانئ التركية، كذلك الأوضاع الأمنية غير المستقرة في سوريا لا تشجّع على الحديث عن الممر الثاني المقترح للقناة الجافة عبر الأراضي السورية.
حكومة السوداني وضمن برنامجها الحكومي تبنّت المشروع وأعلنت أنها ستعمل عليه بأكبر قدرة ممكنة وذلك بعد عرقلته لعقود لأسباب سياسية وأمنية فضلا عن صعوبات اقتصادية بسبب ضخامة المشروع.
وزارة النقل ذكرت في بيان، أن "وزير النقل رزاق محيبس، استعرض في اجتماع مهم مع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وبحضور عدد من المديرين العامين في وزارة النقل، تفاصيل العمل في مشروع القناة الجافة". لافتا إلى أن "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ترأس الاجتماع الذي خُصّص للمشروع، بحضور الشركة الاستشارية (الإيطالية) المكلَّفة بإعداد تصاميم المشروع".
وقال رئيس مجلس الوزراء خلال الاجتماع، بحسب البيان، إن هناك "ضرورة ملحّة للإسراع في تنفيذ المشروع واختصار المراحل". مضيفا أن "المشروع الإستراتيجي سيحقق عائدات وفوارق نوعية تُغني الاقتصاد العراقي".
من جهته، أكد الوزير رزاق محيبس، أن "مشروع التنمية يشكل واحدا من أبرز مشاريع الوزارة في العام 2023". مضيفاً أن سعي الوزارة إلى تأمين تخصيصات مالية كافية للمشروع في الموازنة العامة.
صحيفة "ميديل ايست بزنس" نشرت تقريرا مفصّلا يوضح مدى أهمية القناة الجافة ضمن ميناء الفاو الكبير في البصرة.
وقالت الصحيفة، إن "مشروع القناة الجافة سيكون بديلاً (رخيص الثمن) عن قناة السويس في مصر"، حيث "سيمتد بشبكة قطارات عالية السرعة من ميناء الفاو في البصرة وحتى الشمال العراقي دخولا إلى تركيا".
وأضاف التقرير، "المشروع دخل مرحلة التصميم من خلال شركة (بروجيتي يوروبا آند غلوبال الإيطالية للخدمات الهندسية)، والتي تقوم الآن بدارسة المناطق التي ستمر عبرها سكك الحديد عالية السرعة، لمسافة تصل إلى (1200كم).
وتابع التقرير، "سكك الحديد الجديدة ستكون من الأكبر في المنطقة والعالم، وتعمل بالطاقة الكهربائية، وستعمل بالتزامن مع قطارات أخرى تصل أوروبا بعد ربطها بشبكات القطار التركية".
الخبير الاقتصادي كريم الحلو يقول إنّ ربط الفاو بتركيا يُعد مشروعاً إستراتيجياً وكبيراً جداً ولا يمكن حتى إحصاء فوائده بالنسبة للعراق، فهو يحوّل البلاد إلى محطة نقل كبرى للدول الأوروبية بعد تركيا.
ويُضيف، إنّ "المشروع سيوجّه نشاط أوروبا التجاري والصناعي، والذي يُقدر عدد السكان فيها بنحو 500 مليون نسمة، نحو العراق عبر سكة قطارات سريعة تصل بضائعها للخليج وإيران والأردن وسوريا، بمساهمة القطارات العراقية المعطّلة حالياً، بكل سهولة يومياً لتستغني عن الشحن البحري".
ويوضح الحلو، أنّ العائدات المالية للعراق من المشروع كبيرة جداً، إذ تُقدر طاقة النقل اليومية بحسابات بسيطة نحو ألف حاوية تنقلها 100 سفينة، بما يحقق أرباحاً خيالية. مشيراً إلى أنّ المشروع لن يكلّف البلاد سوى أعمال صيانة وربط للسكك العراقية بالحدود التركية لتصبح جاهزة كلياً، حيث ترتبط تركيا بأوروبا بخط سككي منذ سنوات.
رئيس مركز “كلواذا” للدراسات، باسل حسين يشير إلى أنّ الخرائط الصينية لمشروع طريق الحرير المرسوم عالمياً منذ القِدم تحدّد مسار الطريق السككي عبر العراق وإيران ثم السليمانية وأربيل ودهوك إلى تركيا، أما الطريق البحري فهو لا يمر عبر الخليج بل يمر عبر جيبوتي ثم مصر واليونان.
ويوضح، أنّ الحل هو في الإسراع ببناء ميناء الفاو من أجل تفعيل ميناء جوادر في باكستان لكي يمر عبر الخليج ثم الفاو وصولاً إلى القناة الجافة بخط سككي يربط البصرة إلى تركيا فأوروبا بوصفه أقصر من الطريق الآخر البحري أو على الأقل خط موازٍ له.
ويبيّن حسين، أنّ هذا هو ما سيحصل مهما خرجت أحاديث كثيرة، لكن المشكلة في كمية الكذب والأوهام التي يمر تسويقها عبر الإعلام على نحو يخالف الخرائط الصينية.
ولا يرتبط العراق مع أي دولة من دول الجوار سككياً، إلا إنه يستخدم منافذه الحدودية البرية والبحرية والجوية للنقل والتبادل التجاري بشكل مستمر لتصدير واستيراد البضائع والسلع.
وحول ذلك، يؤيد الخبير الاقتصادي علاء الأسدي، كل مشاريع الربط السككي المستقبلية والتي يتم التخطيط لها حاليًا بين العراق ودول الجوار، مشيرًا إلى فوائد جمّة منها الإيرادات المالية.
ويقول الأسدي، لو كانت هناك حكومة قوية لقامت بتشغيل مشاريع الربط السككي بشكل سريع حتى لو لم يُنجز مشروع ميناء الفاو الكبير للاستفادة من وارداته، ثم بالإمكان إيقاف السكك مع الكويت وتركيا وغيرها من الدول في حال اعتقدت الحكومة أنها غير مجدية. موضحاً أنّ الميناء لن يكتمل قبل 10 سنوات على أقل تقدير نتيجة التلكؤ وإهدار إيرادات النفط.
ويُلفت الخبير، إلى ضرورة تفعيل الربط السككي للبضائع وحركة المسافرين مع كل دول الجوار لما له من أهمية لتعزز البنى التحتية الموجودة في العراق، مبيناً أنّ إقليم كردستان انتبه لهذه الضرورة وجرى تخصيص مبلغ مليار و75 مليون دولار لتشييد قطار فائق السرعة تقوم عليه شركات صينية، سينطلق من حلبجة إلى السليمانية إلى حاج عمران ثم أربيل ودهوك وزاخو.
ويوضح، أنّ هذا المشروع في كردستان يمكن أن يربط بدول الجوار، ويمكن ربطه أيضاً بالسكك الحديدية التي في حال أُنجزت من الفاو عبر المحافظات في ذي قار والنجف والديوانية وكربلاء والأنبار والأردن، لتمر البضائع من الخليج بشكل سهل جداً ومن دول أخرى أيضاً.
المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق، فرحان الفرطوسي، كشف أن مساحة ميناء الفاو تبلغ 54 كيلومترا مربعا، ويتضمن 90 رصيفا، مع منطقتين صناعيتين، ومشاريع سكنية ومواقع لخدمات السياحة والسفر.
وتابع، كما يتألف المشروع العملاق الذي يوليه العراق أهمية كبيرة من شقّين، أولهما انتهاء أعمال إعادة بناء ميناء الفاو الكبير خلال 2025، حيث تتولى شركة (دايو) الكورية الجنوبية إنجاز هذه الأعمال. أما الشق الثاني، فيتمثل بإنشاء ممر القناة الجافة الذي يتضمن مدّ خط بري من ميناء الفاو الكبير باتجاه الحدود مع تركيا عبورا من مدن الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد وصولا إلى الموصل.
وأوضح، أن ممر "القناة" يوفّر إمكانية ربط الخط البري من الموصل إلى ميناء مرسين جنوب تركيا. ولفت أن "القناة الجافة" تتضمن قطارات سريعة، فضلا عن دراسة إنشاء طريق برّي يربط مدينة الموصل مع ميناء طرطوس السوري في إطار المشروع.
وأكد أن أعمال البناء في ميناء الفاو الكبير جارية على قدم وساق، وأن شركة "PEG Infrastructure" الإيطالية تتولى مشروع تصميم وبناء "القناة الجافة".
واستطرد، من المُرتقب أن تسلّم هذه الشركة السلطات العراقية الشكل النهائي لتصميمها المتعلّق بالممر خلال الأسبوع المقبل، مُعرباً عن أمله في أن يتم الكشف عن المسار العام للممر بالكامل في غضون 6 أشهر بعد دراسات الجدوى.
وذكر الفرطوسي، أن العراق سيدعو الشركات العالمية لإنشاء خط سكة الحديد والطريق السريع عقب الانتهاء من التصاميم، قائلا "نتوقع تعاونا مع الشركات التركية حول القناة الجافة".
ولفت إلى أن العراق لم يواجه صعوبات على الصعيد السياسي في إنجاز المشروع والحكومة مستمرة بالتشاور وعقد الاجتماعات مع تركيا على فترات لأن هذا المشروع يعد مشروعا مشتركا ويجسّد جسرا بين البلدين.
وأشار إلى أن المشروع يحظى بدعم الشعب العراقي، كما سنحاول حل المشاكل الخارجية، ولن تؤثر علينا بأي شكل من الأشكال لأن هذا المشروع يعد مشروع دولة وحكومة.
ومن المتوقع أن يمتد مسار "القناة الجافة" إلى منطقة فيشخابور العراقية شمالا عند المثلث الحدودي العراقي التركي السوري، وهي المنطقة التي سبق لتركيا أن أعلنت أنها تفكر بإنشاء معبر حدودي إضافي باسم "أوفا كوي" مع العراق بموازاة معبر "خابور" الحالي.
ويعبّر إقليم كردستان، عن خشيته بأن يحل المعبر الجديد مكان معبر "خابور" ما يعني الاستغناء عن الأخير المنفتح على الإقليم مع تركيا، ولذلك من المتوقع مناقشة ممر "القناة الجافة" بين أطراف أنقرة وأربيل وبغداد.
وتعليقا على ذلك، قال الفرطوسي، إنه "من المتوقع إيجاد حل للقضايا العالقة عبر الحوار بين الأطراف الثلاث ضمن الإطار السياسي".
وأردف: "كلا البلدين (العراق وتركيا) بحاجة للتوصل إلى اتفاق حول استكمال هذا المشروع عن طريق اتباع نهج سياسي صحيح، ففي النهاية هو مشروع بين البلدين.
وذكر أنه من المتوقع أن يكتمل مشروع ميناء الفاو الكبير خلال 2025، والقناة الجافة بحلول 2029 على أبعد تقدير.
الشركة العامة لسكك الحديد التابعة إلى وزارة النقل، حدّدت موعد إنجاز المرحلة الأولى من تصاميم القناة الجافة والتاريخ المُحتمل للشروع بالتنفيذ، فيما فصَّلت المكاسب الاقتصادية المرجوّة منه أكدت إنه سيمتد بطريقين برّيين بطول 1200كم.
وقال مدير الشركة يونس خالد الكعبي، إن "مشروع القناة الجافة حيوي ويحظى بأهمية لدى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كونه يندرج ضمن المشاريع الاستراتيجية التي تعتزم الحكومة تنفيذها حيث تم عقد اجتماع برئاسته مع المعنيين في الوزارة بحضور وزير النقل والشركات المساهمة وهي الموانئ وسكك الحديد لمناقشة استكمال هذا المشروع".
وأضاف، إن "القناة الجافة مشروع عملاق هو الأكبر والأهم كونه المنفذ الرئيسي لميناء الفاو، وسيتم من خلاله ربط الميناء بالحدود من الجنوب إلى شمال العراق وصولاً إلى الحدود مع تركيا، ومنها إلى شبكة النقل الأوروبية للوصول إلى الأسواق الأوروبية والسماح بنقل حمولات بسعات عالية".
وأشار إلى أن "المشروع المذكور سيمتد بخط سكك حديد يصل طوله إلى 1200 كيلومتر ويمر بمعظم المحافظات العراقية عبر خطوط جديدة وسريعة تعمل فيها قطارات كهربائية يرافقها طريق سريع لنقل البضائع والمسافرين يمتد بالتوازي تقريباً مع خط السكة من ميناء الفاو إلى الحدود العراقية التركية في مسارات جديدة". مؤكداً، أنه "ضمن البرنامج الحكومي، وتم إنجاز التوقيتات الخاصة بشبكة السكك الحديد بالاتفاق مع الشركة الاستشارية الإيطالية بنسبة 100%، وبعد المصادقة على دراسة الجدوى الاقتصادية ستبدأ الشركة بمرحلة التصاميم، وربما سيتم خلال العام الحالي الإعلان عن أول مناقصة لمدّ خط سكك حديد كهربائي حديث في العراق".
وأوضح الكعبي، أنه "من المرجّح إنجاز المرحلة من التصاميم في أيلول المقبل وبعدها سيُحال المشروع الى التنفيذ". مبيناً أن "هذا الموضوع ليس له علاقة بالموازنة، وربما يتم طرحه للاستثمار أو من خلال صناديق التمويل".
وبيّن، أن "الوزارة تنتظر رئاسة الوزراء والبرلمان لتحديد طريقة التمويل والمشروع مُتابَع شخصياً من قبل رئيس الوزراء ووزير النقل بشكل يومي، والشركة الإيطالية متواجدة ولديها مقر للمتابعة اليومية وأيضاً اجتماعات دورية بمواعيد ثابتة ومحددة".