النفط الأسود في العراق.. الوقود الجاذب للفساد وهكذا يتم التلاعب بكمياته: "أرقام صادمة"
انفوبلس/ تقرير
تحتوي أرض العراق ثروة نفطية كبيرة وهو يحتل المركز الخامس عالمياً باحتياطي النفط، كما أنه يُعد المحرّك الرئيسي لأغلب نشاطات العراق الاقتصادية إنتاجياً وتجارياً ومالياً، وهو بطبيعة الحال يتأثر بالأزمات الاقتصادية وتعثّر أسواق النفط عالمياً كما حصل مؤخراً بفعل جائحة كورونا التي أدّت إلى تدهور أسعار النفط في العالم.
*مفهوم النفط الأسود
زيت الوقود الثقيل (النفط الأسود) هو أحد الأجزاء الناتجة عن عملية التقطير المُجزّأ للنفط الخام (البترول) وبصفة عامة هو أي منتج نفطي سائل ثقيل يستخدم في الأفران أو المرجل لتوليد الحرارة أو لتوليد الطاقة الكهربائية أو التحريكية، وهو عبارة عن خليط من الهيدروكربونات ويعد المنتج عالي اللزوجة، وفي الأغلب ما يكون ملوثا بالكبريت أو النيتروجين، ما يجعله أكثر تلويثا من الوقود التقليدي، ومع ذلك فإن سعره المنخفض جعل منه مرشّحا مثاليا للصناعة البحرية، التي تستهلك أكثر من 250 مليون طن سنويا ويتم استخدام هذا النوع من الوقود بشكل رئيسي عن طريق: المجالات الصناعية والاستخدامات العامة، والتي تتضمن إنتاج الطوب الأحمر اللازم للبناء ومصنّعي الكهرباء بهدف إنتاج إنتاجها.
*أسعار النفط الأسود
الأسبوع الماضي، حدّد المجلس الوزاري للاقتصاد العراقي، سعر الطن الواحد من النفط الأسود بقيمة لا تتجاوز 250 ألف دينار، وبحسب إحصائيات لوزارة النفط، فإن إيرادات شركة تسويق النفط العراقية المالية بلغت 3 مليارات دولار عن بيع النفط الأسود خلال العام 2021.
*حسابات التلاعب بالنفط الأسود
يتفق خبراء الطاقة في العراق على رداءة المنتجات النفطية التي يكررها العراق وضرورة تطوير المصافي، وبالرغم من أنّ قلّة إنتاج المشتقات النفطية في العراق واضطراره لاستيرادها ولاسيما البنزين والكَاز تُعزى لـ"قلّة المصافي"، لكن قلّة كفاءة المصافي في العراق قد تكون ذات التأثير الأكبر بعدم تحقيق العراق لاكتفائه من المشتقات النفطية، وقيامه بتصدير نفطه خامًا بدلًا من تكريره وبيعه للعالم على هيئة مشتقات نفطية تكون ذات جدوى اقتصادية أعلى.
قلّة كفاءة المصافي ربما تتوضح أكثر بلغة الأرقام، حيث تظهر حسابات خاصة أنّ الطاقة التكريرية لمصافي العراق من المفترض أن توفر أكثر من 80 مليون لتر بنزين يوميًا دون إضافة المصافي الجديدة، إلا إنّ ما ينتجه العراق فعليًا يبلغ 15 مليون لتر فقط، أي أقل بنحو 80% من الرقم الإنتاجي المفترض.
وبصورة أوضح، أعلنت وزارة النفط في 2020 عن رفع الطاقة التكريرية للمصافي في العراق إلى 800 ألف برميل يوميًا، ما يعني أنّ 800 ألف برميل يوميًا من النفط الخام تدخل إلى المصافي وتكريرها للحصول على المشتقات النفطية منها كبنزين وزيت الغاز (كَاز) وكيروسين ونفط أسود وغيرها من المشتقات، وفي حينها أكدت الوزارة أنّ إنتاج البنزين اليومي بلغ 15 مليون لتر.
ووفق المتعارف عليه في قطاع التصفية، فإنّ كل برميل نفط خام يمكنه إنتاج 73 لترًا من البنزين، وعلى هذا الأساس؛ أنّ تكرير مصافي العراق لـ800 ألف برميل يوميًا، من المفترض أن ينتج نحو 59 مليون لتر يوميًا، فيما لم يكن ينتج العراق سوى 15 مليون لتر يوميًا، وهي إشارة واضحة على أنّ "سوء الكفاءة الاستخلاصية لمصافي العراق تبلغ 75%، أي إن المصافي العراقية أنتجت 25% فقط من البنزين الذي من المفترض إنتاجه من تكرير 800 ألف برميل يوميًا.
وفي إعلان جديد صدر عن أوبك، فإنّ العراق شهد "قفزة ملحوظة" في إضافات الطاقة التكريرية ليكون ثاني أكبر منتج للطاقات التكريرية بعد السعودية، حيث بلغت الطاقة التكريرية للعراق 1.116 مليون برميل يوميًا في العام 2021 مرتفعة من 828 ألف برميل يوميًا في العام 2020 ليكون العراق ثاني أكبر منتج للطاقات التكريرية في منظمة "أوبك".
وجاءت الزيادة التكريرية للعراق، بحسب تقرير أوبك بفعل تحسينات في مصافي بيجي والبصرة، حيث أضافت مصفاة بيجي، التي تعرضت لأضرار أثناء استيلاء تنظيم "داعش" عليها، 87 ألف برميل في اليوم، لترتفع طاقتها إلى 140 ألف برميل في اليوم، وأضافت مصفاة البصرة 70 ألف برميل في اليوم لترتفع طاقتها إلى 350 ألف برميل في اليوم.
60 مليون لتر من البنزين "تُترك" في النفط الأسود
وتكرير 1.116 مليون برميل يوميًا، ينبغي أن ينتج نحو 82 مليون لتر بنزين، ونحو 43 مليون لتر يوميًا من الكَاز، ونحو 7 مليون لتر يوميًا فقط من زيت الوقود الثقيل (النفط الأسود)، إلا إنّ ما يحصل في الحقيقة وبسبب كفاءة الاستخلاص في المصافي العراقية البالغة 25% فقط، فإنّ العراق ربما لن ينتج حاليًا أكثر من 20 مليون لتر يوميًا، مقارنة بـ15 مليون لتر كان ينتجها بتكرير أكثر من 800 ألف برميل يوميًا.
ولفهم ما يحصل بشكل أوضح، فإن نحو 60 مليون لتر يوميًا من البنزين لا يتم استخراجها بالكامل من النفط الخام وتترك لتكون "كمخلفات" على هيئة نفط أسود "زيت وقود"، حيث أنّ التصفية الجيدة يجب أن تستخلص جميع المنتجات النفطية ولا تبقي في النفط الخام من كل برميل سوى 6 لترات من النفط الأسود، لكنّ ما يحصل هو أن العراق ينتج 50 ألف متر مكعب نفط أسود بتكرير 800 ألف برميل، بحسب تصريح وزارة النفط في 2020، ما يعني 50 مليون متر مكعب، أي أكثر من 62 لترًا نفط أسود من كل برميل، فيما يجب أن يكون الإنتاج من النفط الأسود 6 لترات فقط من كل برميل بعد أن يتم تكريره بشكل جيد واشتقاق المنتجات الجيدة كالبنزين والكيروسين، بينما تذهب الكميات الكبيرة من النفط الأسود بين استهلاك محلي وتشغيل محطات كهرباء ويباع بسعر مدعوم إلى المعامل، وجزء منه يصدر بأسعار أقل بقليل جدًا من قيمة ما يضمه النفط الأسود من عشرات ملايين اللترات من مشتقات البنزين وغيرها من المنتجات.
ولذلك، فإنّ إنتاج العراق من مصافي التكرير معظمه عبارة عن نفط أسود، وهي مادة مازالت لم تستخلص جيدًا وتحتوي عشرات الملايين من لترات البنزين والكيروسين والكَاز التي يستورد العراق أكثر من 15 مليون لتر منها يوميًا.
ويشير الأمر بشكل واضح إلى أنّ كفاءة الاستخلاص المتدنية لمصافي العراق، أفقدت العراق 60 مليون لتر من البنزين يوميًا، وهي كمية تعادل مع الـ20 مليون لتر من البنزين التي تنتجها المصافي يوميًا، قرابة 260% من استهلاك العراق من البنزين يوميًا والبالغة قرابة 30 مليون لتر يوميًا.
والمصافي العراقية لو عملت بطاقة كفاءة استخلاصية عالية، فأنها ستغطي استهلاك العراق من البنزين يوميًا، ويتبقى فائض من البنزين يبلغ 50 مليون لتر يوميًا يمكن تصديره إلى العالم الذي يشهد ارتفاعًا كبيرًا بأسعار البنزين، حيث بلغ أكثر من دولار للتر الواحد عالميًا، ما يعني أن العراق يمكن أن يحصل جراء تصدير 50 مليون لتر بنزين يوميًا، على 50 مليون دولار يوميًا، أو 1.5 مليار دولار شهريًا فقط من البنزين، ما عدا المشتقات الأخرى، وهو رقم يعادل تصدير 15 مليون برميل نفط خام خلال شهر، بينما يمكن الحصول على هذا الرقم جراء تصدير نحو 313 ألف برميل فقط من البنزين خلال شهر، لكون سعر البنزين أعلى من النفط الخام، الأمر الذي يعكس جدوى اقتصادية عالية.
وتقدر الأموال المصروفة على المشتقات النفطية التي اشتراها العراق من 2003 وحتى الآن، بأكثر من 25 مليار دولار، وبمعدل سنوي يصل إلى 5 مليار دولار سنويًا (7 مليون دولار يوميًا).
ويمتلك العراق العديد من المصافي، إلا إن المصافي العراقية عاجزة عن توفير ما يكفي الحاجة المحلية من المشتقات من خلال تكرير النفط الخام، ما يدفع العراق لبيع نفطه خامًا، لتقوم الدول بتكريره واستخراج المشتقات والمنتجات النفطية الثانوية، ليقوم العراق بدوره باستيراده مجددًا.
ويقول الخبير النفطي نبيل المرسومي، إنه "وبحسب بيانات 2018، بلغت استيرادات العراق من المشتقات النفطية 2.813 مليار دولار منها 1.819 مليار دولار بنزين و926 مليون دولارًا لزيت الغاز و68 مليون دولارًا للنفط الأبيض".
يشكل منتجا البنزين والگاز 65% من مكوّنات برميل النفط الخام، حيث يحتوي البرميل 159 لترًا نفط خام، يشكّل البنزين منه 70 لترًا، والگاز 32 لترًا، و15 لتر من النفط الأبيض (كيروسين)، فضلًا عن مشتقات أخرى متمثلة بزيت الوقود (النفط الأسود) والنفثا، وبهذا يعني أن البنزين والگاز يمثلان 65% من مكونات برميل النفط الخام، وهما أكثر منتجان يستوردهما العراق.