تهريب نفط كردستان يعمّق أزمة الموازنة ويُجبر العراق على خفض صادراته

نفط الإقليم خارج السيطرة
انفوبلس..
في وقت يواجه فيه العراق ضغوطاً متزايدة للالتزام بحصص الإنتاج التي حددها تحالف "أوبك بلس"، يبرز عامل داخلي مقلق يزيد من تعقيد المشهد النفطي، ويتمثل في استمرار تهريب النفط من إقليم كردستان.
فبينما تعتزم بغداد خفض صادراتها النفطية بواقع 100 ألف برميل يومياً استجابةً لقرارات التحالف، تشير التقديرات إلى أن عمليات التهريب، التي تصل إلى 200 ألف برميل يومياً، تلعب دوراً أساسياً في هذا التخفيض.
هذا الواقع لا يؤثر فقط على التزام العراق الدولي، بل ينعكس مباشرةً على موازنته العامة، التي تعتمد بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية، في ظل أسعار عالمية لا تغطي متطلبات الإنفاق الحكومي.
ومع استمرار التحديات المالية، يصبح تهريب النفط عاملاً مضاعفاً لأزمة الإيرادات، ويهدد بزعزعة استقرار التفاهمات بين الحكومة الاتحادية والإقليم، ويضعف قدرة الدولة على تنفيذ سياساتها الاقتصادية.
خفض الصادرات
في خطوة جديدة تعكس حجم الضغوط التي يواجهها العراق ضمن التزامه باتفاقيات "أوبك بلس"، قررت بغداد خفض صادراتها النفطية بمقدار 100 ألف برميل يومياً خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، لتصل إلى 3.2 مليون برميل يومياً.
هذا التخفيض يُعد مؤشراً واضحاً على مساعي العراق لتسوية موقفه مع التحالف النفطي الذي يضم أعضاء منظمة أوبك، إلى جانب روسيا وعدد من الحلفاء الآخرين، ضمن سلسلة من التدابير التي بدأت منذ عام 2022 بهدف استقرار أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ويأتي هذا القرار بعد تجاوز العراق حصته الإنتاجية خلال الأشهر الماضية، حيث تشير بيانات أوبك بلس إلى أن الإنتاج العراقي خلال شهر آذار الماضي تجاوز الحصة المقررة بنحو 90 ألف برميل يومياً، بينما تذهب تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الفائض كان أكبر بكثير، متجاوزاً 300 ألف برميل يومياً. هذا التفاوت في الأرقام يعكس تحديات واضحة في ضبط الإنتاج المحلي والامتثال للاتفاقيات الدولية.
ويضاف إلى هذه التحديات البُعد المالي للأزمة، إذ يقدّر صندوق النقد الدولي حاجة العراق إلى سعر 92 دولاراً لبرميل النفط لتغطية نفقات الموازنة العامة، في حين أن الأسعار العالمية الحالية لا تتجاوز 62 دولاراً، ما يضع الحكومة أمام فجوة مالية تهدد بتقليص الإنفاق العام وتعميق العجز المالي. وعلى الرغم من إعلان أوبك بلس عن زيادة إنتاج النفط بشكل عام، فإن العراق يُطالب بتخفيض صادراته، في إشارة إلى محاولات التحالف لمعالجة الاختلالات السابقة في التزام بعض الدول، ومنها العراق، بحصص الإنتاج.
التهريب يُخفِّض الصادرات
عمليات التهريب التي يُقدّر حجمها بنحو 200 ألف برميل يومياً تُحتسب ضمن إجمالي إنتاج العراق، ما يُظهر البلاد بمظهر المتجاوز لحصته الإنتاجية أمام التحالف النفطي الدولي
أوضح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أن قرار العراق بخفض صادراته النفطية إلى مستوى 3.2 مليون برميل يومياً، جاء نتيجة مباشرة للضغوط التي تمارسها منظمة أوبك بلس، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن السبب الأبرز وراء هذا الخفض يعود إلى استمرار تهريب النفط من قبل أطراف في إقليم كردستان.
وبيّن المرسومي أن عمليات التهريب التي يُقدّر حجمها بنحو 200 ألف برميل يومياً تُحتسب ضمن إجمالي إنتاج العراق، ما يُظهر البلاد بمظهر المتجاوز لحصته الإنتاجية أمام التحالف النفطي الدولي، ويُلزمها بإجراء تخفيضات تعويضية.
ويشكل هذا الوضع ضغطاً إضافياً على الاقتصاد العراقي، لا سيما في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية والحاجة الماسة إلى تعظيم الإيرادات العامة لمواجهة العجز في الموازنة.
الإقليم يتجاوز الاتفاقات
وفي ظل الأزمة المتفاقمة في الموازنة العراقية، تتزايد المخاوف من استمرار تهريب النفط من إقليم كردستان عبر الأراضي التركية، في مخالفة واضحة للاتفاقات المبرمة مع الحكومة الاتحادية.
ورغم الوعود السابقة من حكومة الإقليم بتسليم الإيرادات النفطية لبغداد، إلا أن التقارير تؤكد استمرار عمليات التهريب والبيع غير الرسمي، بما يشمل وجهات مثيرة للجدل مثل الكيان الإسرائيلي.
ويتهم سياسيون وخبراء اقتصاديون أطرافاً فاعلة داخل الإقليم، وعلى رأسهم (الحزب الديمقراطي الكردستاني) بالإشراف على شبكة تهريب منظمة تستخدم أسطولاً من الشاحنات الحوضية لنقل النفط إلى تركيا.
وبحسب تصريحات النائب السابق عبد صالح الدليمي، فإن هذه العمليات تتم بالتنسيق مع قوى أمنية محلية، وتُدار عبر طرق ومسارات سرية، بعضها يمتد إلى السليمانية لتفادي اعتراضات من جماعات مسلحة.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي حسن الشيخ أن عائدات التهريب تتجاوز 3 مليارات دولار سنوياً، ولا تخضع لأي رقابة من الحكومة المركزية، مشيراً إلى أن ما يُسلم لبغداد من الإيرادات لا يتعدى 20% من حجم المبيعات.
وتثير هذه المعطيات تساؤلات جدية حول مدى التزام أربيل بتعهداتها، وتُعد مؤشراً خطيراً على استمرار استنزاف الموارد النفطية خارج الأطر الرسمية، بما يفاقم من عجز الموازنة ويفقد بغداد السيطرة على أحد أهم مواردها الاقتصادية.
4 مليارات تتبخر سنوياً
وكشف عضو لجنة النفط والغاز النيابية، علاء الحيدري، عن تهريب يومي يقدّر بنحو 180 ألف برميل من النفط الخام من إقليم كردستان، ما يُسبب خسائر سنوية تُناهز 4 مليارات دولار لخزينة الدولة، في ظل غياب رقابة حكومية اتحادية على عمليات الإنتاج والتصدير في الإقليم.
وأشار الحيدري إلى أن عمليات التهريب تصاعدت عقب قرار محكمة باريس الدولية في آذار 2023، الذي أوقف رسمياً تصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، إثر دعوى قضائية رفعتها الحكومة العراقية ضد الاتفاق غير الشرعي بين أربيل وأنقرة.
ورغم توقف التصدير الرسمي، استمر الإنتاج في الإقليم، وبدأت عمليات نقل النفط بطرق غير قانونية باستخدام الصهاريج، وهو ما أكدته إشعارات "أوبك" التي رصدت زيادة غير مفسرة في كميات النفط العراقي المتاحة في السوق العالمية.
وبحسب الحيدري، فإن تحقيقات وزارة النفط لم ترصد أي تجاوزات في مناطق الوسط أو الجنوب، مشيراً إلى أن الإقليم وحده يتحمل مسؤولية هذه الزيادة غير المصرح بها، والتي تتم عبر شبكات تهريب تبيع النفط بأسعار منخفضة تقل عن السعر العالمي، ما ينعكس سلباً على إيرادات الدولة وتسعيرة العراق الرسمية في السوق الدولية.