حكاية السلّة الغذائية في العراق: التعاقد مع شركة الاوس "المشبوهة" وهدر وفساد بالمليارات
انفوبلس/ تقرير
كانت ولازالت الحصة التموينية شاهدًا على ما مرّ على العراقيين ولازال يلاحقهم من جور وحرمان، فمن الحصار والعوز الذي خلّفته السياسة "الهوجاء" للنظام السابق إلى حكومات المحاصصة، مرّت الحصة التموينية بمراحل متعددة من مراحل الفساد لتقتصر أخيرًا على عدّة مواد تُسلَّم كل شهر مقابل أموال طائلة تُخصَّص لها سنويًا، في وقت لا تزال الكثير من الأسر تعتمد بشكل كبير عليها لسدّ رمقها.
عام 2021 وفي زمن رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ظهر مشروع السلّة الغذائية في العراق، في وقت قالت وزارة التجارة آنذاك أن السلة الغذائية هي جزء من نظام البطاقة التموينية وفيها مكتسبات كبيرة، والميزة الأخرى للسلّة وهي أن المواد الغذائية ستكون جيدة ومن أفضل المناشئ والنوعيات، لكن ما تبين لاحقاً أن هناك ملفّات فساد وملاحظات كثيرة رافقت المشروع.
*بداية الحكاية
في تاريخ 4 أيار 2021، وافق مجلس الوزراء، على مقترحات وزارة التجارة بشأن تجهيز "السلة الغذائية"، وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان، أن "مجلس الوزراء وافق على مقترحات وزارة التجارة بشأن تجهيز سلة غذائية المبينة بموجب كتابها المرقم بالعدد (م.و/ 469) المؤرَّخ في 9 شباط 2021، بحسب الآتي:
١. تأمين التخصيصات المالية الخاصة بمشروع تجهيز السلة الغذائية من وزارة المالية والتي تندرج ضمن تخصيصات البطاقة التموينية المقررة في الموازنة لسنة 2021.
٢. قيام وزارة النفط بتقديم الدعم اللازم إلى وزارة التجارة لتنفيذ الفقرة (1) آنفاً بالتنسيق مع وزارة المالية.
٣. تتولى الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية، إحدى تشكيلات وزارة التجارة التعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة وفقا لأفضل العروض المقدَّمة على وفق السياقات المتَّبعة لها.
ومشروع السلة الغذائية في العراق كان من المقرر توزيعها منتظمة لكل فرد شهريآ تضم 3 كغم من دقيق القمح و3 كغم من الرز ولتر واحد من زيت الطعام وكيلوغرام من السكر و400 غرام من معجون الطماطم بالإضافة إلى كيلو غرام واحد من البقوليات، لكنها كانت خارج طموح المواطن الذي ينفق أكثر من 30 بالمئة من دخله الشهري على الغذاء.
*أسرار العقد مع شركة "الاوس"
وبعد شهرين من موافقة مجلس الوزراء على المشروع بدأت رائحة الفساد "تفوح" وتطفو على السطح، وهذا ما كشفه عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية النائب رياض التميمي، في رسالة بعثها الى رئيس الوزراء وهيأة النزاهة قال فيها، إنه "سجّل ملاحظات التعاقد حول مشروع السلة الغذائية في العراق"، مبينا إن "تلك الملاحظات المكوَّنة من سبع نقاط ذات اهمية فائقة في سبيل مكافحة الفساد والمفسدين، واسترجاع حقوق العراقيين"
وبحسب الرسالة فقد شخّص التميمي نقاطا وملاحظات عدة:
أولاً: إن العرض المُقدَّم لتجهيز السلة الغذائية هو عرض وحيد مقدَّم من قبل شركة الاوس للتجارة والمقاولات العامة والتجهيزات الغذائية وتجارة الأدوية البيطرية المحدودة المرقم (1) في 2021/1/7 لمديرها المفوّض فلاح فارس حسن عراقي الأصل أمريكي الجنسية، دون أن يمر بالإجراءات المرسومة بتعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم 2 لسنة 2014، وقرار مجلس الوزراء رقم 160لسنة2021 الذي كلّف الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية التعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة وفقا لأفضل العروض المقدمة إليها وعلى وفق السياقات المتبعة، أي لم يتضمن القرار استثناء من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية أو إجراءاتها.
ثانيا: إن الجهة التي تبنّت عرض الشركة أعلاه هي مكتب رئيس مجلس الوزراء حسب ما جاء بكتابها المرقم 649 في 2021/1/17 والمجلس الوزاري للاقتصاد ووزارة التجارة.
ثالثا: إن مفردات السلة تتكون من الرز والسكر ومعجون الطعام وزيت الطبخ وبقوليات التي ستكون كبديل عن الحصة التنفيذية.
رابعاً: قامت وزارة التجارة بالتعاقد مع شركة الاوس بموجب عقد مشاركة تستحوذ فيه الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية على نسبة (1%) و (99%) للشركة المجهِّزة.
خامساً: تضمين العقد نصّاً بإعفاء الشركة المجهِّزة من الضرائب والرسوم كافة رغم أن الضرائب تُفرض بقانون ولا يجوز الإعفاء منها إلا بقانون.
سادساً: تم التعاقد مع الشركة على التجهيز لمدة (5) سنوات خلافا لأحكام قرار مجلس الوزراء رقم (160) لسنة 2021 الصادر بتاريخ 2021/5/5 الذي نص على تأمين التخصيصات المالية لمشروع تجهيز السلة الغذائية من وزارة المالية والتي تندرج ضمن تخصيصات البطاقة التموينية المقررة بقانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021.
سابعاً: العقد فيه فساد وهدر للمال العام بحدود (2) مليار دولار.
وإلى ذلك، كشف عضو لجنة النزاهة النيابية هادي السلامي، في العام الماضي، أن "اللجان التحقيقية الرقابية أثبتت وجود فساد في عقود مشروع السلة الغذائية التي أبرمتها وزارة التجارة، مشيرا إلى أن "الفساد بلغ أكثر من 200 مليار دينار شهرياً".
*خطوات السوداني
أطلق رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، يوم الإثنين الماضي، مشروع السلّة الغذائية الخاصة بالمشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية التي ترعاها الحكومة عبر المرتَّبات الشهرية، وتشمل فئة الأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى غير القادرين على العمل.
وقال السوداني، في مؤتمر صحافي، بمقرّ وزارة التجارة في العاصمة بغداد، إنّ "عدد الأفراد المشمولين بالسلة الغذائية الخاصة بالحماية الاجتماعية هو 5 ملايين و76 ألفاً و694 فرداً".
وتضم السلة الغذائية، الأرز والدقيق والبقوليات والسكر والشاي والزيت ومعجون الطماطم ومسحوق الحليب للكبار، ومواد غذائية أخرى، حيث سيتلقى المستفيدون سلة غذائية شهرية ضمن مشروع الحكومة الجديدة لمساعدة الطبقة الأكثر فقراً في البلاد، بحسب البيانات الحكومية.
بعد عام 2003، ارتفع سقف أماني العراقيين، حتى شاع أن الحصة التموينية، ستأتي بالـ"الجعة" ومشتقات الألبان والعصائر، لكن الواقع كان قاسيًا، قُلصت المفردات وتباعدت فترات التجهيز، وأُجبر المواطن على شراء المستورد، حتى المواد الأساسية، مثل الرز والشاي والزيت والسكر.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في تغطية البطاقة التموينية من خلال الإنتاج المحلي، واعتمدت بشكل كبير على المستورد، وكانت المخصَّصات المالية للبطاقة التموينية للأعوام من 2006 إلى 2010، تتراوح ما بين 6 إلى 7 مليارات دولار، وعام 2021 بلغت 648 مليار دينار.
*ارتفاع سعر صرف الدولار
يُعد ارتفاع الأسعار، ضربة مالية جديدة تلقتها الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل، ويُشير خبير اقتصادي إلى أن "ارتفاع سعر الدولار والبضائع، ساهم بتعاظم العجز المالي لمعظم الموظفين، إذ يستلم مليون دينار شهريًا، وهي تساوي قرابة 700$ على سعر صرف الدولار الحالي، لكن الارتفاع أدى إلى انخفاض قيمة المرتَّب، وارتفاع أسعار البضائع"، مستطردًا، "لو كانت الدولة تمتلك المنتج المحلي، لكان المواطن غير معني بارتفاع سعر الدولار لهذه الدرجة، إذ تبقى الأسعار على حالها".