خطوة ثورية لو تحققت بالكامل.. الحكومة تنوي شراء العقارات من المستثمرين لتبيعها على المواطنين بأقساط مريحة

انفوبلس..
في خطوة لتعزيز فرص الإسكان لذوي الدخل المحدود، تتبنى الحكومة العراقية نهجاً جديداً يقوم على شراء الدولة للوحدات السكنية من المستثمرين وإعادة توزيعها بأقساط ميسّرة، متجاوزة الأساليب التقليدية. يأتي ذلك ضمن خطة لتوفير مليون وحدة سكنية، وسط تحديات تتعلق بارتفاع أسعار العقارات، الفساد، وهيمنة الاستثمار العقاري على حساب القطاعات الإنتاجية.
خطة حكومية
أكد مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح، التوجه لمغادرة الأسلوب السابق في الاستثمار العقاري، مشيراً إلى أن الدولة ستشتري من المستثمر وتوزع على المستفيدين بأقساط شهرية مريحة.
وقال صالح، إن "العراق يتجه ضمن سياسته الإسكانية التي أعلنها رئيس مجلس الوزراء، والتي تقضي بتوفير مليون وحدة سكنية في مناطق حضرية جديدة وضمن التخطيط العمراني لمناطق البلاد كافة وبمواقع بديلة، فهي سياسة تحمل في جوانبها حالة من التوازي والتكامل مع إنشاء بنى تحتية جديدة ترافق النهضة العمرانية وتوليد حواضر جديدة على خلاف النماذج السابقة التي شُيّدت في المناطق الحضرية المركزية القائمة".
وأضاف، إننا "سنغادر النموذج السابق في الاستثمار العقاري وباتجاهين؛ الأول: إن الدولة ستكون المالك في بادئ الأمر بعد شرائها من المستثمر، وهي مكتملة البنية التحتية وتتولى توزيعها على المستفيدين من ذوي الدخل المحدود بصورة حيازات وبأقساط شهرية مريحة جدا الى حين التملك النهائي، مما يخفف من عبء الحائزين الجدد للعقار. والثاني: توفير قروض إسكانية ميسّرة عن طريق المصرف العقاري وصندوق الإسكان وأي صناديق أخرى متاحة لتمويل جانب من عملية الإعمار والسكن الفردي".
وتابع صالح، إنه "على الرغم من أن دورة الأصول العقارية قد شهدت ارتفاعات حادة خلال السنوات الماضية ثم ذهبت نحو الركود حالياً، إلا أنه بموجب السياسة الإسكانية الجديدة التي تنسجم والبرنامج الحكومي نتوقع هبوط تلك الدورة نحو الاعتدال وذلك بتطابق القيمة العادلة للعقارات مع أسعارها الحقيقية، ولاسيما أن حركة توزيع أراضٍ للسكن الأفقي هي الأخرى تسير سويةً مع سياسات الإسكان العمودي آنفاً والتي تعثرت خلال السنوات الخمسين الأخيرة بسبب ما مرَّ بالبلاد من حروب وحصار وصراعات".
ونوه بأنه "بهذه الرؤية التكاملية الجديدة بين السكن العمودي والسكن الأفقي المدعوم بسلة المواد الإنشائية الأساسية من الدولة والقروض الميسرة والبنية التحتية الجديدة، فإن اتجاه أسعار العقارات في البلاد لابد أن تأخذ حالة طويلة من الاستقرار بين أقيام العقارات الفعلية وأسعارها ولمصلحة أصحاب الأُسر من ذوي الدخل المحدود وبشكل انخفاض متدرج، وفي محافظات البلاد كافة".
العقارات تستحوذ على غالبية الاستثمار
ويصل الاستثمار العقاري إلى نسبة 80 بالمائة من إجمالي الاستثمارات في العراق، تاركاً خلفه استثمارات كبيرة وعريقة من ضمنها قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة التي تشغل الأيدي العاملة ويكون مدخولها المادي كبيراً على العراق وتساهم في الحد من عجز الموازنة، لكن رغم ذلك يلاحَظ أن الاستثمار العقاري له الحيز الأكبر، بحسب الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج.
ويوضح الفرج، أن "الاستثمار العقاري، رغم أنه مهم بسبب تضاعف أعداد سكان العراق كل 25 عاماً، وهناك حاجة إلى بناء 3 ملايين وحدة سكنية، لكن ما يحصل هو أن الاستثمار العقاري والمجمعات السكنية هي خارج قدرة المواطن الفقير والموظف البسيط وأصحاب الدخل المحدود والمتوسط، بل هي لأصحاب الدخل العالي من التجار والمقاولين وغيرهم، وهذه مشكلة كبيرة ولن تحل أزمة السكن".
ويعزو الخبير الاقتصادي الاهتمام الكبير بالاستثمار العقاري، إلى "وجود فساد مالي وإداري وضعف في القانون وعدم محاسبة المقصرين والفاسدين، كما يعتبر سريعاً وفيه كومشنات عالية وغير مكلف للمستثمر الذي يحصل على تسهيلات كبيرة من قبل الحكومة دون الأخذ بنظر الاعتبار المواطن الفقير".
استثمار موجَّه للسكن فقط
بدورها، تبين عضو لجنة الاستثمار النيابية، سوزان منصور، أن "العراق يعاني من استثمار موجَّه للاستثمار السكني فقط، حيث إن أكثر الاستثمار الحالي في العراق هو الاستثمار السكني لربحه العالي والمستثمرين يتلاعبون بالأسعار على مزاجهم".
"ويبلغ سعر أقل شقة سكنية في بغداد من 300 إلى 500 ألف دولار، وهذه الأسعار خارج قدرة الموظف البسيط، حتى في حال قدّم المواطن على المصرف العقاري فإنه أقصى ما يستطيع تحصيله هو 120 مليون دينار، لذلك لا يستطيع الشراء من هذه المشاريع السكنية"، وفقاً لسوزان.
وتقترح أن "على الحكومة بدل إعطاء الاستثناءات للمشاريع السكنية أن تشجع على الصناعة الوطنية لتشغيل الشباب من خلال إعطاء الاستثناءات إلى المصانع التي الكثير منها متوقف حالياً، وكذلك الاهتمام بالزراعة خاصة وأن العراق كان يطلق عليه أرض السواد لخصوبة أرضه، وأن التشجيع على الصناعة والزراعة يساهم في دعم الاقتصاد العراقي في ظل المخاوف من انخفاض أسعار النفط".
أما ارتفاع أسعار العقارات، فيعود إلى أمرين، بحسب مصدر مطلع، الأول "ارتكبه البنك المركزي العراقي بزيادة نسبة القروض الممنوحة للعقارات إلى 125 مليون دينار، ما جعل البائع يرفع السعر ما انعكس سلباً على المواطن".
وعن الأمر الآخر، يوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أنه "بعد تضييق الخناق على غاسلي الأموال وعلى الفساد المالي والإداري في العراق إثر الضغوط التي مورست من قبل الفيدرالي والخزانة الأمريكية لمكافحة تهريب الأموال إلى الدول المحظورة، بات اللجوء إلى شراء العقارات في الداخل بدل تهريبها".
ويلفت إلى أن "غاسل الأموال يتصور أن بعملية تغيير نوع المال من أموال مستحصلة بطريقة غير مشروعة إلى أموال مستحصلة من بيع العقارات ستنظف أمواله، لكن هذا التصور خاطئ، وستبقى هذه الأموال قذرة لأن مصدرها غير نظيف، فهذه المشكلتين الأساسيتين وراء ارتفاع أسعار العقارات في العراق".
غسيل الأموال
وبات اللجوء الى الاستثمار العقاري في العراق "وسيلة آمنة للكثير من عمليات غسل الأموال"، خاصة بعدما تعرضت التحويلات الخارجية للأموال للمراقبة والمتابعة والحظر من قبل الخزانة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي، "ليتجه معظم الفاسدين إلى غسل الأموال داخلياً من خلال شراء العقارات والاستثمار بها"، بحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قانون الاستثمار في العراق تعترضه العديد من العراقيل والازدواجية، "أولها تضارب هذا القانون مع قوانين استثمار أخرى في وزارات الدولة، رغم أن قانون الاستثمار رقم 13 له الأولوية التشريعية من حيث المبدأ، إلا أن قانون الاستثمار ذاته لا يحمي أموال المستثمر (العراقي والأجنبي) ويُطالب القانون بكشف الذمة المالية للمستثمر، لذلك فإن من يتجه إلى الاستثمار وفقاً لهذه البنود يكون قد بنى علاقاته مع جهات متنفذة وفقاً للمصالح المشتركة بينهما".
ويشير الباحث الاقتصادي، إلى أن "من بين الأسباب التي دفعت للاستثمار هي تزايد عدد السكان والتوسعة العمرانية والحاجة الملحة لمزيد من الوحدات السكنية، ولا ضير في قضية الاستثمار من أجل التوسعة، إلا أن ما يحدث، هو أن مراكز المدن أصبحت مكتظة بالسكان ولا تحتمل الطاقة الاستيعابية خاصة في العاصمة بغداد".
ويرى، أن "المشاريع السكنية لا تعالج أزمة السكن المتزايدة في العراق، في ظل وجود أكثر من 4 ملايين مسكن عشوائي، فضلاً عن حاجة البلد لأكثر من 4 ملايين وحدة سكنية".
ويكشف، أن "استثمار المشاريع السكنية لا يخلو من الفساد، حيث هناك الكثير من المجمعات والمدن السكنية تشوبها الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة الشركات الاستثمارية المنفذة، أو جودة مواد البناء التي تستخدمها هذه الشركات في عمليات الإنشاء والتجهيز".
ويتابع، "كما هناك مجمعات سكنية أحيلت للاستثمار إلى شركات منفذة منحت الأراضي والإجازات الاستثمارية وفقاً لعلاقاتها مع الجهات المعنية، ولم تكن بالمستوى المطلوب في جودة عملها والمواد المستخدمة في إنشاءاتها، حيث لا تُقارن كلفة الإنشاء البسيطة مع مستوى مبالغ البيع الهائلة".
ويؤكد، أن "المواطن لا يستفيد من هذه الاستثمارات لأنها تعود لشركات ربحية تعمل وفقاً للسياسة الاحتيالية، كما أنها تابعة لجهات سياسية أو مكاتب اقتصادية لميليشيات وأحزاب متنفذة، ولا تمتلك الخبرة الكافية".